فيضان نفطي أميركي… يهدد بإغراق الروس وينذر دول الخليج

353

Usaكتب عماد المرزوقي

الحكمة – متابعة: الولايات المتحدة، لاعب نفطي بأمتياز… لكن النفط ليس قوتها فقط، بل هو سلاح ردع من نوع خاص، حيث ان أكثر المتضررين من «وديان» النفط الأميركية الواعدة، التي تفيد تقارير بانها ستفيض مع بداية العام 2017 لتغرق الأسواق وتطيح الأسعار مجدداً إلى ادنى مستوياتها، هم الروس ودول «أوبك». أما الاقل تضرراً، فهي، دول الخليج. فوفق تقرير لـ «غولدمان ساكس»، فإن غزارة الإنتاج النفطي الأميركي بعد 6 اشهر، ستزيد من خشية الاقتصاد الروسي الذي لم يتعاف بعد من الهبوط المدوي لأسعار النفط منذ فترة ليست بقصيرة… وخليجياً، فان أي هبوط جديد، وفق بعض المحللين النفطيين، قد يسبب منعرجاً مزعجاً للدول النفطية لمجابهة سلسلة ثانية من التراجعات النفطية بسبب سيول النفط الصخري الأميركي.

فزيادة تخزين وإنتاج النفط في  أميركا وان كان يضر بدول نفطية كثيرة، الا انه خبر ايجابي لاقتصاد الولايات المتحدة الذي قد يستفيد في حالة تراجع أسعار النفط، من خلال ارتفاع قيمة الدولار. وان كانت دول الخليج قادرة بفضل ملاءاتها المالية، على تحمل هزة نفطية جديدة، فان الروس لا يبدو انهم قادرون على الصمود كثيراً في حال اهتزاز ميزانياتهم التي تعول في شكل اساسي على الغاز والنفط.

ويرى المحلل السياسي عايد المناع، ان هبوطا جديداً في أسعار النفط من خلال سيناريو اميركي، تكتيكي او استراتيجي، قد يتسبب في «غضب الدب الروسي»، من دون ان يستبعد في تصريح لـ «الراي»، «اي فرضيات متهورة، كاستدراج الأميركيين إلى صراع مباشر او غير مباشر في اوروبا الشرقية، من اجل الاضرار باقتصادهم واستنزاف ميزانيتهم، كما تسعى حالياً واشنطن إلى استنزاف روسيا وحلفائها ماليا عبر لعبة كسر أسعار النفط، بهدف تحجيم الدور الروسي المتنامي في التوسع في العالم».

ولا أحد يتوقع كيف ستنتهي هذه اللعبة التي يخوضها الأميركيون والروس والخليجيون، ففي حين تصر دول الخليج ضمن «أوبك» على الإنتاج بأقصى معدلاتها للايفاء بالتزاماتها، كما يوضح المحلل الاقتصادي عصام مرزوق لـ«الراي»، وهو امر يزعج شركات النفط الصخري مكلف القيمة في الولايات المتحدة لعدم وصول سعر البرميل إلى فوق الـ 50 دولارا كقيمة عادلة، تستمر روسيا ايضاً في مخططات زيادة معدلات الإنتاج. لكن مستوى الإنتاج العالمي الحالي من شأنه ان يرتفع بعد اشهر على اثر توجه بزيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي مرة اخرى، كما اكد ذلك تقرير «غولدمان ساكس»، ما سيترتب عنه زيادة منافسة نفط «اوبك» والروس. «وهذا التحدي وان يضر جزئيا بمصالح شركات نفطية اميركية، فان ضرره اكبر سيكون على الروس والعرب، لأن الأخيرين يعتمدان بنسبة كبيرة على صادرات المحروقات»، وفق ما يقول مرزوق لـ «الراي».

وفي حين لا تجزم التحليلات بان منافسة  أميركا كبار مصدري النفط، هو عمل مدبر او مؤامرة، بل مجرد نتيجة لجهود مضنية لتأمين الاكتفاء الذاتي من الطاقة، فانه ومنذ 70 عاماً، تعمل الولايات المتحدة سراً وعلناً على بناء سلاح ردع جديد، وهو عبارة عن أكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم. هذا المخزون المتنامي يكشف عن مخططات اميركية للدخول بقوة في التحكم في أسعار النفط شريان الحياة، للروس وللخليجيين. فزيادة المخزون والإنتاج الأميركي من شأنه أن يغير لعبة المصالح إلى الأبد.

لكن ما من احد يمكنه لوم الأميركيين في سعيهم الحثيث لتعزيز مخزونهم النفطي. الا ان هذا السعي، وفق المرزوق «يثبت ان النفط بات سلعة سياسية أكثر منها اقتصادية». ومن اجل الهيمنة على سياسات المصالح الدولية، قد يكون هدف التفوق عالميا في إنتاج وتخزين النفط، مبررا لذلك. فقد فاق المخزون النفطي الأميركي للمرة الاولى، مخزون روسيا وكذلك مخزون السعودية، وهما اكبر منتجي النفط في العالم. حرص الولايات المتحدة على تخزين النفط، يبدو وكأنه حرص على تخزين المؤونة استعداداً لحرب طويلة، كما كان الحال في الحروب، قديماً. ويؤكد في هذا الصدد تقرير لشبكة «سي ان ان»، أن «الآثار المستقبلية للاحتياطيات الكبرى للنفط في  أميركا ايجابية. فباعتبارها أكبر مستهلك في العالم للنفط، ستساعد الاحتياطيات المتنامية على خفض العجز التجاري الأميركي ورفع سعر الدولار». ويضيف التقرير «ان حرص  أميركا على زيادة مخزونها النفطي، سيحميها جغرافياً وسياسياً، وسيمنع دولاً من أن تستخدم النفط كأداة سياسية ضد الولايات المتحدة لأنها انذاك تكون مكتفية ذاتياً». لكن الاستنتاج الخطير يتجلى بالتالي: الولايات المتحدة، يبدو انها وفق تقارير جديدة، «تتجه إلى الانسحاب في وقت أسرع مما يتوقعه البعض من صراعات كثيرة في دول المنطقة بداية من افغانستان إلى دول الخليج»، كما ذكر ذلك تقرير لصحيفة «ناشيونال».

وانعكس تأكد بداية مسار الاستقلال النفطي لواشنطن عن دول الخليج، برودة في علاقتها بدول المنطقة التي عولت لعقود على التحالف مع  أميركا خصوصا في اوقات الأزمات. وتنكشف هذه البرودة أكثر فأكثر في مراقبة الاميركيين لدول المنطقة تحترق من دون حسم اي قضية من قضاياها منذ سنوات، بل على العكس، فقد ورطت «سياسة أنصاف الحلول» الأميركية، الدول الخليجية النفطية في صراعات مزمنة في دول الجوار، ما كلفها استنزاف ميزانياتها المعولة اساساً على البترول في نفقات الحروب والتسلح. كما بدأت سياسية جديدة تطغى في المنطقة، وهي «حماية نفسي بنفسي» والتعويل على الذات. لكن الدخول في حرب طويلة قد يستنزف دول الخليج كثيراً، وفق مرزوق، «وقد تكون آثاره كارثية، تلتهم ميزانيات دول الخليج»، حسب ما قال المحلل الاقتصادي عامر التميمي لـ «الراي».

لكن وان ارتفعت أسعار النفط قليلاً منذ أشهر لتنقذ ميزانيات دول خليجية كثيرة، فان هبوطها مجدداً في حال زيادة المعروض العالمي مع توجه أميركي لزيادة دعم رفع الإنتاج، سيؤثر وفق مرزوق، «سلبا على عوائد الميزانيات والخوض مجدداً في مشكلة العجز الذي قد يتقافم اذا استمر تدخل دول الخليج في الحرب الدائرة في اليمن والصراع في سورية والحرب على الارهاب في العراق وفي المنطقة».

وأكد مرزوق أن «حرص الأميركيين على الاكتفاء الذاتي النفطي من خلال مسارعة تخزين الاحتياطات وزيادتها في شكل غير مسبوق، قد يعني اقتراب الولايات المتحدة من فك ارتباطها بالمناطق المنتجة والمصدرة للنفط، واعتمادها المحتمل على معادلة جديدة في التعامل مع الدول النفطية العربية والخليجية خصوصاً، وفق علاقة مصلحية بحتة». وأضاف ان الولايات المتحدة «مستفيدة من التهاب المنطقة من اجل ازدهار مصانع السلاح لديها. اما الخاسر الاكبر فهي دول الخليج، التي ستجد نفسها مضطرة في بوتقة الصراعات المندلعة إلى تأمين نفسها، لكن سيكون ذلك على حساب مواردها المتأتية من النفط الذي تسعى واشنطن إلى التحكم في سعره لمقايضة الدولة على مصالحها.

ووفق ما تقول الخبيرة النفطية نوال الفزيع لـ «الراي»، فان«منظمة اوبك لا تزال تحافظ فقط على استقرار أسعار النفط والإمدادات للسوق العالمية، ولم تعد مؤثرة في شكل مباشر في ارتفاع سعر النفط وانخفاضه». وتقول ان«ثمة عاملين باتا يتدخلان في التأثير على أسعار النفط، وهما معادلة العرض والطلب وايضا الأوضاع السياسية».

وفي هذا الصدد، يقول مرزوق ان «دول الخليج وفي مواجهة سيناريو اغراق اسواق النفط، لا يبدو انه ستكون لديها خيارات كثيرة غير الاستمرار في إنتاج أقصى طاقتها، وهنا تبرز مواطن ضعف اقتصادات دول الخليج التي ستكون أمام ضغط غير مسبوق اذا ما استمرت لفترة طويلة ارتدادات الأسعار في ظل تأخر مصادر تنويع الاقتصاد واستمرار الحروب الدائرة في دول الجوار، التي تكلفها مبالغ طائلة لحماية نفسها بنفسها».

لكن الحروب الدائرة في المحيط والتي لم تحسم بعد، اما بتدخل ديبلوماسي او عسكري، تزيد من مخاطر تأثر الإمدادات النفطية الشرق الأوسطية. وفي الوقت نفسه يخدم توتر الشرق الأوسط، كبار مستثمري النفط الأميركيين، الذي يعملون بقوة على زيادة التنقيب عن النفط، لمنافسة منتجي النفط التقليديين اولاً والتفوق عليهم اخيراً. لكن وان زادت معدلات إنتاج وتخزين النفط الأميركي، فان «واشنطن لن تدير ظهرها وفق المناع لدول الخليج النفطية». فصناع القرار الأميركيين، كما يوضح التميمي،«يدركون جيداً ان اهمية دول الخليج لا تكمن في النفط فقط وانما في موقعها الاستراتيجي المطل على مناطق حيوية مختلفة لعبور القوافل التجارية».

الى ذلك، فان  أميركا حتى وان أصبحت نفطية أكثر من دول الخليج، فان من غير الوارد، على حد وصف المناع، ان تفرط في تواجدها التاريخي في المياه الدافئة في المنطقة التي يسعى الروس منذ عقود إلى ان يزاحموا الأميركيين فيها.

ويرى المناع ان «الأميركيين الجدد في عهد واشنطن النفطية لا يمكنهم المجازفة بتقليص نفوذهم العالمي والانسحاب من مناطق حيوية، مثل الخليج العربي من اجل عدم رميه في احضان الروس الذين عادوا من سنوات قليلة عبر البوابة السورية، ليؤكدوا اهتمامهم بتوسيع وجودهم في المنطقة ودعم تحالفاتهم وعرض خدماتهم ان قصر الأميركيون في ذلك. وفي النتيجة، فان الروس يتصيدون اي تقليص للقوة الأميركية ليحلوا محلها خصوصاً وانهم أصبحوا لاعباً استراتيجياً الآن في نصف قضايا الشرق الأوسط» المرتبطة خصوصا بايران وسورية والحرب ضد تنظيم «داعش».

فأميركا، كما يعتقد المناع، «باتت اليوم أكثر من اي وقت مضى تحسب خطواتها المستقبلية من اجل المحافظة على زيادة نفوذها في مناطق كثيرة. ومع زيادة وفرتها النفطية، فأنها تصبح أكثر استقلالية على مستوى اتخاذ القرار وحماية امنها القومي». كما «ان واشنطن ستقف سداً منيعاً أمام عدم عودة احياء الاتحاد السوفياتي من جديد عبر زيادة النفوذ الروسي في السنوات الأخيرة»، وفق ما يضيف.

فبالنسبة إلى الروس الذين يعولون على ايرادات والنفط والغاز، لا يستبعد المناع، انه «في حال تضررت روسيا اقتصاديا بسبب انهيار مفتعل لأسعار النفط، ان تلعب مجدداً ورقة ابتلاع اوكرانيا ودول اوروبا الشرقية التي تمثل ارض حرب باردة بين الغرب والروس. وهذا ما قد يمثل سيناريو غير مستبعد لمواجهة طالت بين القطبين، البيت الابيض والكرملين».

وفي ظل صراع القطبين، فإن دول الخليج، كما يعتقد المناع، «تبحث عن مصالحها، وفي المصالح، ليس هناك ايديولوجيا». ولا يستغرب ان تعقد دول الخليج، في حال تقلص زخم تحالفها مع واشنطن، شراكة مصالح مع الروس. «فلم تعد توجهات دول الخليج تحددها الليبرالية الجديدة او الشيوعية القديمة. فدول مجلس التعاون الخليجي اليوم، أصبحت أكثر اهمية من ذي قبل وأصبحت نداً لقوى كبرى، ولا يمكن ان يتم الهيمنة عليها من خلال الايديولوجيا، فقد أصبحت أكثر براغماتية من ذي قبل»، حسب ما يرى.

(الراي)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*