عمالة الأطفال.. جهود شاقة بدل اللعب ومقاعد الدراسة

300

8-3887الحكمة – متابعة: الفقر ومسبباته كالحروب وبعض الانظمة التربوية والاجتماعية دفعت نسبة ليست بقليلة من اطفال العراق لدخول عوالم اكبر من اعمارهم، تتناقض مع احلامهم وبددت مستقبل الكثيرين منهم، واضطر بعض اولئك الاطفال الى ترك مقاعد الدرس والبحث عن عمل حتى وان كان قاسيا للمساهمة بعائد مالي يسهم في تحسين وضع عائلته المعاشي، هذا الواقع دفع جهات كثيرة للفت نظر الحكومة الى هذه الظاهرة التي اصبحت في تزايد مستمر.

ظاهرة
الحرب مع الارهاب ونزوح العوائل القيا بظلالهما على شريحة الاطفال ودفعا بعضهم الى ترك الدراسة والاتجاه الى سوق العمل بمهن هامشية لاتناسب اعمارهم، حيث تخلف هذه الظاهرة آثارا سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص.

أسباب
عمالة الاطفال أخذت أشكالا عدة أهمها تشغيلهم في أعمال غيرمؤهلين لها جسديا ونفسيا ، وبعضهم تعرض لحوادث نتجت عنها عاهات مستديمة،  علما ان العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت الاستغلال الجسدي والاقتصادي للاطفال ونموه البدني او العقلي او الاجتماعي وليس وراء عمالة الاطفال اسباب اقتصادية فقط ، فهنالك قضايا ثانوية اخرى منها الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الطفل .

حسرة
في ورشات عمل النجارين المنتشرة في احد شوارع منطقة القاهرة ببغداد ، كان عشرات الاطفال والصبية يعملون كعمال لدهان الاخشاب وصباغتها  باجور يومية تختلف من عامل لاخر، ومثلهم كثيرون في مناطق اخرى، كرار عبد الواحد ( 11) عاما يعمل في معمل نجارة منذ سنة ونصف ، فقد ترك المدرسة بعد ان فقد والده الذي استشهد بحادث ارهابي،  يقول كرار:
” مازالت احن الى ايام الدراسة وزملائي واصدقائي في المدرسة ، لكن والدي كان يعمل سائقا باجر يومي وعندما استشهد لم تكن امام والدتي سوى الاستعانة بعملي في ورشة النجارة لاوفر لها مبلغا تستعين به لاعالة اخوتي الاصغر مني سنا ، وهي ايضا تعمل (خبازة)”.
واضاف” انا اسكن مع والدتي في بيت مستأجر في منطقة (خلف السدة) ، وما نحصل عليه من اجر يومي نجمعه لكفاف يومنا ومتطلباتنا كأسرة، وفي احيان كثيرة اكون حزينا جدا لتركي الدراسة ، وفي احيان اخرى ابكي من شدة التعب واشعر برغبتي الشديدة للعب والنوم لساعات من دون ان تكون على عاتقي ادنى مسؤولية” .

فيتر
في منطقة الشيخ عمر الصناعية، لاحصرلعدد الاطفال العاملين (كصناع) ، فهم يملأون المحال والورش، وبعضهم بدا اكبر من عمره بكثير، ابراهيم فريح ( 12) عاما يعمل (فيتر) لتصليح السيارات ، كان ينادي زملاءه بمسميات والفاظ غريبة وسوقية ، ويتحدث بمنطق يفوق سنه كطفل  ، ابراهيم يعمل في هذه المهنة منذ ان كان في سن 8  اعوام ، وبالرغم من انه ينتمي لاسرة تتكون من 9 افراد ، ولديه اربعة اشقاء اكبر سنا منه ، الا انه يعتمد على نفسه ماليا ويسهم في مساعدة والده الذي يعمل حارسا ليليا في احدى الدوائر الحكومية ، لكنه نادم على العمل بهذه المهنة ، فلم ينصحه ابواه ولم يهتما بشؤونه ومستقبله، لانهم لايجيدان القراءة او الكتابة .

“الاسطة”
في محل (بنجرجي) بمنطقة الشعب تحدث صاحب المحل كمال مجذاب عن عمالة الأطفال قائلا :
” يعمل عندي اخوان منذ اكثر من عامين بعد ان نزحا من مدينتهم في محافظة الانبار، الاكبر هو في سن الثالثة عشرة والاصغر بعمر عشر سنوات ، وهم يوفران لوالدتهما راتبا اسبوعيا لايقل عن 100 الف دينار، ووالدهما مسجون بسبب احدى الجرائم الجنائية ، ومن المهم ان تضع الامهات ابناءهن في ايد امينة ، هؤلاء الصغار من المفروض ان يكونا في المدارس ، لكن ظروفهما المادية لاتسمح، ومن الممكن ان اعلمهم مهنة ليعتمدا على انفسهما في المستقبل، فالدراسة هي الاخرى لم تعد تجدي نفعا عندنا ، فآلاف الخريجين مازالوا يعانون من البطالة” .

غير ملزمة
الباحث الاجتماعي كاظم حسين ناصر بين:
” ان اغلب الاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفل غيرملزمة لاغلب الدول التي توقع على تلك الاتفاقيات، وبعض البلدان توقع على الاتفاقية ولا توجد لديها اية قاعدة قانونية او ادارية او فنية ولا تتوفر فيها اية بنى تحتية يمكن ان توفرالظروف والبيئة الملائمة لتنفيذ القوانين الخاصة بحماية الاطفال من تداعيات الانخراط في العمل في سن مبكرة وتركهم لمقاعد الدراسة”. واضاف” ازدادت ظاهرة التسرب من المدرسة خلال السنوات التي اعقبت سقوط النظام ،وانخراط البلاد في الحرب ضد الارهاب وسوء الاوضاع الاقتصادية لآلاف العوائل العراقية ، حتى اصبحت ظاهرة عمالة الاطفال شائعة بشكل تثير الانتباه، كما ان المؤسسات المعنية لم تجد قانونا يحميها ويقوي موقفها في متابعة اسر الاطفال الذين يزجون بابنائهم في عمالة تفوق قدراتهم البدنية والفكرية، الامر الذي فاقم حجم المشكلة واصبح آلاف الاطفال يقضون ساعات طويلة في الشوارع كباعة متجولين او في ورش ومعامل بعيدا عن مقاعد الدراسة، وانجر الكثيرون منهم الى اخلاقيات لا تتناسب مع سن الطفولة”.

خطورة
الدكتور عبد الرحيم الشمري (استاذ علم النفس في جامعة بغداد) اشار الى:
“خطورة اتساع ظاهرة عمالة الاطفال في مهن وحرف شاقة لا تتناسب مع اعمارهم ، اضافة الى ترك مقاعد الدراسة وحرمانهم من حق التعليم بسبب ظروف وعوامل كثيرة  ابرزها  الحرب ونزوح العوائل من مناطقها  والاوضاع الاجتماعية المختلفة ، جميع هذه الظروف ادت الى شيوع فكرة عدم فائدة الدراسة من الناحية المادية، في وقت تجد فيه العوائل الفقيرة نفسها مرغمة على استغلال اولادها في سن مبكرة للعمل في مهن مختلفة من اجل الحصول على مردود مادي لتأمين متطلبات العيش، فالسبب الاقتصادي مهم ومؤثر ويشكل اكثر من 80 بالمئة كحافز مؤثر في ظاهرة عمالة الاطفال”.

قانون
الدستور العراقي أقر في العام 2005 حقوق الأطفال، وجاء في المادة 29 منه: “يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم”، لكن المؤسسات المعنية بتنفيذ هذا القانون لم تكتمل لديها المقومات الفنية والقانونية والادارية التي تتيح لها تنفيذ الاجراءات الخاصة بمنع عمالة الاطفال.

اتفاقية
في عام 1989 اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وأكدت ضرورة السعي لحماية الاطفال من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وأوجبت على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل وايجاد نظام ملائم لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات مناسبة لضمان فاعلية تطبيق هذه النصوص، وقد صادقت على هذه الاتفاقية غالبية الدول العربية والعديد من دول العالم.

يونسيف
وفي مسح أسري تعاونت فيه الحكومة العراقية مع منظمة اليونيسيف جرى تشخيص  32 بالمئة من أطفال العراق قد حُرموا من الخدمات الصحية والإنسانية مع ان مجموع الأطفال الذين هم دون سن 18 يبلغ 16،6 مليون نسمة . واعترضت منظمة اليونيسيف على نسبة المتعرضين للعنف الجسدي في المدارس، اذ تبلغ نسبتهم تقريباً 3،3 ملايين تلميذ، مع ان العراق قد صادق على وثيقة حقوق الطفل، لكن العنف لا يزال يمارس في داخل المدارس وخارجها، ونلاحظ ان أكثر من ربع الأطفال بعمر 2 – 14 عاما ونسبتهم 27،7 بالمئة يتعرضون إلى العنف الأسري كأسلوب للتربية ، كما يتعرض الطفل للقسوة من قِبل الأسر الريفية بنسبة 75 بالمئة أكثر من الأسر الحضرية، ويتعرض الذكور الى ذلك أكثر من الإناث!.
وتعتقد (المنظمة) أن الطفل العراقي يعيش في حالة مزرية من الحرمان المادي والمعنوي، الجسدي والنفسي، ويتصل هذا بحرمان الأمهات من الرعاية الصحية الجسدية والنفسية وبسبب التلوث الحاصل للغذاء والهواء والماء، وجميع هذه العوامل تسهم في اعاقة عملية التنمية وترقيع البناء الفوقي والتحتي، بدلا من بنائه على اسس علمية صحيحة.

التخطيط
في دراسة لمديرية الاحصاء الاجتماعي والتربوي في مركز التدريب والبحوث الاحصائية في وزارة التخطيط بينت:
“ان ظاهرة عمالة الاطفال تقلصت إلى النصف تقريباً خلال إحدى عشر سنة منذ عام 2000 . ولغاية عام2011، الا أن هذه التقديرات تمثل الحد الادنى من انتشار عمالة الاطفال، فبعضهم ينخرطون في أعمال ثقيلة وربما خطره لعدد من الساعات يمكن أن تكون أقل من العدد المحدد في معايير احتساب عمالة الأطفال … وعلى أية حال فان عمالة الطفل في المناطق الريفية تشكل النسبة الاعظم وأكثر هذه إلعمالة لصالح الاسرة في الأعمال الزراعية .”
ويضيف التقرير”على الرغم من ملاحظة عدد كبير من الاطفال يعملون في الشوارع وفي ورشات تصليح السيارات والحدادة والخدمة في المنازل ، الا أن نسبة عمالة الاطفال في العراق هي اقل من معدل بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا وفي البلدان النامية والمعدل العالمي ولكنها متقاربة مع لبنان ومصر وأعلى مما هي عليه فقط في سوريا ومع ذلك فان ظاهرة عمالة الاطفال في العراق تشكل تحدياً كبيرا أمام جهود تنمية الطفولة” .

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*