Take a fresh look at your lifestyle.

بعض صور القيامة في الكتاب والسنة

0 1٬155

 

           يحفل القرآن الكريم وأحاديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)بصور يوم القيامة التي لها دلالة كبيرة في الترغيب والترهيب بإثارة الانفعالات الوجدانية وإشاعة اللذة النفسية وإجاشة الحياة الكامنة التي تسهم في تشكيل الصور الرائعة والمناظر الشاخصة بتصوير مناظر الجنة وما فيها من نعيم، ومشاهد النار وما فيها من عذاب.

           ويبدأ يوم القيامة بالصورة الحسية المسموعة المتكررة، وهي النفخ في الصور، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)(يس:51)، فيهلك من في السموات ومن في الأرض إلّا ما شاء الله، ثم تكون نفخة أخرى فيبعث الجميع ويخرجون من قبورهم، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)(الزمر:68)،

          وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة القيام لرب العالمين)(١).

            فيحشر الناس بها من قبورهم (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)(الكهف:99)، أي حشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد)(٢).
ويدل النفخ في الصور على الترهيب الحسي الذي يشمل الخلائق، حيث وُصف يوم القيامة بـ(يوم الوعيد) قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)(ق:20)، واستعملت الآية الكريمة هذا اللفظ (الوعيد) لترهيب المجرمين من ذلك اليوم بالرغم من أن القيامة تشتمل على الوعد بالخير والوعيد بالشر.

            ونجد أن القرآن الكريم قد عبر عن النفخة بألفاظ أُخرى لها الدلالة نفسها، كالصيحة، قال تعالى: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)(يس:53)، (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(ق:42)، والزجرة، قال تعالى: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)(النازعات:13)، كما عبر عنها بالنقر في الناقور، قال تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(المدثر:8)، وكذلك بالصاخة، قال تعالى: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ)(عبس:33).

            والقرآن الكريم يعرض لنا صورًا حسِّية مختلفة لحشر الناس يوم القيامة، تُبين كيفية حشر المؤمن والكافر يوم القيامة، فعن حشر المتقين يقول الله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً)(مريم:85)، وذكر المتقين بلفظ التبجيل، وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته، وهم كالوفد وهم قادمون على خير موفود اليه، إلى دار كرامته ورضوانه(3)،

           

 

           وأما عن حشر الكافرين فيصور القرآن الكريم حالهم وهم أذلاء، فاقدون لوظيفة حواسهم ولا يمكنهم الانتفاع بها، لتمثل نوعًا من أنواع العذاب عليهم، قال تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً)(الإسراء:97)، أي يسحبون على وجوههم إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه، والكافر يحشر يوم القيامة على وجهه وهو أعمى وأبكم وأصم، وقيل: المعنى عُميًا عما يسرُّهم، بُكمًا عن التكلم بما ينفعهم، صُمًّا عما يمتعهم، وقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كيفية حشر الكافر على وجهه يوم القيامة، فقال: (إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)4).

           وقال تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)(طه:102)، (قيل: معناه إنه ازرقت عيونهم من شدة العطش، وقيل: معناه عميًا، كما قال: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً)(الإسراء:97)، كأنها ترى زُرقًا وهي عمي، وقيل: المعنى في (زُرقًا) تشويه الخلق: وجوههم سود وأعينهم زرق)5).

           ونجد أن الترهيب الحسي في وصف حال المنكرين للبعث، والمسبوق بالقسم تُعبر عنه الصورة المفزعة والمروّعة، وهي صورة الحشر مع الشياطين، لتنقل السامع إلى عالم غير محدود من الخوف والرعب والفزع، يعجز عن وصفه اللفظ، وتقصر دون بلوغه العبارة، قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)(مريم:68)، فهم محضرون وأمام أعينهم نار جهنم وهم حولها جاثون على ركبهم، تعبيراً عن الذل والهوان والاحتقار والصغار والخوف والرعب والفزع، فعندما يتكلم عن الظالمين والكافرين فكلامه يمهل ولا يهمل، وأراد أن يقول لهؤلاء المخالفين أن الله غنى عنكم وأعدَّ لكم دار الجزاء في زمن محدود وأجل مسمى، قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)(إبراهيم:42).

           وقد خاطبهم القرآن الكريم وأنبأهم بتأخير الحساب في الدنيا إلى يوم الجزاء والحساب،وأعطاهم فرصة الاغتنام ولكنّهم لم يغتنموا ولم يتوبوا في الحياة الدنيا، فالتصوير القرآني صور الموقف بتدرج فقال تعالى: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ)(الأنبياء:97)، والقرآن الكريم قد قال منذ أيام الرسول الله (صلى الله عليه وآله) اقتربت الساعة غير أن اقتراب الوعد لا يحدد زمناً معيناً فحساب الزمن في تقدير الله غيره في تقدير البشر(6)، قال تعالى: (وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)(السجدة:5).

          ففي يوم الحساب تشخص أبصار الخلائق لظهور الأهوال فلا تغمض عيونهم، من شدة ما يشاهدون من العذاب الذي يغشى وجوههم، قال تعالى: (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)(إبراهيم:50)، والتأكيد على حاسة البصر في مواقف القيامة، يعطي بعداً دلالياً على أهمية التصوير الحسي، إذ لا يمكن لأحد أن يتصور شيئًا مالم يره من قبل،

 

         لذلك نجد القرآن الكريم يصف كيف تكون حاسة البصر يوم القيامة، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)(إبراهيم:43)، وصف فظاعة حال المشركين يوم الحشر الذي هو وعيد لهم. وقال تعالى: (خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)(القمر:7)، وقال أيضاً: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)(القلم:43)، وقال تعالى: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(المعارج:44)، وقال تعالى: (أَبْصَارُهَا خَاشِعَة)(النازعات:9)، فصفة الأبصار تتغير عن حالتها الطبيعية التي كانت عليها في الدنيا. ففي ذلك اليوم، يوم القيامة تتقلب القلوب والأبصار خوفاً وفزعاً من هول المحشر، فخاشعة (أي ذليلة خاضعة لا يرفعونها لذلتهم (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي يغشاهم هوان ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون، أي يوم القيامة)(7).

          ومما لا شك فيه هو أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، وهو الذي سيسأل العباد عما اكتسبوا، وأن الكرام الكاتبين (الملائكة) هم من الشهود، ومن أنكر سينطق الله جوارحه، حيث تشهد أعضاء الإنسان عليه وجوارحه، وماذا يكون موقف الشخص في ذلك الجواب حينما تنطق وهو ساكت، وهي تحدد المصير إما إلى الجنة وإما إلى النار، وقدرة الله سبحانه وتعالى تُظهر يوم القيامة ما لا يمكن لعقلٍ محكوم عليه بالمحدودية أن يتصور ما يجري في ذلك اليوم، حتى أن حواس الإنسان تكون لها القدرة والقابلية على التكلم والنطق، فكل حاسة من الحواس تُجيب عمّا فعله صاحبها، فالأذن تجيب عمّا سمعت والعين عما رأت والجلد عما لمس واللسان عمّا قال والأيدي والأرجل عما أنجزت من الأعمال التي اكتسبها ذلك الإنسان،

         قال تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ)(فصلت:20ـ 22)، فالقرآن الكريم يُشير إلى وضع الكفار والمجرمين يوم القيامة، وسيختم في ذلك اليوم على أفواههم ولا تتكلم إلّا أيديهم وأرجلهم،

           إذًا (نحن أمام مشهد جديد عجيب، هؤلاء هم الكافرون يُختم على أفواههم فلا تملك ألسنتهم النطق، بينما تنطق أيديهم وأرجلهم فتشهد عليهم بما كانوا يكسبون، وإنه لمشهد عجيب يُثير الخيال ويحرك الوجدان، حيث تنقلب الأحوال، وحيث يُواجه الانسان هذا الحادث الفذ، يخذل بعضه فيه بعضًا، وتشهد جارحة على جارحة، وتتفكك الشخصية الإنسانية إلى أجزاء وآحاد)(8)،

         وأن الكافرين قد حوسبوا على أعمالهم وأنكروها، فشهدت عليهم جوارحهم وجلودهم، وهي شهادة تكذيب وافتضاح عندما اعتذروا بإنكار بعض ذنوبهم التي قرأها عليهم كتابُهم، وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح، لأن للسمع اختصاصاً بتلقي دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وتلقي آيات القرآن، فيشهد عليهم بعدم سماع ذلك، ولأن للأبصار اختصاصاً بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار(9).

          ولذلك اقتصروا في توجيه الملامة على جلودهم، لأنه (لا شك أن الحواس خمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولا شك أن آلة اللمس هي الجلد، فالله تعالى ذكر ههنا من الحواس وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، لأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان والحنك مماسة لجرم الطعام، فكان هذا داخلاً فيه فبقي حس الشم وهو حس ضعيف في الإنسان، وليس لله فيه تكليف ولا أمر ولا نهي)(10)،

          فما تذكره الآية التي بين أيدينا من أعضاء تعد في الدرجة الأولى، لأن معظم أعمال الإنسان تتم بمساعدة العين والأذن، وإنّ الجلود هي أول من يقوم بملامسة الأعمال، والظاهر أنّ المقصود بذلك هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم، جلد اليد والرجل والوجه وغير ذلك(11).

         وآيات القيامة الحسية في مجال الترغيب والترهيب كثيرة، وأن الناس يختلفون اختلافًا كبيرًا فيما بينهم بالحساب يوم القيامة، فطائفة يشدد الله في حسابها وتضم الظَلمة والكافرين وذوي الأخلاق السيئة، وتكون وجوههم سوداء مظلمة تظهر ظُلمة القلوب التي كانت على الكفر في الحياة الدنيا، وبخلاف ذلك طائفة أخرى يكون حسابهم سهلًا يسيرًا، لإيمانهم وأعمالهم الصالحة وحُسن أخلاقهم، فتكون وجوههم بيضاء منيرة مملؤة بنور الإيمان،

           قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(آل عمران:106ـ 107)، فالناس يردون المحشر على صور مختلفة بما يتناسب مع نوعية أعمالهم، ومن أهم ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة، ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: (لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت)(12).

         فيحاسب الإنسان في موقف الحساب على كل صغيرة وكبيرة، وتنصب الموازين وتنشر صحائف الأعمال لينال كل أنسان جزاءه بما كسبت يداه، قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ* وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النمل:89 ـ 90) ،

          ومن أفضل الحسنات هو حب أهل البيت (عليهم السلام)وولايتهم، فقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنه قال: (الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت، ثم قرأ (عليه السلام) (الآية)(13)،

         وينصب الصراط على متن جهنم وتُزلف الجنة للمتقين، وتُبرز الجحيم للغاوين، ومن تولى الله وأولياءه فقد نجا بمشيئته سبحانه، وإلّا فلا، قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ)(يس:66)، وهذه الآية ناظرة إلى وضع طائفة من الناس أثناء عبورهم من الصراط (جسر جهنم) فإذا أراد الله محا أعينهم بشكل كامل حتى لا يقدروا على المرور من الصراط مهما جهدوا انفسهم في ذلك،

           وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل أنه قال: (...ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا صِرَاطٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ عَلَيْه ثَلَاثُ قَنَاطِرَ الأُولَى عَلَيْهَا الأَمَانَةُ والرَّحْمَةُ، والثَّانِيَةُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، والثَّالِثَةُ عَلَيْهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا إِلَه غَيْرُه، فَيُكَلَّفُونَ الْمَمَرَّ عَلَيْهَا فَتَحْبِسُهُمُ الرَّحْمَةُ والأَمَانَةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلَاةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ ذِكْرُه وهُوَ قَوْلُ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)(الفجر:14)، والنَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَمُتَعَلِّقٌ تَزِلُّ قَدَمُه وتَثْبُتُ قَدَمُه والْمَلَائِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ يَا كَرِيمُ يَا حَلِيمُ اعْفُ واصْفَحْ وعُدْ بِفَضْلِكَ وسَلِّمْ والنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِيهَا كَالْفَرَاشِ فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ يَأْسٍ بِفَضْلِه ومَنِّه إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)(14)،

          ومما جاء في السُنة المطهرة من معانٍ للصراط، ما رواه المفضل بن عمر قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصراط، فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ، وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، وأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، فمن عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم)(15).

        والجدير بالذكر أن هذه الآيات وغيرها، وإن لم تصرح بالترغيب الحسي، إلّا إنها من النعم الحسية للمؤمنين، اذ تُعد ترغيباً لهم بعدم تذوق ألم العذاب الحاصل على الكافرين، قال تعالى: (فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)(الطور:18)، فتكون بشرى لأولياء الله الذين يعلمون بأن حسابهم على الله وسوف يجزيهم الجزاء الأوفى، فتغرس في نفس المؤمن دروساً تربوية تنبهه على الثقة بالله وحسن الظن به وتعلمنا دروساً من صميم العقيدة الإسلامية، والاعتقاد الصحيح الجازم بقدرة الله تعالى على كل شيء، وهذا مما لاشك فيه ولا ريب،

         فيتبين من ذلك أهمية المشاهد الحسية في القرآن الكريم في بيان الترغيب والترهيب الحسي من خلال ما تتضمنه مشاهد القيامة ومشاهد أهل الجنة ونعيمهم، ومشاهد أهل النار وعذابهم، وهذه هي الظواهر الحسية، في يوم القيامة التي تم استخراجها من الكتاب العزيز وتم عرضها على السُنة الشريفة وتم الكشف عنها مع الاختصار،

        والقرآن الكريم استعمل التصوير الحسي لمعاني ومجردات العالم الآخر، ومنها يوم القيامة طبعاً، ليحصل حينئذٍ الامتثال لأوامر المولى عز وجل، والانتهاء عن مناهيه، والرغبة في وعده، والرهبة من وعيده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ـ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن:8 / 449.
٢ـ الطبرسي، تفسير مجمع البيان: 6 / 349، وظ: التبيان في تفسير القرآن: 6 / 391.
٣ـ ظ: الزمخشري، تفسير الكشاف: 3 / 42، وأبن كثير، تفسير القرآن العظيم: 5 / 263.
٤ـ تفسير مجمع البيان: 6 / 296، وقد أورد مسلم هذا الحديث في صحيحه: 4 / 2161.
٥ـ التبيان في تفسير القرآن: 7 / 203.
٦ـ ظ: سيد قطب: في ظلال القرآن: 4 / 2398.
٧ـ الواحدي/ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 1134.
٨ـ سيد قطب، مشاهد يوم القيامة: 94.
٩ـ ظ: الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير:24 / 267.
١٠ـ الرازي، تفسير مفاتيح الغيب: 27 / 556.
١١ـ ظ: الشيرازي، تفسير الأمثل: 15 / 277.
١٢ـ ظ: الحويزي، تفسير نور الثقلين: 4 / 402، والصدوق، علل الشرايع: 1 / 218، والمجلسي، بحار الأنوار: 7 / 258، والطبراني، المعجم الأوسط: 9 / 155؛ ح: 9406، وأخرجه أيضاً الطبراني في المعجم الكبير: 11 / 102؛ ح 11178.
١٣ـ تفسير نور الثقلين: 4 / 104، والكافي: 1 / 185، ح 14.
١٤- الكافي: 8 / 313، تفسير القمّي: 2 / 421.
١٥- الصدوق، معاني الأخبار: 1 / 23.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.