لقد حرص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على توحيد الناس تحت شعار (لا إله إلا الله) انطلاقاً من كون رسالته عالمية تهدف إلى هداية الناس جميعاً معتصمين بحبل الله مبتعدين عن النفاق والشقاق والتشرذم والتفرقة في ما بينهم بواسطة نعمة الإيمان، وفي ذلك يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 102-103)، والملاحظ أنّ الخطاب القرآني خطاب عام وشامل لكل زمان ومكان ولكل الفئات في المجتمع، فالخطاب فيهما كان شاملاً لكل من كان في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله) كما أنه يشملنا، والدليل لفظة (جميعاً) الشاملة لكل أفراد المجتمع في كل زمان ومكان ليجتمعوا على حبل الله الذي يربط بين طرفين، وهو من أبدع التعابير القرآنية فكل ما يوصل إلى الله فهو حبل الله مهما تعددت أو اختلفت تفاسير (حبل الله)(1)
على أنّ الناس قبل الإسلام كانوا على حافة الهاوية لما يمارسونه من موبقات ورذائل، ومن أبرز ذلك: الميسر، وشرب الخمر، والاستقسام بالأزلام، والنسيء، والربا، ووأد البنات، فكانت سحب الجاهلية الداكنة تغطي سماء الجزيرة العربية، والمجتمع يسير في منحدر خطير فليس بينهم وبين الموت إلا غشاء رقيق ومسافة قصيرة إلى أن ولد المصطفى فلم يمضِ زمن طويل إلا وملأ هذا الوليد المبارك أرجاء العالم نورًا وهدىً، وأسس حضارة إنسانية عظمى في كل المعمورة (2)، وقد وصف القرآن الكريم المجتمع الذي بُعث فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنه مجتمع الأميين في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الجمعة: 2)،
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الكلمة فقيل: إنه نسبة إلى أم القرى التي هي مكة(3) أو إن المراد من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة(4) أو يراد منهم الذين لم يعرفوا الرسالات والنبوات والكتب(5)، وكل هذه المعاني التي يذكرها المفسرون تجتمع في نقطة واحدة، وهي أن هذا المجتمع كان مجتمعاً متخلفاً من الناحية الثقافية والفكرية، وكان بعيداً عن وحي السماء وهدايتها وبعيداً عن الرسالات والكتب على أقل تقدير إن لم يكن أشدّ تخلفاً من ذلك(6)
على أنّ الإسلام حرّم هذه الموبقات التي كانوا يمارسونها، وأراد منهم أن يسيروا في درجات الكمال من خلال الدعوة إلى الألفة والمحبة والوئام والتواد والتراحم والتعاطف بين الأمة، لأنّ قوة الأمة تكمن في وحدتها وانصهار بعضها ببعض، على أنّ المهمة التي أُنيطت بالنبي محمد(صلى الله عليه وآله) مهمة خطيرة لتكوين أمة مثالية تتكون على مقتضى الأصول الاجتماعية القويمة، والمبادئ الأدبية الكريمة، وهذه المهمة الخطيرة ما كان الله ليعهد بها إلا إلى رجل منحه شخصية تدرك قيمة ما يوحى إليه من أصول العلم وأسرار الحكمة، رجل يستطيع بقوة إرادته وحسن قيادته أن يجمع بين القلوب المتنافرة والنفوس المتناكرة، رجل وُهب من الذكاء وسعة المدارك ما يعرف به مكان اللين والشدة من النفوس، رجل حاضر البديهة ثاقب البصيرة استطاع بجميع الصفات التي يمتاز بها كبار القادة وأفذاذ العباقرة أن يؤدي الرسالة العامة التي عُهد إليه بها على أكمل ما يمكن أن يكون من نجاح وبُعد أثر(7)
لذا قيل فيه: (إنّ رجلاً مثل محمد لو تسلّم زمام الحكم المطلق اليوم في العالم كله لتمّ له النجاح في حكمه، وقاده إلى الخير وحلّ مشاكله بوجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة)(8)،
وكذا قيل: (إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا: إنّ محمداً كان أعظم عظماء التاريخ)(9) فقد استطاع أن يستقطب عدداً كبيراً من عبدة الأصنام والمشركين والملحدين، ومن اليهود والنصارى أفواجاً وجماعات، ولم يكن هذا الاستقطاب معجزة وعملاً غير طبيعي بل كان نتيجة طبيعية لنهج وطريقة وأسلوب نبي الإسلام، فقد أحصى المؤرخون عدد الداخلين في الإسلام فكانوا زهاء مئتي شخص في مكة خلال مدة ثلاث عشرة سنة، أما في المدينة وخلال سنتين أو ثلاث سنوات فقد دخل مئات الألوف من الناس في الإسلام(10)، وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً) (النصر:1-3)، وقد عمل الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)
طوال مدة حياته على توحيد المجتمع الإسلامي ورص صفوفه وتقويته وتقويمه من خلال دعامتين رئيسيتين هما: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة(11) فقد اقترنت عقيدة التوحيد بالوحدة الإسلامية إذ اشتهر عن الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قوله: (إن الإسلام يرتكز على دعامتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة)(12)
فكلمة التوحيد هي الشهادة على أنه لا إله إلا الله ونفي ألوهية وربوبية كل موجود سواه، وتوحيد الكلمة هي الاعتصام بحبل الله المتين والنهي عن التفرق والتشتت وراء مسائل هامشية لا تمس – في كثير من الأحيان – جوهر الإسلام، ولو بحثنا في سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) العملية للمسنا منها اهتماماته الكبيرة بتوحيد الكلمة ولم الشمل، فإن الوحدة هي دعامة القوة والرفاه ونيل السعادة، كما أن التفرقة هي بؤرة الضعف والشقاء والاندحار، ويمكن إيجاز ما قام به النبي (صلى الله عليه وآله)
في هذا الصدد(13):
أ. المؤاخاة بين الأوس والخزرج بعد أن كان بين الطائفتين قبل اعتناق الإسلام حروب طاحنة أسفرت عن مصرع العديد منهم وكانت البغضاء والعداوة متفشية بينهم، وفي تلك الظروف رأى النبي(صلى الله عليه وآله) ضرورة رأب الصدع وتقريب الخطى بين القبيلتين بل جعلهما أخوين متحابين ومتراحمين فأول خطوة قام بها هي التآخي بينهما حسما لمادة الخلاف ونسيان الماضي.
ب. وكذا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبين المهاجرين بعضهم مع بعض، وبين الأنصار بعضهم مع بعض.
وتعبّر الوحدة الإسلامية أطروحة عن هدف أيديولوجي وزمني مقدس كما أنها أطروحة شاملة ذات أبعاد متعددة فهي تتعدى الجانب المذهبي فتستوعب مختلف جوانب الحياة الإسلامية: ثقافية وسياسية واجتماعية..إلخ، فثمة وحدة ثقافية وسياسية واجتماعية ووطنية(14)
فضلاً عن ذلك هي قاعدة القوة للمسلمين ومنطلق التقدم والتحرر والإبداع في العالم الإسلامي كله من أجل أن يكون الإسلام قوة عالمية كبرى تسهم في صنع مستقبل العالم بأسره، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الاعتصام بحبل الله، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103) فحبل الله هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى وحدة الصف والكلمة لجميع المسلمين، ولا يكون ذلك إلا من خلال طاعة الله والتسليم له وطاعة رسوله(صلى الله عليه وآله)، والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، قال تعالى :
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب: 36).
أسس التوحيد في المجتمع الإسلامي :
1ـ الإيمان بالله الواحد، وما يستلزمه من الإيمان بالغيب والملائكة والكتب والأنبياء واليوم الآخر يمثل أهم الأسس التي تقوم عليها الوحدة في المجتمع الإسلامي؛ لأن نظرية التوحيد نظرية وحدوية فالأمة واحدة والناس والمخلوقات جميعها تخضع وتسبّح بحمد الواحد الأحد(15)الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
والتوحيد الكامل إحدى الخصائص المميزة للرسالة الخاتمة فالرسالات كلها جاءت بالتوحيد لكن الرسالة الإسلامية تميزت بميزات جعلت التوحيد قضية حية تعيش مع الإنسان في كل حركة من حركاته، وفي كل موقف من مواقفه، وفي كل فعل من أفعاله، وفي كل ممارسة من ممارساته،وهذه القضية ليست قضية عبادة فحسب كما كان يصنع المشركون في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله)، إذ كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ويشركون بالإله ويعددون الآلهة، إنما هي قضية تنطلق من الالتزامات، وتنعكس على سلوك الإنسان العبادي وغير العبادي فالموحد له سلوك وموقف معين، وله أخلاق معينة وحالة تختلف تماماً عن غير الموحد(16).
وما بُذرت بذرة الإسلام إلا على الوحدة والتوحيد، وظهرت دعوة رسول الإسلام ودعايته، وليس بين شفتيه إلا كلمة (لا إله إلا الله)، ويحمل على يديه كتاب الله وما فيه من دعوات إلى الوحدة والتوحيد (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) (فصلت: 41)، شاء الله لنبيه أن يكون خاتم الأنبياء كما شاء الله لنبوته أن تكون خاتمة النبوات فيكون دينه مسك الختام للأديان، وشريعته بقية السلف لتلك الشرائع المقدسة السالفة، وما سر ذلك إلا أن دين محمد يتفق مع كل عصر، ويتلاءم مع كل حياة فهو باق ببقاء العصور، خالد ما خلدت الحياة فدينه دين الوحدة في العقيدة والاتجاه، وفي الفكر والعمل؛لأنه ما جاء إلا بدعوة الاعتقاد بأنّ خالق الكون ومدبره، والمهيمن على الكائنات، والمسيطر على الموجودات إله واحد هو الفاعل الكامل، والغني المطلق، والمتصرف القدير، يرقب النيات، ويحكم الضمائر،يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ليس مع أمره أمر ولا دون حكمه حكم لذا سار الإسلام سيره وسيرته هذه في الفكرة والعقيدة، وسار مع هذه الفكرة والعقيدة عملاً وتطبيقاً فأراد الإسلام الوحدة في كل شيء: الوحدة في التضامن والتعاون، وفي الواجبات والحقوق فالمسلمون جميعاً في نظر الإسلام سواء، وما للأمة الإسلامية والخلاف والاختلاف، ودينها واحد، ونبيها واحد،وكتابها واحد، وقبلتها واحدة(17).
2ـ الطاعة للرسول: تعد الطاعة للرسول(صلى الله عليه وآله) والالتزام بأوامره وتعليماته وأحكامه واتِّباع مواقفه وقراراته السياسية والاجتماعية في الدرجة الثانية من الأهمية في تحقيق وحدة المجتمع الإسلامي فضلاً عن الآثار الروحية والمعنوية التي تترتب عليها، وتنبع هذه الأهمية من مجموعة من العلامات والمنطلقات العقائدية والأخلاقية والمصالح السياسية والقضايا الاجتماعية فالرسول(صلى الله عليه وآله) يمثل جانب الإمامة إلى جانب النبوة والبلاغ فهو المبلغ للرسالة والناطق بالوحي، وله دور عظيم في توحيد المجتمع الإسلامي، وحل النزاعات والخلافات فيه بجعلهم أمة واحدة بالرغم من اختلاف أزمنتها وتاريخها ولغتها وأمكنتها، وترابطها في العقائد والمفاهيم والأهداف والغايات والوسائل ؛لأنها كانت تعبد الإله الواحد، وتؤمن بكتبه ورسالاته(18). قال تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)، وقال أيضاً: (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)(المؤمنون: 52) فقد خوطب المسلمون بأنهم أمة واحدة في ظل ربوبية واحدة، والأمة جماعة يتبعون إماماً فالجماعة المشتتة الذين ليس لهم إمام لا يقال لهم أمة فمن هذا المنطلق تختص هذه الكلمة بأهل الأديان والنحل فأتباع كل نبي أمة برأسها كأمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد(صلى الله عليه وآله)(19).
3ـ رعاية القائد للأمة: لقد كان
الرسول(صلى الله عليه وآله) بخلقه العظيم وأدبه الرسالي قادراً على قيادة الأمة مما يؤهله بهذا المنصب للقيام بدور كبير في تحقيق الوحدة بين المسلمين فقد تحولت العلاقات بين الراعي ورعيته من علاقات جامدة وجافة إلى علاقات روحية وعاطفية تتسم بالطراوة والحب والمودة والمشاعر الإنسانية الطيبة، بحيث تكون قادرة على تحقيق آثارها في حفظ الوحدة واستمرارها وبقائها، وهذا ما ألمع إليه التنزيل العزيز في كثير من آياته فهو لين لا فظ ولا غليظ في قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159)، وهو ذو الخلق العظيم في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)،
وهو رؤوف رحيم في قوله تعالى: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128)(20).
لذا كان الرسول(صلى الله عليه وآله) إنساناً له مواصفاته الأخلاقية، وله علمه واتصاله بالله تعالى، كان يتحرك ويتعامل مع الناس كما يتعامل أي إنسان آخر لكن من منطلق الوحي والرسالة، ومن موقع الأخلاق التي يتصف بها البشر فلم يكن يتعامل بطريقة ملائكية أو جنية، وإنما بطريقة إنسانية مألوفة لدى البشر، وقد تمكن أن يحول هذه الجماعة المتخلفة إلى هذه الطاقة الهائلة بفضل كلمة التوحيد، وما انبثق عنها من هديٍ قرآني وأخلاق فاضلة.
4ـ الأخوّة الإيمانية: وهي بمثابة إطار الوحدة الإسلامية؛ لأنها تعطي الوحدة شكلها الاجتماعي وقيمتها الإنسانية فالوحدة تحتاج إلى إطار يجمع الأشياء المتعددة من عرق وجنس، أو لغة وقوم، أو جغرافية وأرض وتراب، أو قيم ومثل إنسانية، والنظرية القرآنية تنطلق من تصور هو أن البشرية كلها من أصل واحد. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) (الحجرات: 13)
فالبشرية متحدة في أصل وجودها، والمجتمع كان واحداً باعتبار وجود هذا الأصل له، وهذه العلاقة الرحيمة، على أنّ الاختلاف بين بني الأناسي بسبب الظروف الحياتية والتعدد الشعوبي والقبلي إنما هو اختلاف طارئ يراد منه تنظيم الحياة الإنسانية والاجتماعية. قال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (آل عمران: 19)، والاختلاف بسبب الأهواء وتنازع المصالح والمنافع وتدافع الغرائز والنزعات يمكن حله عن طريق الهدى والرسالات والنبيين، والمبشرين والمنذرين، وبوساطة الالتزام بهذه الحلول والأحكام والشرائع والحدود يتميز الإنسان المصلح من المفسد والحسنة من السيئة(21). قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
(الحجرات: 13).
5ـ القاعدة الأخلاقية: تشكل القضية الأخلاقية في النظرية الإسلامية قاعدة أساسية في مجمل التصور الإسلامي تجاه قضايا العقيدة والعلاقات الاجتماعية والسياسية والتكامل الإنساني الجماعي والفردي في الدنيا والآخرة، مما يدل على أنّ محتوى النظرية الإسلامية إنما هو محتوى أخلاقي، فالقرآن يصف الرسول بأنه ذو خلق عظيم، والرسول يقول: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)(22)،
ولا تتحدد الأخلاق بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وإنما تتعداها إلى علاقة الإنسان بخالقه بمختلف جوانبها، وفي علاقته بالكون، ومسؤوليته تجاه نفسه، وفي مستقبل حياته.
نشرت في العدد 62
1) ينظر: الوحدة الإسلامية / الشيخ حسين الراضي 39،13-40.
2) لمزيد من التفصيل ينظر: سيد المرسلين/ الشيخ جعفر السبحاني1/45-50،199.
3) ينظر: تفسير الصافي/ 2/242، والبرهان في تفسير القرآن/ 2/451و5/373.
4) ينظر: التبيان في تفسير القرآن / الشيخ الطوسي 2/421.
5) ينظر: تفسير الصافي 5/172.
6) ينظر: الرسول الأعظم / آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم 85.
7) ينظر: الشخصية المحمدية تحت المقررات النفسية الحديثة، الأستاذ محمد فريد وجدي بك، مجلة رسالة الإسلام، السنة الأولى، ع 2،
جمادى الآخرة 1368هـ – أبريل 1949م، ص 150-151.
8) القول لبرناردو شو. ينظر: نفحات محمدية / الشيخ محمد جواد مغنية13.
9) القول لديورانت صاحب قصة الحضارة. ينظر: المصدر نفسه13.
10) ينظر: نفحات الهداية / السيد صادق الشيرازي 11-14.
11) ينظر: الوحدة الإسلامية 1/40-41،49-54.
12) أصل الشيعة وأصولها/ الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص97.
13) ينظر: بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الشيخ جعفر السبحاني11.
14) ينظر: أضواء على طريق الوحدة الإسلامية / محمد علي التسخيري9.
15) ينظر: الأربعة عشر مناهج ورؤى / آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم 218-219.
16) ينظر: الرسول الأعظم 99-100.
17) ينظر: الإسلام دين الوحدة، الأستاذ العلامة الشيخ مسلم الحسيني الحلي، مجلة رسالة الإسلام، السنة الأولى، ع 4،ذو الحجة 1368ه – 1949م، ص 417-420.
18) ينظر: الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 88-91.
19) ينظر: الوحدة الإسلامية – عناصرها وموانعها / محمد واعظ زاده الخرساني62.
20) ينظر: الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين 93-94.
21) ينظر: الرسول الأعظم 95-96.
22) بحار الأنوار/ المجلسي16/210.