ثمة خلاف طويل وجدل واسع في مسألة تملُّك الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) لماهية العصمة؛ إذ وقف الأمر فيها بين مؤيدٍ لها ومثبتٍ وبين رافضٍ لها ومنكرٍ لأصلها؛ فمنهم من قرر العصمة له في لحظة تلقيه الوحي وابلاغه الى الناس فحسب، فالعصمة والحال هذه وقتية مرهونة بايصال وحي السماء الى البشرية لا غير،
وفريق اخر نفى وجود العصمة البتة للرسول فهو غير معصوم في جميع احواله، ومذهب ثالث يرى ان العصمة تلتحق بالرسول بعد بعثته اما عصر ما قبل البعثة للرسول فهو مجرد فيه من العصمة بعيد عنها على حين رأى رابع بان الرسول معصوم منذ لحظة نزوله على الارض وحتى رفعه منها.
ومن أجل تمحيص الحقيقة والسعي وراء استكشاف الحق واثبات العقيدة الأصل في هذا النطاق الفكري سنلجأ إلى قراءة عصمة الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) على وفق المقررات الخطابية التي أثبتها النص القرآني نفسه؛ فإذا كان هذا النص المعجز يمثل العامل الحسم بين المتردد فيه والمقطوع بأمره وينظر إليه على أنَّه المنطق الفصل في تحديد المعتقد من انتفائه؛ فإنَّه يمكن القول إنَّ عملية إثبات عقيدة العصمة للرسول الأعظم من طيات النص المعجز؛ ستعد – والحال هذه- وثيقةً سماويةً قاطعةً وشهادةً إلهيةً حقّةً لا ترقى إليها شائبة أو يدنو منها تردد أو شك البتة.
وتأسيساً على هذا المنطلق سيُقرأ نص سورة الضحى على وفق عامل الإثبات والتثبيت لعصمة الرسول والرد على الشُّبهات التي أثيرت على مسألة الإقرار بتلك العصمة وذلك فيما يخص نسبة (الضلالة) إليه تحديداً؛ لأنَّ هذه الشُّبهة تعد من أقوى التهم التي وجِّهت للرسول محمد(صلى الله عليه وآله) على وجه الإطلاق؛ إذ عَمَدَ معتنقو درء العصمة عن الرسول إلى اتباع حيثية التقاط دلالة ضلالة الرسول الكريم من سورة الضحى، وقراءتها على أنَّها إشارة تدل على ضعف القول بعصمته؛
على حين أنَّ المنطق الذي سنُحَكِّمُهُ في هذا النطاق ينصُّ على إقرار هذه العصمة وذلك باتباع حيثية منهج تحليل الخطاب القرآني نفسه التي وردت فيه الشُّبهة على الرسول أو ما يُتَصوَّرُ بأنَّها شُبهة والرد على المعترض من ذات النص الـمُتَخَذِ وسيلة لنفي العصمة وبهذا سنقوم بعملية توظيف منهج القراءة المعكوسة لإثبات الغاية المنشودة.
من هنا سينطلق هذا الجهد العلمي لتحقيق منجز منشود يسعى إلى ترسيخ مبدأ العصمة للرسول الأعظم لننفتح -بعد التأسيس لهذا المنجز- بالقول بعصمة الأنبياء والرسل جميعاً، أما داعي اختيار إثبات العصمة للرسول محمد(صلى الله عليه وآله) دون غيره فإنها تكمن في أمرين:
الأول: إنَّ النبي محمد(صلى الله عليه وآله) يعد خاتم الأنبياء وأشرفهم فكان إقرار العصمة إليه دون غيره ابتداءً يعد من باب الأوْلى على وفق المنطق العقلي؛ فضلاً عن أنَّ الرسول الأعظم كان من أغزر الأنبياء شُبهة على عصمته لكثره الأحداث التي عاشها والمخاضات التي مرَّ بها في حياته الرسالية ولكثرة الأعداء الذين تساندوا على إيقاف إرادة السماء وإقصاء المعجز عمَّن آمنَ به.
والثاني: يكمن في أنَّ إثبات العصمة لأي نبي ستعدُّ ـ بالضرورة ـ إثباتاً للعصمة لسائر الأنبياء من دون استثناء لأنَّهم يقفون من منظور السماء على مسافة واحدة من حيث المكانة والتعامل والتسديد الإلهي؛ فما يجري على الواحد يجري على الكل بحكم تساوي مناط التكليف واتفاق نطاق المهمة والغاية المراد تحقيقها.