إن القرآن هو المصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة، وهو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهي على وجه لا تجد له مثيلاً بين أصحاب الشرائع السابقة، حتى أسسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلها القرآن مفهوماً للأجيال، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى، لا يسع المقام لذكرها. فأدوا واجبهم تجاه كتاب الله العزيز شكر الله مساعيهم من غير فرق بين الشيعة والسنة.
إن مدرسة الشيعة ـ منذ أن ارتحل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا ـ أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمة الذكر الحكيم بصور شتى، فأتى بوجه موجز، لما ألف في القرون الإسلامية الأولى.
إن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بعد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) هم المفسرون الحقيقيون للقرآن الكريم، حيث فسروا القرآن بالقرآن بالعلوم التي نحلهم الرسول(صلى الله عليه وآله) بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذ عن قول الرسول(صلى الله عليه وآله) وفعله وحجته، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسرين ولا نعترف بحقوق أئمة أهل البيت وهم عدله باتفاق الجميع.
وهذا ما فعله في كتابه محمد حسين الذهبي، جعل علياً وهو الوصي وباب علم النبي(صلى الله عليه وآله) في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الأولى(1)!!، ولم يذكر عن بقية الأئمة شيئاً مع كثرة ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة .
أقول: ما أن ارتحل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) حتى عكف المسلمون على دراسة القرآن وتدبره، بيد أنهم وجدوا أن لفيفاً من المسلمين كانوا عاجزين عن فهم بعض ألفاظ القرآن. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز إلا أنه يحوي ألفاظاً غير رائجة فيها وربما كانت رائجة بين القبائل الأخرى، وهذا النوع من الألفاظ ما سموه بـ (غريب القرآن) وقد سأل ابن الأزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عباس عن شيء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح، وقد جمعها السيوطي في إتقانه(2).
وبما أن تفسير غريب القرآن كان الخطوة الأولى لتفسيره، فقد ألف أصحابنا في أبان التدوين كتباً في ذلك المضمار، نذكر قليلاً من كثير منها:
1ـ غريب القرآن، لأبان بن تغلب بن رباح البكري (المتوفى عام 141هـ)(3).
2ـ غريب القرآن، لمحمد بن السائب الكلبي، من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)(4).
3ـ غريب القرآن، لأبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي، قال ابن عقدة: كان ممن يقول بولاية أهل البيت(5).
4ـ غريب القرآن، لعبد الرحمان بن محمد الأزدي الكوفي، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدمة(6).
5ـ غريب القرآن، للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الآملي الوزير الشيعي (المتوفى عام 313 هـ)(7).
وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية، فبلغ العشرات، وكان آخرها ما ألفه السيد محمد مهدي الخراساني في جزئين(8).
مجازات القرآن
إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفردات القرآن وألفاظه، فإن في الجانب الآخر منه لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة.إليك أخي القارئ الكريم نماذج قليلة مما ألف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة:
1ـ مجاز القرآن، لشيخ النحاة الفراء يحيى بن زياد الكوفي المتوفى عام 207هـ، وقد طبع أخيرا في جزئين(9).
2ـ مجاز القرآن، لمحمد بن جعفر بن محمد، أبو الفتح الهمداني.قال النجاشي: له كتاب (ذكر المجاز من القرآن)(10).
3ـ مجازات القرآن، للشريف الرضي المسمى بتلخيص البيان في مجازات القرآن، وهو أحسن ما ألف في هذا الباب وهو مطبوع.
التفسير بصور متنوعة
وهناك لون آخر من التفسير، يعمد فيه المفسر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصة كالمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام، وقصص الأنبياء، وأمثال القرآن، وأقسامه، والآيات الواردة في مغازي النبي(صلى الله عليه وآله)، والنازلة في حق العترة الطاهرة(عليهم السلام) إلى غير ذلك من الموضوعات التي لا تعم جميع آيات القرآن، بل تختص بموضوع واحد.
وكان علماء الشيعة قد شاركوا غيرهم من علماء المسلمين في هذا الجانب الحيوي والمهم، ورفدوا المكتبة الإسلامية بهذه الأنواع من التفاسير، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم، وأخص بالذكر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة.