Take a fresh look at your lifestyle.

الانحراف أنواعه..أسبابه..علاجه

0 4٬016

( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(المائدة:13)
الانحراف لغة (كما في اللسان) في باب حرف هو: أخذ الحرف والحرف هو الطرف ويقال انحرف إذا مال الإنسان عن شيء، فهو إذن الميل عن الشيء .
والانحراف اصطلاحًا : هو الميل عن الشيء والعدول إلى جانبه، ويطلق في العلوم الطبيعية على الشذوذ عن الخط السوي كانحراف أحد أعضاء الجسم عن القيام بوظيفته الطبيعية أو انحراف إحدى الظواهر عن قانونها العام(1).
أما عقائديًا فمعناه : الميل عن العقيدة الحقة التي ينبغي على الإنسان أن يتخذها إلى أخرى مخالفة، والانحراف عمومًا ظاهرة سلبية في حياة الفرد أو المجتمع تؤدي بهما أو بكل منهما إذا ما صغت قلوبهما إليه إلى عواقب وخيمة تنعكس مردوداتها سلبيًا على المسيرة العامة للأمة جمعاء .
والانحراف على أنواع : منها الانحراف الفكري (الأيديولوجي) وهو الميل عن الأيديولوجية الفكرية التي يرسمها اتجاه فكري معين، وهجْرها إلى اتجاه فكري مغاير له. ومنها الانحراف الاجتماعي وهو عبارة عن خروج الفرد عن التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية السائدة، ومنها الانحراف الجنسي وهو ظاهرة من أسوأ الظواهر سلبية تطرأ على حياة بعض الأفراد فتميل بهم إلى تغيير الوظيفة الغريزية لديهم شذوذًا ترفضه الطبيعة البشرية، والانحراف العقائدي وهو تغيير المعتقِد عقيدتَه الحقة إلى عقيدة غيرها وهو كما يحصل عند من ينتقل من دين إلى دين أو من مذهب إلى مذهب آخر، أما الانتقال من المعتقد المخالف إلى العقيدة الحقة فلا يعد انحرافًا وإنما يعد انصلاحًا وقد يسمى استبصاراً. وهناك أنواع أخرى، كالانحراف العقلي والنفسي وغيرها، ولكن يبقى أخطر أنواعه الذي يتعلق بالمصير الجمعي، مصير الأمة.
وخلاصة الموضوع أن الانحراف خروج عن حد الاعتدال، وهو طريق وسط بين الإفراط والتفريط، قال تعالى : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)(الفاتحة:6ـ7)، فهو طريق وسط بين هؤلاء وأولئك، قال علي (عليه السلام) في النهج : (اليَمينُ والشِّمَالُ مَضَلَّةٌ والطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ)(2) ومثله قوله (عليه السلام): (انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ – فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ – واتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ- فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى – ولَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى – فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا – وإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا – ولَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا – ولَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا)(3).
إن الطرق المتعددة في الحياة الدنيا ليست كلها مؤدية إلى الله سبحانه وتعالى، إن هناك طريقًا واحدًا هو الذي يؤدي إلى الله وهو طريق الإسلام .. طريق العدل ..طريق الاعتدال..
قال تعالى : (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام:153)، وهذا الطريق هو الذي جسده رسول الله(صلى الله عليه وآله) والذي يمثل جوهر الإسلام، بل الإسلام ناطقًا، وعلى ذلك الطريق سار أهل بيته(عليهم السلام) والثلة المؤمنة من أتباعهم، وقد قدموا التضحيات الجسام من أجل الحفاظ على طريق الحق، ولم يغيروا ولم يبدلوا. قال تعالى:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب:23)
لقد كان موقف القرآن إزاء هذا المخاض العسير الذي مرت به الأمة فنبَه على خطر خيانة الرسالة منذ البدء لأنه لو وقع وقد وقع فسيكون له تأثير يأخذ أبعاداً خطيرة على الأمة وقد كان وما هذه التيارات المنحرفة التي نراها اليوم، إلا إفرازات حتمية لذلك الانحراف .
تباين القناعات واختلاف الآراء
يختلف نظر الناس في العقائد والأديان والاتجاهات الفكرية والأنظمة التي ينتمون إليها طبقًا لقناعاتهم المبتنية على الذوق المجرد أو على المرتكزات الثقافية أو الإرث الاجتماعي، وقد تعتبر بعض المعتقدات أو الاتجاهات أو الأنظمة مقدسة لدى فئة أو مجموعة من الناس وتعتبر نفسها لدى غيرهم رجس يجب اجتنابه أو الابتعاد عنه وربما تفرض عليهم قيمهم ومبادئهم، السعي لانتشال من يقع في بؤرتها منهم كما يتحرك الإسلام لتحرير الناس من
الكفر .
وعلى هذا الأساس سعى القرآن الكريم إلى تحرير العقول من القيود المادية والمعنوية التي تحجر الإنسان وتجمده على اتجاه لا يراعى فيه النظرة الموضوعية ولا الرؤية الكونية الإلهية الحقة التي تنسجم مع العقل السليم وتخاطب الروح الطاهر .
أسباب الانحراف وعلاجه
أسباب الانحراف كثيرة ولكن ممكن أن نجملها في ما يأتي :
1ـ ضعف العقيدة الناشئ من عدم المعرفة وكثرة الذنوب، أو كما يعبر عنه في علم الأخلاق بتلوث القلب ومن ثم انقفاله على ظلماته حيث يكون غير مستعدٍ لاستقبال نور المعرفة الإلهية، و(علاجه) تطهير القلب بدءاً من التوبة وانتهاءً بملئه بالعلم والمعرفة المستقاة من المنابع الطاهرة .
2ـ الجهل وقلة الوعي، وهو عامل خطير وأصل الكثير من أسباب الانحراف، حتى روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) :قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك (4) و(علاجه)السعي في طلب العلم لتشرق شمس المعرفة في عالم أرواحنا وتطرد ظلام الجهل من أنفسنا.
3ـ الغفلة وهو عدم الانتباه لأنفسنا أو إلى ما يخطط له عدونا ولاسيما الشيطان الذي يدعو إلى الفحشاء والمنكر، ويثير العداوة والبغضاء (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً) الإسراء53، و(علاجه)توخي الحذر وإيجاد أسباب الانتباه، والتقرب إلى الله بالتقوى .
4 الحسد وهو كراهة النعمة على المحسود، والحسد هو الذي دعا إبليس للانحراف والتكبر وعدم الامتثال لأمر الله بالسجود (لآدم)، و(علاجه)تطهير القلب منه بإطاعة أوامر الله والرضا بما قسم .
هذه أهم أخطار الانحراف في حياة الفرد والمجتمع، وما ينبغي فعله لتجاوز تلك الأخطار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

نشرت في العدد المزدوج 57-58


(1) المعجم الفلسفي /جميل صليبا /ج1 باب حرف
(2) نهج البلاغة /تحقيق صبحي الصالح ص59 .
(3) م.ن/ص143 .
(4) الحقائق للكاشاني /ص35.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.