Take a fresh look at your lifestyle.

نشأة علم الكلام مناقشة وترجيح

0 1٬551

علم الكلام..
من العلوم الرئيسة التي ينبغي الاهتمام بها ، ولو درسنا الحضارة الإسلامية في القرنين الأول والثاني لوجدنا أنها لم تكن كما كانت عليه بدون هذا العلم ، وأن ولادته كانت متزامنة مع الحفاظ والدفاع عن الإسلام ككل أصولًا وعقيدةً وفكراً . ففي الوقت الذي كان الإسلام سبباً في نشوء هذا العلم نراه يؤثر تأثيره المقابل في تكوين الحضارة الإسلامية ،لقد كان هذا التأثير متمثلاً في الحفاظ على الطابع الإسلامي لهذه الحضارة .
(إن الإسلام يدعوها إلى عبادة الله والقضاء على الوثنية والشرك ويحثها على التفكير في خلق السماء والأرض والأفلاك والإنسان ، فآمن به الجاهليون ولم يهتموا بدرس آياته وشرحها ،لهاهم الإيمان عن التفكير مدة من الزمن ثم انصرفوا إلى نشر هذا الدين وفرضه على الوثنيين ، وقد استيقظت الأفكار رويداً رويدًا)(1) .
وقد تألف الدين الإسلامي من عنصرين متمايزين في الواقع : أصول وفروع، وبتعبير آخر : عقيدة وشريعة، أما العقيدة : فقد استوفى الله أصولها كلها في كتابه المجيد وبينها الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)بقوله وفعله ،وكان (صلى الله عليه وآله) يحاور أهل الكتاب ويجادل المشركين ، ويرد عن أسئلتهم حول القدر والروح والبعث والجنة والنار ، والنبوة وحقيقة الإيمان ، وعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى(2) .
حيث كانت هناك عقائد وأفكار مضادة وجماعات حاقدة تحاول احتواء الدين والحضارة الإسلامية . وإن رجال الفكر الإسلامي المتكلمين بهدي النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) قد بذلوا الجهد في سبيل صيانة العقيدة وتركيز مفاهيم أصول الدين بصد مثيري الشبهات ودرء الأقاويل الجوفاء . لذا كان من الضروريات نشر الدين الإسلامي وحماية الدين وأحكامه، حث المسلمين الأوائل على البحث العقلي الكلامي والتفكير الديني لحاجتهم المرحلية لذلك. فالمتكلمون صلة لأشياء مختلفة ، كانوا صلة بين الأديان بعضها ببعض ،وصلة بين الفلسفة والدين ، وصلة بين الفلسفة والأدب ، فلو قلنا إن المتكلمين كانوا من أظهر القائمين بعملية المزج لم نبعد عن الصواب (3) .

أما دور التطور والنمو والتبلور فهو الدور الذي برزت فيه المشاكل وتبلورت بعض المشكلات التي أصبحت مثاراً للجدل والنقاش والاستدلال، وذلك بعد أن انتهى المسلمون من الفتوحات واستتبوا بعد أن استقرت البلاد الإسلامية إثر حروب وحركات مستمرة .ولكن هذا التطور والتبلور في علم الكلام لم يكسبه دور التكامل والنضج ليصبح بنية قائمة بذاتها لها استقلالها ومنهجها الخاص ، ولها أصولها المتميزة الواضحة، والخطوة لذلك كانت بعد حركة الترجمة الواسعة التي ظهرت في مطلع العصر العباسي والتي فتحت آفاقاً جديدة رحبة للمعنيين بهذا العلم وهذه البحوث . فأكسبتهم ذهنية ناجحة متحررة وسلاحاً قوياً للدفاع عن عقائدهم وأصولهم ،وصيرت منهم كتلاً ومدارس فكرية واعية .فقد بلغ هذا العلم ذروته وأوج رقيِّه فأصبح كياناً قائماً بذاته له ضوابطه وأصوله الخاصة المتميزة .واليك أبرز الآراء في نشأة علم الكلام يكاد يجمع كل من كتب وأرخ وناقش في نشأة علم الكلام بأنه ظهر إلى الأفق وعرف على حقيقته بعدما انتقل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)إلى الرفيق الأعلى، فكانت مجمل الآراء المطروحة على النحو الآتي، حسب أهميتها وثقلها التاريخي :
أولاً مسألة الخلافة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله)(4)
ومن جرائها ظهرت بوادر الاختلاف بعده بثلاثة آراء أهمها كما يقول الأشعري :
1- رأي الأنصار : وهم أول من آوى الرسول ونصره وقالوا نحن أحق الناس بالخلافة .
2- رأي المهاجرين : وهم أول الناس إسلاماً وكانوا قرشيين في معظمهم قالوا نحن أحق بالخلافة من غيرنا .
3- رأي بني هاشم:قالوا نحن أقرب القرشيين إلى الرسول، لأنهم كانوا يمثلون أهل بيته(5) .
ثانيا الاعتزال : وإن أغلب آرائهم تطلب الخوض في مسائل كلامية منها القول بالمنزلة بين المنزلتين وقد اعتزل من جرائها واصل بن عطاء أستاذ الحسن البصري . (ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حيث نشرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام، وأفردوها فناً من فنون العلم وسموها بعلم الكلام)(6) . ومنهم نسب أن علم الكلام نشأ على أيدي المعتزلة وبلغوا فيه درجة بيّنة من النضج فأضافوا إلى اعتمادهم المنطق والفلسفة في مباحثهم الكلامية(7) .
ثالثاً: مسألة الجبر والاختيار : ظهرت الجبرية والقدرية والطبقة التي تجمع بين الفكرتين ، وكان يمثل الجبرية فريق يؤمنون بأن الإنسان مجبر وليس حراً أو بهما معاً (وقد مال الأمويون إلى القول بالجبر لأنهم رأوه أكثر ملائمة لإسكات صوت معارضيهم وقمعهم ، محتجين بأن انتقال الخلافة إليهم قضاءً وقدراً)(8) . وأما الشيعة الإمامية فيمثلون الوسط في ذلك إذ لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين(9) .
وأما الجهمية : أتباع معبد الجهمي وغيلان الدمشقي وغيرهم فقد ثبتوا في مسألة حرية الإرادة والاختيار(10) .
رابعاً قسم أرجعها إلى مقتل عثمان بن عفان وما حصل من جرائها من مشاحنات كلامية من اتهام به القتل ، وما كان من أسبابها قبل القتل من اعتراضات ونقد وإثارة الناس حوله والتي أدت إلى ما حصل .
خامساً وقسم أرجعها إلى نتائج التحكيم في معركة صفين وما حصل من جرائها من اختلافات واتهامات والتي كان من حصيلتها أن أفرزت فرقة خرجت على الإمام علي(عليه السلام)(11) .
سادساً وهناك رأي بالنشأة وهي الخطوة التي تم بها إخضاع النقل للعقل، لا استخدام العقل وسيلة لإثبات النقل ، وهذه الخطوة لم تحدث إلا في مطلع الخلافة العباسية(12) .
سابعاً كما ظهرت إلى جانب ذلك مسائل أخرى أمثال القول بخلق القرآن وقدمه وما حصل من جرائها من مشاحنات كلامية ،وقد أدت إلى القتل والتشريد والنفي استمرت عصوراً فكان من نتيجتها أن تكونت طبقة من المتكلمين(13) .
ثامناً وكذلك مسألة صفات الله ونفيها وإثباتها وكذلك البعث والجنة والنار وعذاب القبر وفي الكون وخلق السماء والأرض والأفلاك(14) .
إضافة إلى ما تقدم وردت مسائل نستطيع أن نعتبرها داخلية وأخرى مسائل خارجية وهي :ــ
1- الديانات السماوية السابقة :
أ – اليهودية .
ب – المسيحية ، إضافة للديانات غير السماوية كالمجوسية وغيرها لأنها تمثل الديانات التي سبقت الإسلام والتي كانت تتطلب بالفعل النقاش والجدل والحوار .
2- الفلسفات :
أ – اليونانية .
ب – الهندية .
جـ الفارسية ،والتي كان لها مدارسها ورجالها وآراؤها وكان لها أصولها ومناهجها ويدعون أنها ساعدت في نشوء علم الكلام الإسلامي .
3- الحركة العلمية والترجمة ، حيث نقلت من الكتب الأولى العلوم والمعارف .
عرض وتوضيح
إن هذه الأقوال المتقدمة يمكن أن نعتبرها بمجموعها أدواراً لتطوره ولا يصح أن تعتبر واحداً بذاته نطاقاً لعلم الكلام وحده وسبباً لنشأته، وهذا مثال كل علم حيث يبدأ أول ما يبدأ في بحث بعض المسائل البسيطة المتعلقة ثم يأخذ في النمو والتطور حتى يتكامل فيصبح بنية أو كياناً قائماً بذاته متميزاً عن غيره .تعقيب ومناقشة وترجيح :
بالرغم من إجماع أغلب الكتاب والمؤلفين والمؤرخين وأصحاب الاختصاص من فلاسفة ومتكلمين على أن الآراء التي ذكرت آنفاً كانت تمثل بداية علم الكلام ونشوئه. والرأي المختار هو أن علم الكلام نشأ متزامناً مع الرسالة المحمدية حيث كانت بدايات الأسئلة والاستفسارات عن القرآن الكريم المعجزة الخالدة للرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) والرسالة السماوية وتبليغها، وكذلك الأحاديث الروايات والأحداث تؤكد ذلك، (وذلك لأن مصير الدعوة الإسلامية وانتشارها كان مرتبطاً إلى حد كبير بهذا النقاش ومتوقفاً على إقناع الخصوم بسلامة موقف القرآن من تأويلاتهم وعباراتهم والحق الذي يقبله العقل ويتماشى مع المنطق أن نقول إذن إن المسلمين الأوائل كانوا يتناقشون في مثل هذه الأمور وكانوا يطيلون النظر والتأمل في آيات الله وبدائع صنعه(15) .
ومن المرجح أن المسلمين الأوائل لم يحاربوا النظر في العقائد ، وذلك لروح التساؤل المغروسة في قلوب معتنقي الدين الجديد وكان لابد لهم أن يتساءلوا وأن يبحثوا ،وقد وضع الإسلام أمامهم مشاكل متعددة لم يألفوها من قبل في حياتهم الجاهلية(16) .
وإن المسلمين قد قبلوا ما جاء في القرآن والحديث إن لله ذاتًا وله أسماء وأنه خلق هذا العالم من لا شيء ، سلموا بذلك واطمأنت نفوسهم ثم بعد ذلك أخذ جماعة منهم يتساءلون ما هي حقيقة الذات وحقيقة الصفة وحاولوا أن يجدوا الصلة بين الاثنين، ومن الله وصفاته اتجهوا إلى البحث في العالم . خلق هذا العالم من لا شيء وكان لابد أن يبحثوا في حدوث المادة . وكذلك بحث المتكلمون مسألة أفعال الإنسان(17) .
وقد أكد الدكتور الأهواني في معرض حديثه عن علم الكلام (إنه لا مشاحة في أن علم الكلام علم إسلامي أصيل)(18). وإن لم يعر أهمية في تعليقته للسؤال الذي قد يثار حول الموضوع وهو هل إن علم الكلام إسلامي محض أو إنه نشأ بتأثير أجنبي وبخاصة المناقشات حول الله وصفاته في المسيحية .
وعليه وانطلاقًا من هذه الفكرة نستطيع أن نقر بأن الحق هو أن علم الكلام قد بدأ ونشأ في الصدر الأول من الإسلام ما دام تعريفه لا يتعدى كما يقول ابن خلدون في مقدمته (الحجاج عن العقائد الدينية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة
والمنحرفين)(19) . وما دام موضوعه :
هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فتدفع البدع وتزول الشكوك والشبه من تلك العقائد)(20) .
وما دام الإسلام قد جند قواه في فترة ما بعد الهجرة على الملاحدة والمنحرفين لتجلية العقائد الدينية وعرضها والاستدلال عليها بالعقل قرآناً وحديثاً، أرجّح ما دام كل ذلك كان متوافراً صح لنا أن نعتبر هذا الدور دور نشأته وبداياته .

نشرت في العدد 55


الهوامش:
1- عبده الشمالي :تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية ص98 ، ط4 ، مطبعة دار صادر بيروت عام 1965م.
2- يحيى هاشم حسين فرغل : نشأة الآراء والمذاهب والفرق الكلامية ص267 .
3- أحمد أمين : ضحى الإسلام جـ1 ص401 .
4- حنا فاخوري : تاريخ الفلسفة الإسلامية ج1 ص145 .
5 – الأشعري : مقالات الإسلاميين ج1 ص90 .
6- الشهرستاني : الملل والنحل ج1 ص36 .
7- علي مصطفى العرابي : تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام ص19 .
8- د.يحيى هويدي : دراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية ص65 .
9- محمد رضا المظفر : العقائد الكلامية ص50 .
10 – علي العرابي : تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام ص19 .
11- الشهرستاني : الملل والنحل ج1 ص36 .
12- علي العرابي : تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام ص186 .
13- د .يحيى هويدي : دراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية ص66 .
14- م . ن .
15- د .علي هويدي : دراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية ص80 .
16- د. علي سامي النشار :نشأة الفكر الفلسفي الإسلامي ص54 .
17-د. علي سامي النشار وسعاد عبد الرزاق : التفكير الفلسفي في الإسلام ص16 .
18- أحمد داود الأهواني : الفلسفة الإسلامية ص21 .
19- إبن خلدون : المقدمة ص384 .
20- م . ن : ص391 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.