رغم تطور الآليات الحديثة من خلال استخدام أجهزة الحاسوب ومنظومات الانترنت التي فتحت أمام طالب العلم آفاقاً جديدة للاطلاع على آخر ما توصلت إليه التقنيات البحثية والعلمية في العالم، ولكن المكتبة العامة والخاصة تبقى ضرورة ملازمة للباحث لا يمكنه الاستغناء عنها بحال.
المكتبة: هي مجموعة من الكتب والمطبوعات الأخرى مرتبة حسب الموضوع على الرفوف. ولها كشاف على بطاقات بالعنوان أو المؤلف أو الموضوع أو تنظم أسماء الكتب التي تحتويها في سجلات تدون فيها أسماء الكتب وفق نظامين:
الأول: بحسب تسلسل حروف المعجم (أ. ب. ت. الخ). إذ يحتوي كل سجل على أسماء ومؤلفي الكتب التي تبدأ عناوينها بحرف واحد فهناك سجل خاص للكتب التي تبدأ أسماؤها بحرف الألف، وهناك سجل آخر للكتب التي تبدأ أسماؤها بحرف الباء… وهكذا.
الثاني: بحسب تسلسل الموضوعات: الفقه، الأدب، الحديث، الفلسفة… الخ. إذ يحتوي كل سجل على الكتب التي تختص في موضوع واحد فهناك سجل خاص للكتب التي تتضمن الفقه الإسلامي، وآخر للكتب التي تتضمن الحديث الشريف… وهكذا مرتبة على حروف المعجم.
وبإمكان الطالب العثور على الكتاب المعين من خلال البحث عن اسمه في تلك الفهارس بسهولة ويسر.
والمواد التي تقتنيها المكتبات ـ خصوصاً الجامعية والعامة الكبيرة ـ تشتمل على الكتب والموسوعات والقواميس والأطالس والنشرات بالإضافة إلى المواد السمعية والبصرية والأفلام والميكروفيلم والصحف والدوريات… الخ.
ولذلك فإن الفائدة التي تعود على الطالب عند استمراره في مراجعة المكتبة هي كبيرة جداً لأنه سيتاح للطالب أن يتعلم بجهده الخاص طريقة الحصول على المعلومات واختيارها وتقييم الحقائق والأفكار المتعلقة بغرض معين.
وبهذه الطريقة سيزيد الطالب من اتصاله بالهيئة التدريسية للاستفسار عما يصعب عليه فهمه، هذا بالإضافة إلى أن الطالب سيتعلم أن تقديم المعلومات هو في واقع الأمر بناء تركيب منطقي للأفكار على أساس قواعد مبسطة تم التوصل إليها في الفن المكتبي، فضلاً عما يحققه ذلك من رضا ذاتي، إذ أنه قام بإعداد شيء بجهده الفكري الخاص وهذا من شأنه أن يساعد على تكوين شخصية الطالب وزيادة كفاءته من التحصيل العلمي أثناء الدراسة الجامعية أو الحوزوية وبعد التخرج منها في المجتمع.
ويجب أن لا يعتمد الطالب على غيره في عملية تحصيل الكتاب واقتباس المعلومة منه فإن فائدته وقتية وآنية ولا تخدمه مستقبلياً، ولعل المثل الصيني القديم يعبر عن هذا المعنى حين يقول: (إنك إذا أعطيت المرء سمكة تغذى بها مرة واحدة… ولكنك إذا علمته صيد السمك بنفسه تغذى كل أيام حياته).
ولتعزيز الإمكانات التبليغية لابد للمبلغ من مراجعة المكتبة على الأقل مرة في الأسبوع الواحد والمطالعة فيها من كتب الأدب واللغة والفقه فضلاً عن المعاصر والجديد في التفكير العلمي، ومن ثم ممارسة دوره في الكتابة على مستوى المقالة أو التقرير أو البحث أو الدراسة أو تأليف كتاب، وكل ذلك يحتاج إلى منهج علمي يعتمد على أسس منطقية وتاريخية وعلمية.
فالبحث هو طلب الحقيقة وتقصيها وإذاعتها بين الناس.
ومنهج البحث: هو الطريقة التي يسير عليها الدارس ليصل إلى حقيقة في موضوع من الموضوعات الأدبية والثقافية العامة وغيرها.
إن منهج البحث مظهر حضاري تشتد الحاجة إليه بعد الحاجة إلى الدرس والتأليف وما يصحب ذلك من تراكم الخبرات وتضخم المادة وما يتصل بهما عادة من اضطراب وفوضى أو تعصب وجهل وجور يضيع في مجالها القارئ وتضيع الحقيقة فتختلط الأمور على الجيل الناشئ ويصعب عليه أن يتبين دربه ويخشى عليه أن يأخذ الباطل مأخذ الحق ويسلك إلى هدفه مسالك لا توصله في يسر أو لا توصله أبداً فيزيد على ضلال الأسلاف ضلال الأعقاب وينقص من محاسن الماضي ما يحتاج إليه المستقبل.
اختيار الموضوع
يتم اختيار الطالب لموضوع بحثه على مجموعة من الأسس وهي:
1ـ أن تكون هناك (مشكلة) أو (إشكال) أو (جدلية قائمة) في مسألة علمية معينة، يحاول الطالب أن يجد حلولاً لها، فالموضوع الذي يخلو من المشكلة هو موضوع سردي لا يحتاج إلى منهج في الكتابة وما أكثر الكتب التي صدرت قديماً وحديثاً وهي لا تعالج مشكلة.
2ـ الدقة والوضوح: ليدل الطالب على عقلية نقية ولينطلق منطلقاً سليماً من غير تلكؤ وخطأ وتتضح هذه الدقة منذ العنوان.
3ـ الجدّة: ولابد أن يكون البحث غير مطروق وغير مبتذل لكي يكون للطالب فيه شخصية وليبذل في إعداده جهداً ولئلا يتعود الكسل أو السرقة فتوقفه الفائدة التي أقرت من أجلها الأبحاث.
4ـ وفرة المصادر: إن الموضوع الذي تقل مصادره بشكل مفضوح أو الذي يكون الكلام عليه مسهباً في مصدر واحد أو مصدرين فقط لا يصلح للاختيار لأن العمل فيه لا يعدو التلخيص ولأنه لا يزود الطالب خبرة باستعمال المصادر، ولا يهيئ له دليلاً على المراجعة والتقصي.
5ـ مناسبته للمرحلة التي هو فيها: فكل يعمل بمستوى حصيلته العلمية وتحصيله المعرفي أكاديمياً وحوزوياً، ويستحسن أن يختار الطالب ما هو أقرب إلى نفسه ورغبته.
الخطــة
وهي رسم للخطوط التي سيسير عليها الموضوع، وللصورة التي سيكون عليها وقد تكون أشبه بالهيكل العظمي أو كالخارطة التي يضعها المهندسون لما ستكون عليه البيوتات والعمارات والجسور والطرق، وكلها شرط قبل البدء في كل عمل منهجي منظم يراد له النجاح.
وهذه الخطة ليس بإمكان الطالب الباحث أن يضعها قبل أن يمتلك قاعدة معلوماتية عن الموضوع الذي اختاره، وهذه القاعدة لا يمكن أن تتكون إلا من خلال المطالعة الوفيرة والمستمرة في مصادر الموضوع والأبحاث السابقة التي تناولته من جوانب أخرى لمعرفة تفاصيله ودقائقه مما يمكن أن يفيد الباحث في عملية رسم الخطة، أو التبويب المناسب للمباحث التي سيتناولها الطالب في تقريره أو بحثه، وهي عادة ما تسمى بالأبواب إذا كان البحث رسالة ماجستير أو دكتوراه، وهذه الأبواب تقسم إلى فصول والفصول تقسم إلى مباحث والمباحث تقسم إلى تفريعات أخرى، كأن تكون (أولاً، ثانياً، ثالثاً… وهكذا).
وعملية اختيار التبويب المناسب يرتبط مباشرة مع حجم البحث أو الرسالة من حيث السعة والعمق وعدد الصفحات التي سوف تستوعبها الدراسة.
المصــادر
هي الكتب التي تحتوي على مادة من أخبار أو نصوص، وتتميز بأنها قديمة يعتمد عليها الطالب في اقتباس المادة الخام، ومن المصادر ما يرقى تأليفه إلى عصر الموضوع الذي تكتب فيه ومنها ما يعود لعصور تالية له ولا شك في أن الأقدم هو المهم.
المراجـع
وهي المؤلفات الحديثة التي كتبها مؤلفون معاصرون أو من أبناء العصر الحديث في موضوعات قديمة، وتأتي تسميتها بالمراجع لأنها ألفت لعامة القراء لتكون أقرب شيء يرجعون إليه للعلم بشيء أو العلم بعدة أشياء والمفروض في أصحابها إنهم اعتمدوا المصادر لدى جمع مادتهم وتأليفها. ومهما تبلغ المراجع من قوة فإنها تظل ثانوية في عمل البحث وثانوية جداً ترجع إليها لتتذكر موضوعاً أو لتطلع على أوائل الأشياء أو لتقف على وجهة نظر.
بعد أن يكون الطالب قد اختار المشكلة ووضع عنواناً لمعالجتها ثم اطلع على مجموعة من المصادر والمراجع التي تناولت جانب منها، واستطاع أن يضع تبويباً مناسباً لخطة (هيكل) البحث، باستطاعته الآن أن يختار من النصوص المتوافرة في المصادر والمراجع ما يخدم البحث وما يمكن أن يستفيد منه في عملية العرض أو الفرضية.