في البداية لابد من تعريف فلسفة التربية عموماً، وهي مجموعة الأطر والنظريات والمبادئ التي تعمل على رسم الخطوط العامة للعملية التربوية حتى تكون قائداً لها في جميع جوانبها النظرية والتطبيقية، فهي الراسم الوحيد للإستراتيجية التربوية، والمصمم الأساس لخطوطها العريضة والتفصيلية.
فلسفة التربية في الإسلام: من خلال استعراض أبرز مصدرين في التشريع الإسلامي وهما (القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة) نجد أن الإسلام الحنيف يؤكد تأكيداً كبيراً على أهمية التربية والتعليم في بناء الفرد والمجتمع، ونلاحظ العديد من الآيات الكريمة فضلاً عن العديد من أحاديث الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) الشريفة وأحاديث المعصومين(عليهم السلام) التي تحضّ على طلب العلم واكتساب المعرفة للإنسان باعتباره أكرم المخلوقات في هذه الأرض.
إن الإسلام جاء بنظام متكامل في الحياة يشمل الجوانب كافة، وأنه أعطى الإنسان رؤى أصيلة محكمة حول الكون والحياة برمتها، هدفه إنشاء وتكوين إنسان متكامل على الصعيد الدنيوي، ويسير على وفق البرنامج الإلهي الذي يحقق له سعادة دار الدنيا ودار الآخرة.
كما أن الإسلام جاء بفلسفة إلهية ليست من سنخ الفلسفات الوضعية التي أوجدتها الأرض، بل هي تراث أصيل وقواعد متينة أملتها السماء على الإنسان ليدرك حكمة وجوده كفرد وكمجتمع وكذلك حكمة وجود الأشياء التي تحيط به.
والعملية التربوية هدفها بناء الإنسان بناء صالح ليخدم نفسه ومجتمعه وبلده والإنسانية جمعاء، والقائمون على العملية التربوية يسعون جاهدين إلى تضمين أفضل الفلسفات في ميادين التربية والتعليم للوصول إلى أفضل الأطر والنظريات والأسس التربوية التي تسهم في بناء الناشئ الصغير وجعله مشروعاً لبناء الإنسان المستقبلي.
والفيلسوف التربوي في كل الأنظمة التربوية،هو الذي يعمل على صياغة السياسات التربوية ومواجهة المشكلات التي تعترض العملية التربوية،واكتساب المعارف والمعلومات الصحيحة وكيفية تطبيقها على الواقع الحياتي اليومي.
وفلسفة التربية في الإسلام تربطها قواسم مشتركة مع كل الفلسفات في العالم من حيث آليات العمل، ولكنها تختلف معها من حيث المصدر والهدف والوسائل والأساليب، فمصدرها إلهي، وهدفها البناء الصحيح لحياة الإنسان من خلال علاقته بربه ونفسه ومجتمعه، وأساليبها ووسائلها نابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، الأمر الذي جعلها تختلف عن الفلسفات الأخرى في منهجيتها ورؤاها.
وقد يعتقد البعض أن فلسفة التربية في الإسلام، هي تراث بالٍ لا يكاد يسد حاجة التطلعات التربوية الحديثة ولا يواكب الاتجاهات والأساليب الفكرية الجديدة القائمة الآن، بيد إن فلسفة التربية فـي الإسلام هـي عملية خلـق وإبداع تحاكـي الطبيعة الفطرية للإنسان أينما وجد، فهي تأمل أن تنشئ أبناءً صالحين يشعرون بالمسؤولية، ويتهيئون للسمو إلى مراحل روحية وعقلية وعلمية أعلى مما هم عليه.
وقد اعتمدت التربية في الإسلام على التعليم، لأنه الأداة التي تنشدها التربية وتسعى إليها فلسفتها، والتعليم في الفكر الفلسفي الإسلامي لا يركز فقط على الجسد أو على الروح، وإنما يأخذهما كلاهما في طيات فكره وعمله، وذلك لأن الإنسان لا يسمو ولا يتقدم ولا يزدهر إلا بتفاعل الجانب الروحي مع الجانب الجسدي.
وعموماً أن فلسفة التربية في الإسلام قائمة على مجموعة من الخصائص التي تعدُّ ميزة من ميزاتها الأساسية وتنفرد بها عن بقية الفلسفات الموجودة في العالم، ومن هذه الخصائص:
1ـ إن فلسفة التربية في الإسلام ذات منبع إلهي.
2ـ إن فلسفة التربية في الإسلام ذات طابع أممي عالمي.
3ـ إن فلسفة التربية في الإسلام ذات طابع شمولي لكل مكان وزمان.
4ـ إن فلسفة التربية في الإسلام ذات منهج ثابت لا يتغير بالتناقض والازدواجية.
5ـ إن فلسفة التربية في الإسلام ذات طابع وسطي.
هذه الميزات والخصائص جعلتها ذات جذور عميقة وفروع خالدة، وخصوصاً إذا ما أَحسن استخدام خطابها التربوي عن طريق خطاب العقل البشري الواعي بحاجته الماسة لها في ضوء احتياجاته وتطلعاته.
ومع هذه الرصانة الإلهية للفلسفة التربوية الإسلامية، فإنه يجب على القائمين على العملية التربوية بدأ من واضعي المناهج وانتهاءً بمنفذ المناهج (المعلمون) أن يؤطروا الموقف التعليمي، ويصوغوا أهدافه العامة والخاصة على وفق تصور ونظرة الإسلام للتربية والتعليم، بحيث يكون التعليم عاملاً على تنمية الرقابة الإلهية والرقابة الذاتية في نفسية الفرد.
الواقع التربوي اليوم:
أن غياب الرؤية الصحيحة لاستقراء السلوك الإنساني، وكيفية بناء الشخصية المتزنة بجوانبها المختلفة، أدى بأصحاب الفكر التربوي إلى البحث عن الطرائق والأساليب الصحيحة في بناء الفرد والمجتمع،وتربيتهما على أسس ذات أثر عميق وأبعاد كثيرة تواكب التغيرات الحاصلة في الفكر والسلوك وغيرهما.
وبهذا ثبت عجز كل الفلسفات التربوية الوضعية عن التصدي لما يحدث من خلل كبير داخل الأنظمة التربوية في العالم، وكل يوم نسمع صيحات من علماء التربية والتعليم ومنظري فلسفتهما يدعون إلى إعادة النظر في الفلسفات التربوية القائمة اليوم لأنها لم تعد قادرة على أن تبني الأسس الصحيحة في التربية والتعليم، أو لعجز بعضها أو أغلبها عن مواجهة المشكلات القائمة في سلوك الفرد والمجتمع أو فيهما معاً، وكذلك أن هذه الفلسفات التربوية الوضعية لم تعد قادرة على بناء الإنسان بشكل متوازن يحقق تفاعل الروح والجسد وينمي العقل.
وكما هو معلوم أن فلسفة التربية في الإسلام توازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة، فلا تمنع الإنسان من التمتع بالطيبات الدنيوية كالمأكل والمشرب والملبس والإشباع العاطفي والجنسي، لأن الحرمان يولد القلق والاضطراب، وتوجه الإنسان في نفس الوقت إلى الإعداد للدار الآخرة بالالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية،فلا يطغى طلب الدنيا على طلب الآخرة بالانغماس بالطيبات والملذات دون قيود وحدود، ولا يطغى طلب الآخرة على الدنيا بحرمان الإنسان من متعه المشروعة (الحسيني، 1999 ص 19).
واليوم إذ أفرزت الحضارة المادية أبشع صور الفساد الاجتماعي، وأقسى مراتب الاستبداد السياسي مما لا عهد للإنسان به منذ أقدم العصور، ورغم ما تتبجح به الدول الكبرى من بلوغها درجة قياسية في التكنولوجيا فإن المفاهيم الحضارية والمادية الماسكة بزمام الأمور، والتي تقف وراء هذا التقدم العلمي، هبطت إلى درجة من الانحطاط والتأخر، لأنها تعاملت مع الإنسان بتصور مادي هبط به إلى أدنى مستويات الفشل الاجتماعي (مؤسسة البلاغ، 2007 ص 7).
وقد بذل العلماء والباحثون والمتخصصون في شؤون التربية جهوداً كبيرة للوصول إلى منهج تربوي يستندون إليه في انطلاقهم نحو تربية الإنسان والمجتمع على أسس سليمة صالحة، ولم تتوقف هذه الجهود قديماً وحديثاً ولا زالت مستمرة، إلا أنها لم تتفق على نقاط مشتركة يمكنها أن تكون ميزاناً ومعياراً للجميع، لاختلاف العلماء والباحثين في متبنياتهم العقائدية والفكرية، ولاختلافهم في معرفة القوى المؤثرة في حركة الكون والحياة والمجتمع والتأريخ (العذاري، 2001 ص 7).
وخلاصة القول:
1. غياب التراث الفلسفي التربوي الإسلامي في الخطاب التربوي المعاصر، والميل إلى تطبيق الفلسفات التربوية الأخرى.
2. افتقار الخطاب التربوي العربي إلى الرؤية الإسلامية في جميع مرتكزاته وأساليبه التربوية.
3. إن المشروع التربوي الإسلامي وفلسفته المثالية، هو مشروع ناجح يصلح لكل المجتمعات من حيث التربية، أو من حيث حل المشكلات القائمة.
4. إن فلسفة التربية في الإسلام تعمل على بناء الإنسان أينما وجد، ليتربى على وفق القيم السماوية الحقيقية الصادقة والملائمة لكل مكان وزمان.
5. إن الصراع بين الفلسفات التربوية القائمة الآن،أثبت فشلها جميعاً في إيجاد حلول للوضع القائم والارتقاء به، لأنها فلسفات وضعية غير دقيقة ومتينة في صياغتها،وغير واقعية في علاجاتها.
6. لم تترك الفلسفة التربوية الإسلامية الإنسان، فهي ترافقه في مسيرة حياته منذ نشأته إلى أن يأذن الله برحيله من هذه الدنيا، فهي تهتم به وهو جنين في بطن أمه، إلى مرحلة ولادته، إلى طفولته وصباه وشبابه ورشده وشيخوخته.
————————————————–