هناك كتب نقرأها بخشوع لا يمكننا الاعتراض على فحواها، وهناك كتب نستقي منها معلوماتنا ولا يمكننا التعليق عليها، وكتب دائما ما نردد كلماتها، لأنها تترك أثرا لوقت طويل. ورغم كل تصنيفات القراءة وتنوعاتها الا انه لا يمكن انكار المتعة التي يشعر بها القارئ بقراءة كل كتاب، وقد يكفي البعض ملمس الورق الاسمر ورائحته التي اعتاد عليها حتى وان لم يرق له الكتاب الذي بين يديه. وهناك من صار يفضل القراءة الالكترونية لاعتبارات منها سعر الكتاب او المساحة التي يمكن ان تشغلها الكتب اذا ما كانت مكتبة ورقية، وما زال الاختلاف مستمرا حول طريقة القراءة من شخص لآخر فهناك من يفضلها الكترونية ومن يلتزم بقراءة الكتاب الورقي الى الآن.
وفي الغالب لا يمكن للقارئ تبيان ردود افعاله، لكن هناك من تنتابه رغبة في تناول القلم وتدوين هوامش يرغب ايضا في محاورة الكاتب بها. ويمكن تعريف القراءة على انها عملية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفا لتكوين معنى، للوصول الى مرحلة الفهم والادراك، وقد تعد القراءة من قبل البعض هماً او عادة او سلوكاً. او يمكن رفع يافطة بيضاء ليتمكن الاخرون تسميتها كيفما شاؤوا، فهذا السلوك تماما مثل ما يبتلى به المجانين من حوار وهمي يتردد صداه في اذانهم.
ولا يمكن انكار ان القراءة فعل مريح وهادئ، ولا انكر ان بعض الكتاب يتقصدون مفاجأة او استفزاز القارئ ويبدو هذا جلياً على محيى القارئ اثناء قراءته، فيروح البعض يقطب حاجبيه، ومن يشعر بتسارع دقات قلبه وتسارع انفاسه، او من يعض على شفتيه او من يحدث حركة بساقيه عند قراءته كردة فعل طبيعية على ما يقرأ، او حتى من يصاب بحالة شغف او قلق، فتتكون اشارات دلالية واضحة على القراء اثناء تأثرهم، وقد تتبع هذا ايضا مهنية الكاتب وحرفيته في التأثير بهذا الشكل. وهناك من يتقصد من الكتاب ان ينقل ذاكرته والحوادث والمواقف التي مر بها من خلال كتابه. ويتوقف استقبال مثل هذا الفعل على القراء في قبول ان يجعلوا من ذكرياته ذكرياتهم في الموافقة او عدم الموافقة على فعله.
ويمكن القول ان عملية القراءة هي عملية بنائية بمعنى انه لا يوجد نص يفسر نفسه، فعند تفسير النص يعتمد القارئ على مخزونه المعرفي عن النص، ولا يمكن ان تتولد تلك المعرفة حول تفسير النصوص الا بالقراءة. فأن تقرأ يعني انك مدخر جيد، او مستهلك لطاقة كامنة لفعل مريح. ويمكن الاستدلال برأي ثورو في توجيه هذه الطاقة بشكلها الصحيح حيث يقول؛ اننا يجب ان نسعى بجهد الى معنى كل كلمة وكل سطر لأننا نفترض دائما ان هناك معنى اكبر من الاستعمال الشائع التي تتيحه لنا الحكمة والشجاعة وسماحة النفس التي نتحلى بها.