ثقافة اللاعنف
نجاح العلي*
تشير تجارب الامم والشعوب والحضارات الموغلة في القدم، ان مصادر الحروب والنزاعات والفظاعات هي مصادر فردية لبعض ضعاف النفوس او المتسلطين او لاناس نرجسيين، ميالين الى المبالغة في حب النفس بما يؤدي الى اضطراب في الشخصية التي تتميز بالغرور والتكبر، والشعور بالأهمية والكسب على حساب الآخرين، وان بني البشر اجتماعيون في طبيعتهم ميالون الى التعايش والالفة والسلام، وان اغلب النزاعات تأتي جراء الشهوات والنزعات الشخصية وحب التملك والتسلط على الاخرين وهي امور يمكن كبح جماحها عبر القوانين والدساتير والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات بين الافراد والشعوب والامم.
اما المجتمعات التي عانت من الحروب والصراعات والقمع والدكتاتورية والاقتتال مثل العراق فهي بحاجة الى ما اصطلح عليه حديثا بالعدالة الانتقالية التي تعني مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. وليست العدالة الانتقالية نوعًا “خاصًّا” من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو القمع الى حالة سلام دائم من خلال محاولة تحقيق محاسبة المسيء والتعويض عن الضحايا، والاعتراف بحقوقهم، وفرض سيادة القانون والديمقراطية.
وهنا وبحكم خبرتي في هذا الميدان كوني احد مؤسسي الشبكة العراقية للعدالة الانتقالية، وتم تكليفي بالقيام بعدة دراسات في هذا المجال بالاطلاع على تجارب الشعوب الاخرى وتسليط الضوء على التجربة العراقية وخصوصيتها، من الضروري ان لايتحول الضحية الى جلاد لتستمر عقدة الحقد والانتقام في دائرة مفرغة تأكل الاخضر واليابس وتقضي على المجتمعات، وعدم الاكتفاء بقوانين وتشريعات، لايتم تنفيذها على ارض الواقع، مما يزيد من روح الانتقام لدى الضحية جراء عدم جبر الضرر عبر تعويضات مادية ومعنوية، ولم يتم الاقتصاص من المسيء، وكما يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: “عندما تكثر القوانين غير المطبقة تسود شريعة الغاب”.. فما فائدة القوانين والتعليمات ان لم يتم تنفيذها بل قد يكون تأثيرها سلبيا وعكسيا ويؤدي الى بعض الحالات ان يقوم الضحية بالاقتصاص من المسيء بيديه دون الرجوع الى سلطة الدولة والقانون وقد يظلم جراء ذلك بعض الناس بسبب الاندفاع الانتقامي دون ادلة وتمحيص دقيقين وبالتالي تتكون فئة جديدة من الضحايا الذين بحاجة الى مواساة وجبر الخاطر واسترداد حقوقهم.
*اعلامي واكاديمي
الصباح