الحكمة – متابعة: أذكر جيداً في سنوات ما قبل 1958، إن البضاعة التي تحمل عبارة (صنع في انجلترا)- مكتوبة باللغة الانجليزية طبعاً – تجعل المواطن يشتريها وهو مغمض العينين، من دون ان يسأل عن جودتها او سعرها، وذلك هو شأن الدول الصناعية المتقدمة التي تحترم انتاجها الصناعي، وتحرص على جودته، لكي تغزو به الاسواق وتنجح في المنافسة، ولعل كبار السن يذكرون جيداً، كيف كانت البضائع البريطانية المستوردة من الاقمشة والمنسوجات والعدد الكهربائية والعلاجات والمواد الانشائية والاطعمة المعلبة..الخ، تمثل الارقى والافضل، والحائزة على ثقة المستهلك، ولهذا كانت الناس تقول عن تجربة، إن (الحاجة البريطانية ويه العمر)، وهم محقون، فالمصباح الكهربائي مثلاً يبقى يعمل لمدة ثلاثين او اربعين سنة او أكثر، من دون ان يتعرض للعطل، وكأنه مصمم للاشتغال الى الابد، ويصح الشيء نفسه على أية بضاعة أخرى!!
مع مرور الزمن، والتطورات الاقتصادية والتجارية، والانفجارات العلمية والصناعية التي شهدها العالم بأسره، قامت العديد من المناشئ، بما فيها المحلية، غير أن هذا لم يمنع من سيطرة (ماركات) صناعية معينة على السوق وكسب ثقة المواطن، وربما كانت المنتجات اليابانية والالمانية ، من بين افضل الماركات المطلوبة، ومن الغرابة، أن تكون (الجودة) وراء شيوع ظاهرة التلاعب او ما يعرف بالغش الصناعي، إذ لا يبدو صعباً استبدال (العلامة) وذلك برفعها عن المنشأ (العادي) او الرديء، ووضع ماركة او علامة معروفة عالمياً وتتحلى باعلى المواصفات.. وبهذه الطريقة التي شاعت كثيراً يمكن تصريف البضاعة الرديئة، وجني ارباح مضاعفة!!
بالطبع هناك العديد من صور الغش ووسائله، ومعظم البضائع يمكن ان تتعرض الى هذه الظاهرة، ولكن اسوأ انواع التلاعب هو الذي يجري في دائرة (الطعام والدواء)، والمشكلة ان الغش في هذه الدائرة هو الاسهل والابسط، لكونه يتعلق بمدة الاستهلاك فقط، ذلك لأن المناشئ الجيدة، وشركاتها ومصانعها الانتاجية حريصة على تزويد بضائعها بمعلومة تشير الى تاريخ الانتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية، او ما يعرف باللغة الاجنبية (اكسباير)، فالبضاعة (ص) على سبيل المثال تم انتاجها في (6 /1 /2017)، وانتهاء صلاحيتها في (6 /2 /2017)، والامر لا يكلف اكثر من التلاعب في الصلاحية وجعله (6 /12 /2017)، ومثل هذا الغش الذي قد يودي بحياة الالاف، يرقى الى مستوى جرائم الابادة البشرية!!
الغريب، إن الغش الصناعي الذي يتكاثر في أي بلد، مع ضعف الرقابة والعقوبة الرادعة، وغياب اجهزة التقييس والسيطرة النوعية وترهل الضمائر، قد انتقل الى السياسة كذلك، ففي معظم البلدان النامية التي تجري فيها انتخابات برلمانية، يقوم المرشحون في كل دورة جديدة بتغيير ماركاتهم ، فمرة يضعون ماركة وطنية، ومرة دينية ومرة علمانية ومرة يسارية.. الخ، مع ان محتويات عبواتهم واحدة لم تتغير، وبعضها اصبح اكسباير!!