يوم المباهلة برهان الصادقين

383


واقعٌ بيّن أينما التفتَتْ عين المسلم، وأينما تجوّل عقله وفكره، وأينما توجّهت أُذُنُه.. فإنّه سيلتقي بالدليل والبرهان والآيات البيّنات أنّ النبيَّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم هم أفضلُ الخَلْق وأشرفه وأكرمُه وأعزّه؛ لما وهَبَهمُ الله تبارك وتعالى من القرب الأقرب وما خصّهم به من المنازل والمقامات، حتّى أصبحت دلائَل بيّنةً وعلاماتٍ حقّةً على أفضليّتهم وأشرفيّتهم وأكرميّتهم، بل وعلى ولايتهم، إذ جعَلَهمُ الله جلّ وعلا حُجّتَه على خَلْقه، وهو القائل عزّ من قائل: )قُلْ فَلِلّهِ الحُجّةُ البالِغَةُ).(1)
قصة المباهلة
كتب النبي صلَّى الله عليه و آله كتاباً إلى أبي حارثة أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلاً من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول صلَّى الله عليه وآله والاحتجاج أو التفاوض معه، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة، عندها اقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾(2) فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما، وهو اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي صلَّى الله عليه وآله قد إصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وقد جثا الرسول صلَّى الله عليه وآله على ركبتيه استعدادا للمباهلة، انبهر الوفد بمعنويات الرسول وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته، فأبى التباهل.
وقالوا : حتى نرجع وننظر، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟
قال والله لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، وذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي والحسن والحسين عليهم السَّلام بين يديه، وفاطمة عليها السَّلام خلفه، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف: إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوا، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك، فصالحهم رسول الله صلَّى الله عليه وآله على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة، ألف في صفر وألف في رجب، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا.
وقال النبي صلَّى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا (3) .
وهذه الآية عظيمة جداً في شأن أصحاب الكساء عليهم أفضل الصلاة والسلام، ولعلّ أول من احتج واستدلّ بهذه الآية المباركة هو أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة وهذه القصّة، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين عليه السّلام، وصدّقوه في ما قال، وهذا الاحتجاج في الشورى مروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم.(4)
وذات يومٍ سأل المأمون الإمام الرضا صلوات اللَّه عليه: ما الدليل على خلافة جدّك؟
قال عليه السلام: آية أنفسنا.
قال المأمون: «لولا نساءنا»، قال عليه السلام: «لولا أبناءنا»(5).
لايخفى مافي لطافة السؤال والجواب: إنّ مقصود الإمام الرضا عليه السلام أنّ عليّاً نفس الرسول، وهو المراد من أنفسنا ومقصود المأمون من قوله: «لولا نساءنا» إنّ النساء في مقابل الرجال فيكون المراد من أنفسنا الرجال لا الإمام عليّ عليه السلام فلاتدلّ الآية على خلافته عليه السلام.
فأجابه الإمام عليه السلام بأنّه لو كان المراد من «أنفسنا» الرجال فلا معنى لقوله: «أبناءنا»؛ لأنّ «الأبناء» أيضاً رجال، فتدخل في الأنفس، فلا معنى لذكر الأبناء بعد الأنفس فذكر الأبناء بعد الأنفس دليل على أنّ المراد من «أنفسنا» ليس الرجال، بل رجل مخصوص وهو الإمام عليّ عليه السلام.
وهذه الفضيلة المباركة لأصحاب الكساء عليهم السلام وخاصة سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، عندما نقرأ الأحاديث التي صدرت في حقها من قبل والدها صاحب الرسالة السماوية تقف إجلالاً وإعظاماً لهذه الشخصيّة المقدسة تكلم عن ولدتها ونشئتها وكيفية زواجها وإدارة بيتها وتكلم عن رضاها وغضبها وكل شئ يرتبط بها من محبيها وشيعتها وأعدائها وأبنائها.
يا لها من عظمة قدسية! لا يعرفها إلاّ الباري تعالى وصاحب الرسالة السماوية ونفسه صهره عليها وأبنائها المعصومين ومن سواهم فُطِم عن معرفتها، ولقد جسدت الزهراء صلوات الله عليها تعاليم الوحي، وسارت وفق هداه فكانت من الجنّة إلى الجنّة وما بين ذلك غضبها هو غضب الله ورضها هو رضا الله فتأمّل وتعقّل في هذه الشخصية العظيمة.
وانّ هذا اليوم يوم شريف وفيه عدّة أعمال قد أوردها الشيخ عباس القمي قدس سره في كتاب مفاتيح الجنان.
أعمال يوم المباهلة:
الاوّل : الغُسل .
الثّاني : الصّيام .
الثّالث : الصّلاة ركعتان كصلاة عيد الغدير وقتاً وصفة وأجراً، ولكن فيها تقرأ آية الكرسي الى هُمْ فيها خالِدُونَ .
الرّابع : أن يدعو بدعاء المباهِلة.
الخامس : أن يدعو بما رواه الشّيخ والسّيد بعد الصّلاة ركعتين والاستغفار سبعين مرّة ومفتتح الدّعاء اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ، وينبغي التّصدّق في هذا اليوم على الفقراء تأسّياً بمولى كلّ مؤمن ومؤمنة أمير المؤمنين عليه السلام، وينبغي أيضاً زيارته عليه السلام والأنسب قراءة الزّيارة الجامِعة.(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الأنعام، الآية 149.
2ـ سورة آل عمران، الآية 61.
3ـ مجمع البحرين : 2 / 284، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية، مكتبة المرتضوي، طهران / إيران.
4ـ تاريخ مدينة دمشق: 42 / 432.
5ـ طرائف المقال: السيد علي البروجردي،ج 2، ص 302.
6ـ مفاتيح الجنان: الشيخ عباس القمي، أعمال شهر ذي الحجة يوم 24.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*