25 محرم استشهاد الإمام السجاد(ع)؛ أدب الدعاء عند الإمام السجاد عليه السلام
594
شارك
الحكمة _ متابعة : يوافق 25 من محرم الحرام الذكرى الأليمة لاستشهاد الإمام علي بن الحسين السجاد (ع)، فبهذه المناسبة نقدم للقراء مقالا يتحدث عن أدب الدعاء عند هذا الإمام الهمام.
ان الامام السجاد (عليه السلام) يعد متفرداً في توفره على صياغة الادعية من حيث الكم ومن حيث التنوع في اشكال الدعاء ومستوياته ودلالاته،… لذلك مادام الامام السجاد (عليه السلام) قد تفرد في هذا الميدان بحيث اشار اكثر من مؤرخ بأن ادب الدعاء لدى الامام السجاد (عليه السلام) جسد «الأسلوب الأدبي» الذي اختطه (عليه السلام) في مواجهته لمشكلات الانسان والعصر… لذلك يتعين على مؤرخ الأدب أن يقف عند ظاهرة (الدعاء) عند الامام السجاد (عليه السلام)، ليفصل الحديث عنه فنياً وفكرياً، مادام الدعاء قد جسد لدى الامام (عليه السلام) ظاهرة ملحوظة متفردة: من حيث الكم، ومن حيث التنوع، ومن حيث الوظيفة الاجتماعية، ومن حيث السمات الفنية التي واكبت هذا الشكل الادبي. ونبدأ بالحديث عن ذلك:
فكرياً يظل (الدعاء) عند الامام السجاد (عليه السلام) وسيلة فنية لطرح القضايا الفردية والاجتماعية والكونية والتواصل الوجداني بشكل عام، واذا كان الدعاء في غالبيته تتم صياغته للتواصل الوجداني – اي: توجه الانسان الى الله لاشباع حاجاته الروحية، مثل رضى الله تعالى ومناجاته وتحميده… الخ -، فانه لدى الامام السجاد (عليه السلام) تجاوز هذا الصعيد (الوجداني) الى مطلق الصعد التي تصاغ فيها الخطب والرسائل والمقالات والخواطر والاحاديث، اي: ان الدعاء يقوم بمثل ما تقوم به الخطبة او الرسالة او الحديث من حيث طرح القضايا العبادية المختلفة (سياسياً، اجتماعياً، عسكرياً، اخلاقياً.. الخ)، ويكفينا ان ننظر الى موضوعات (الصحيفة السجادية) التي جمعت فيها نصوص الدعاء للامام السجاد (عليه السلام)، حتى نتبين كيفية طرحه (عليه السلام) لقضايا الكون والمجتمع والفرد و… فاذا استبقينا الأدعية المرتبطة بتحميد الله تعالى نجد ان القوى الكونية مثل: حملة العرش، والرسل، او الظواهر الكونية مثل: الاهلة: تأخذ نصيباً من نصوص ادعيته (عليه السلام)، ونجد في صعيد العلاقات الاجتماعية دعاءاته للأبوين، للأولاد، للخاصة، للجيران: تاخذ نصيبها ايضاً، ونجد في الصعيد العسكري دعاءه لأهل الثغور، وهكذا سائر القضايا الاجتماعية او الفردية او العبادية العامة، فهناك ادعية لدفع الظلامات، وادعية لدفع كيد الاعداء، وادعية للاستسقاء وغيرها من الظواهر الاجتماعية، واما الظواهر العبادية من نحو ادعيته في الايام والاسابيع والشهور والاعياد… الخ، او الظواهر الفردية من نحو ادعيته في الصحة والمرض والشدة والرزق و.. الخ: هذه الأدعية تحتل مساحة ضخمة من النتاج. وأما:
فنياً ان هذه الأدعية تتميز بكونها مصاغة وفق لغة فنية مدهشة وليست مجرد أدعية بذات مضمونات كونية او اجتماعية او فردية أو عبادية، وهذا ما يمنحها قيمة ضخمة بحيث تظل في مقدمة النصوص الأدبية التي ينبغي لمورخ الادب أن يعنى بها كل العناية… لذلك نبدأ بعرض سريع للخصائص الفنية التي تطبع (فن الدعاء) عند الامام السجاد (عليه السلام)،… ونعرض اولاً نصاً عاماً للتعرف على مجمل الخصائص، وهو: الدعاء لأهل الثغور. يبدأ دعاؤه (عليه السلام) بهذا النحو: اللهم صل على محمد وآل محمد: وحصن ثغور المسلمين بعزتك، وايد حماتها بقوتك، واسبغ عطاياهم من جدتك. اللهم صل على محمد وآله: وكثر عدتهم، واشحذ اسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم… وامددهم بملائكة من عندك مردفين، حتى يكشفوهم الى منقطع التراب: قتلاً في ارضك، واسراً، او يقروا بانك انت الله الذي لا اله الا انت وحدك لا شريك لك. اللهم واعمم بذلك اعداءك في اقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة والزنج والسقالبة والديالمة وسائر امم الشرك الذين تخفى اسماؤهم وصفاتهم وقد احصيتهم بمعرفتك واشرفت عليهم بقدرتك… اللهم وامزج مياههم بالوباء، واطعمهم بالادواء، وارم بلادهم بالخسوف، وألح عليها بالقذوف… اللهم واي غاز غزاهم من اهل ملتك.. فلقه اليسر، وهييء له الامر،… وتخير له الأصحاب، واستقو له الظهر، وأسبغ عليه في النفقة،… وأطفىء عنه حرارة الشوق واجره من غم الوحشة، وانسه ذكر الأهل والولد،..» (1).
مضموناً يحتشد هذا النص بأفكار ترتبط بمتطلبات المعركة من حيث صياغة الشخصية المقاتلة، ومن حيث تشخيص العدو وطرائق خذلانه،… واما فنياً فيحتشد النص بصور وايقاعات متنوعة، بحيث لا تكاد تمر فقرة الا وتشكل مع مثيلتها فاصلة مقفاة (بعزتك، بقوتك، جدتك) (أسلحتهم، حوزتهم، حومتهم) (بالوباء، بالأدواء) (بالخسوف، بالقذوف)… لكن عندما لا يستدعي الموقف ايقاعاً منتظماً حينئذ يختفي هذا العنصر، وذلك من نحو عرضه لهويات الأعداء: من الروم، والترك، والهند، والزنج، والسقالبة، والديالمة.. الخ، كذلك يحتشد النص بعنصر الصورة، لكن دون ان تتكثف النسبة، وذلك لأن متطلبات كل دعاء تفرض حيناً تكثيفاً لعنصر الصورة وحيناً آخر تقليلاً له،… وكذلك عنصر الايقاع، وهو امر سنتحدث عنه عند عرضنا لكل عنصر فني على حدة… ونبدأ ذلك بالحديث اولاً عن:
البناء الخارجي يظل البناء الفني للدعاء عند الامام السجاد (عليه السلام) مطبوعاً لسمات الاحكام والاتقان والمتانة بنحو ملحوظ… وأول ما ينبغي ملاحظته هنا، ان كل دعاء يتضمن (بعداً موضوعياً) يستهل به او يختم به او يتخلل وسطه ان يتخلل بدايته ووسطه ونهايته…ونعني بـ (البعد الموضوعي) هو: ان يقترن الدعاء (مهما كان نمطه) بالتمجيد لله تعالى، من جانب، وبالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله عليهم السلام من جانب آخر، فمادام الدعاء هو محاورة انفرادية مع الله تعالى فحينئذ تظل اولى سماته هي: «الخطابية» من نحو عبارة (اللهم) أو (الهي) وسواهما.. حيث تستدعي مثل هذه العبارة (حمداً) او (ثناء) بالضرورة، كما تقترن في الغالب بالصلاة على محمد وآله ايضاً بصفتهم (عليهم السلام) وسائل للتقرب الى الله تعالى.. ومن الواضح ان الدعاء عندما يقترن بأمثلة هذه العبارات انما يحتفظ بسمته (الموضوعية) التي تتمحض لله تعالى،… فنحن اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الادعية هي على مستويات متنوعة منها (الدعاء الموضوعي) وهو ما يرتبط بالتمجيد لله تعالى فحسب: حينئذ فان (الهدف العبادي المحض سوف يطبع مثل هذا الدعاء…) لكن هناك ادعية تخص الحاجات الفردية فحسب، وحينئذ فان ربط هذه الحاجات الفردية بالتمجيد لله تعالى وبالصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) يجعل الدعاء في اشكاله جميعاً ذا طابع (موضوعي) يتصاعد على الحاجات الفردية المحضة، وهذا ما يكسب الدعاء اهميته الكبيرة دون ادنى شك…
ويمكننا ان نستشهد باحد نماذج الأدعية لملاحظة البناء الفني فيه من حيث عناصره (الموضوعية) المشار اليها… وهو: