لماذا يفضل الشباب الموهوب الانتقال كثيرا من عمل لآخر؟

458

الحكمة – متابعة: لا يبذل أفضل القادة الإداريين في الغالب جلّ ما بوسعهم للاحتفاظ بخيرة العاملين الشباب، وهذه الاستراتيجية تؤدي من وجهة نظرهم إلى نجاحات طويلة الأمد، حسب ما يقول سيدني فينكلشتين، الخبير في علوم الإدارة.

في أيامنا هذه، تخيّب الشركات آمال العاملين الشباب. رغم أن الكثير من الإداريين حاول جذب الكثير من أبناء جيل الألفية الجديدة. فعلى سبيل المثال، تقدم بعض الشركات للموظفين الشباب أجواء عمل أكثر مرونة، أو امتيازات توفير الطعام والعصائر في مكاتب العمل.

لكن الإداريين لم يغيّروا أموراً جوهرية في كيفية هيكلة الوظائف. كما إنهم يتبعون استراتيجيات عتيقة للتعامل مع المواهب لا ترتبط كثيرا بالكيفية التي يفكر بها جيل الشباب بخصوص العمل.

وتشدّد العديد من الشركات على استبقاء نسبة من العاملين الشباب لديها لأهميتهم؛ ولذلك فهي تنظم أمور التوظيف والتعويضات، وتطوير المهارات، وغيرها من المسائل بهدف استبقاء أفضل العاملين لأطول فترة ممكنة.

إلا أن أبناء جيل الألفية لا يهتمون بطول فترة توليهم لمركز وظيفي ما بقدر اهتمامهم بكثافة تعلمهم أثناء العمل، وتنمية أنفسهم. فهم يريدون أن يأخذوا على عاتقهم مسؤوليات أكثر، وأن يعتلوا المراكز الوظيفية بشكل أسرع، بمساعدة من يستطيع من المديرين والزملاء أن يدفعهم إلى الأمام، ومساعدتهم على التطور. كما إنهم يريدون بصيرة ملهمة تسهم في تحفيزهم للعمل الجاد والتفوق.

على ما يبدو، فإن بعضاً من أفضل المديرين في العالم قد أدركوا هذا الأمر الآن.

كنت قد قضيت العقد الماضي وأنا أدرس خصائص “المديرين الأفذاذ”، المتفوقين للغاية من قطاعات عمل متنوعة، ممن كانوا أيضاً استثنائيين وأصحاب مواهب متعددة. وتوجد أوجه تشابه رئيسية في كيفية إدارتهم للعاملين الشباب لديهم.

وبعد إجراء 200 مقابلة وقراءة آلاف الصفحات من المواد المنشورة، اكتشفت أن “المديرين الأفذاذ”، مثل مصمم الأزياء رالف لورين، والمستثمر ومدير صندوق التحوط السيد جوليان روبرتسون، ومبتكر التقنيات لاري إليسون، وكثير غيرهم، قد بنوا إرثاً عن طريق ترسيخ فكرة استمرار اكتساب المواهب الشابة، مع التركيز على تطويرهم.

المذهل في الأمر أن هؤلاء المديرين عاملوا موظفيهم بالطريقة التي يحب أبناء جيل الألفية أن يُعاملوا بها، فقدموا لهم تدريباً مناسباً لكل فرد منهم وحسب الطلب، وفرصاً هائلة في التقدم الوظيفي وحرية الإبداع، ومجالات للتعلم، وفرصة القيام بعمل هادف.

ويريد العاملون الطموحون أن يجدوا فرصة لتحقيق نجاح مؤثر، ويتيح المديرون الأفذاذ لهم أن يقوموا بالضبط بهذا الأمر.

وبإطلاق العنان لولع المتدربين الشباب وطاقتهم الإبداعية وتسخيرها، بنى المديرون شركات ناجحة وأحدثوا تغييراً في قطاعات عملهم، وأصبحوا من أصحاب المليارات في بعض الحالات.

ولم يبذلوا مجهوداً كبيراً ليستبقوا موظفيهم، ومن المؤكد أنهم لم يعيشوا في خوف من أن يلملم أفضل العاملين لديهم حاجاتهم وأمتعتهم ويغادروا. لقد أدركوا أنه لا يمكن الإبقاء على أفضل العاملين في أي مجال كان؛ فهم وُجدوا ليطوروا أنفسهم، ومن الطبيعي أن يفتشوا عن فرص أكبر في أماكن أخرى.

وكما يقول مايكل مايلز، المدير التنفيذي لإحدى شركات الأطعمة المعلبة: “لا تستطيع الإبقاء على العاملين الجيدين، وإذا ما حصلوا حقاً على فرصة جيدة لا يمكنك مجاراتها، فحتماً ستخسرهم. غير أن ذلك هو الثمن الذي تدفعه لقاء وجود أناس متميزين حقاً”.

وقد أدرك المديرون الأفذاذ أنه من الأفضل أن يكون لديك أناس رائعون لفترة وجيزة على أن يكون لديك أناس متوسطو المستوى لفترة طويلة من الزمن. ولذا، ركزوا على الاستفادة من مهارات متدربيهم الطموحين إلى أقصى حد ممكن ما داموا يعملون لديهم، بينما يقومون بإرشادهم فردياً وفقا لسيرهم المهنية، موفرين لهم الفرص والمسؤوليات التي لا تتوفر في أماكن أخرى.

وعندما يترك هؤلاء المتدربون العمل في الشركة، يسعى المديرون للإبقاء على الصلات معهم ويواصلوا المداولات والشراكات الرسمية وغير الرسمية معهم. وقد أتاح هذا للمديرين جني الفوائد من شبكة علاقات من كانوا يعملون لديهم، بما في ذلك تراخيص ذات امتيازات عديدة والاطلاع على فرص تجارية، ومواهب وأفكار جديدة.

أضف إلى ما ذُكر، فإنه من خلال إعطاء الحرية لأفضل العاملين أن يتركوا الشركة، ومساعدة المتدربين في أحيان كثيرة في إيجاد فرص عمل في أماكن أخرى، فإن هذه الشركات تبني لنفسها سمعة باجتذاب أفضل المواهب. وبالتالي، سهل هذا للمديرين الأفذاذ أن يجتذبوا المواهب الأفضل والألمع، مما ولد دفقاً من مواهب جددت الشركة على الدوام.

إليكم ما هو غير متوقع: على الرغم من رغبة القادة الإداريين الأفذاذ في التخلي عن استراتيجية استبقاء الموظفين، فإنهم خلقوا محبة واحتراماً عظيمين لدى العاملين آلت إلى استبقاء الموظفين لفترات أطول.

كلما عملت أكثر لتحسين التعلم والتركيز عليه وتنمية الخبرة للعاملين لديك، ستصبح رغبتهم في البقاء لفترة أطول أمراً طبيعياً. فما الداعي لذهابهم إلى مكان آخر؟

لذا فقد تبيّن أنه أفضل استراتيجية هي أن تلبي متطلباتهم الشخصية وتوفر برنامجا مكثفا لتطوير العاملين، يُبنى على أساس أن أفضل العاملين لديك قد يغادرون أبكر مما تود.

إن الإدارات العبقرية ستسعى جاهدة لتفهّم ما يريده العاملون الشباب وتوفره لهم. وبدلاً من إطالة أمد بقاء موظف ما لديها، فإنها ستسعى إلى أقصى حد لتطوير قدرات العاملين، وبذا، ستزيد من التأثيرات والنتائج التي يمكن للعاملين تقديمها في المقابل. وعند التعامل بهذا الشكل، فإن هذه الإدارات ستؤسس قنوات هائلة للمواهب، فتزيد من استمرارية شركاتها على المدى الطويل.

يقدم العاملون الشباب فائدة كبيرة للشركات؛ فهم يتحدّوننا جميعاً لكي نجعل أماكن عملنا ذات مغزى وأكثر نشاطا وإبداعا. إن الشركات التي تجتاز هذا التحدي هي التي ستزدهر؛ والشركات التي تتشبثّ بشدة باستراتيجيات استبقاء العاملين التقليدية ستذبل.

كلما أسرعت الشركات والمديرون بجعل أماكن العمل ملائمة أكثر لأبناء جيل الألفية، سيصبح حالنا جميعاً أفضل.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*