كيف تكسب ثقة زملائك ومحبتهم؟

430

الحكمة – متابعة: تطورت أماكن العمل حاليا بشكل يذكرنا بالشعبية التي كان يعرف بها طلاب “المدارس الثانوية”، والتي كانت تعتمد على مكانة الطالب بين زملائه، كما يقول الصحفي ميتش براينشتاين.

إذا كان موقع عملك يجعلك تشعر بالإحباط أحياناً لأنه يبدو وكأنك تعيش من جديد أجواء المدرسة الثانوية، فلعل ذلك ليس من قبيل الصدفة.

إذ تشير أبحاث في علم النفس إلى أن القوى المحركة لشعبية الشخص، والتي نتذكرها من أيام المراهقة، هي ذاتها التي لا تزال تتحكم في حياتنا ونحن بالغون، ولا تختلف تماماً عن المباديء الاجتماعية الحالية.

نحن بالطبع لا نتحدث كثيرا عن علاقاتنا المهنية من زاوية “الشعبية”، لكن كما كان الحال بالضبط في المدرسة الثانوية، يوجد في معظم أماكن العمل أشخاص يحظون بالقبول، أو الرفض، أو التجاهل، أو يصبحون مصدر إثارة للجدل، أكثر من غيرهم. واللافت للنظر أن موقعنا في مثل هذه المنظومة الاجتماعية الهرمية لا يزال مهما ومؤثرا أكثر مما نتوقع.

ما المخاطر؟

إن الأشخاص ذوي الجماهيرية الأوسع من المرجح أن يحصلوا على وظائف وترقيات أكثر من نظرائهم، من ذوي المؤهلات المشابهة، وأن يحصلوا على رواتب أعلى كذلك. كما أنه من المرجح أن يشعروا بالقناعة والرضى في العمل أكثر من نظرائهم، وأن يكونوا أسعد في بيوتهم، وأقل عرضة لأن يعانوا من الإدمان والكآبة والقلق.

وقد كشفت نتائج حديثة لأكاديميين من الولايات المتحدة الأمريكية، وهم جوليان هولت-لونستاد، وتيموثي بي سميث من جامعة بريغام يونغ، وجَي برادلي لايتون من جامعة ولاية كارولينا الشمالية، أن إعجاب الآخرين بنا قد يكون له نتائج إيجابية على صحتنا البدنية. فالأشخاص الأقل تقبلاً بيننا هم أكثر عرضة للموت بنسبة الضعف، وتعادل مخاطر الوفاة هذه في تأثيرها القوي تاثير التدخين على صحتنا.

بمعنى آخر، لا تزال للشعبية التي يحظى بها المرء وسط محيطه أهميتها، سواء راق لنا ذلك أم لا. ولذا، من المفيد لمن يريد أن يكون في الطليعة، التأمل فيما إذا كنا نتصرف بطريقة نكسب بها رضى زملائنا وحبهم، أم أننا نتصرف بشكل يؤدي إلى نفورهم منّا.

ومن المؤسف أن نيل إعجاب الآخرين ليس العامل الوحيد من عوامل الشعبية التي يسعى إليها الكثيرون. في الحقيقة، يجتهد كثيرون أيضا من أجل أن يصبحوا من أصحاب شعبية أكبر، عن طريق إعلاء “مكانتهم” وسط الآخرين، وهذا شكل ثانٍ من الشعبية التي تبرز خلال سنين المراهقة.

وفي حين يعتمد الإعجاب بشخص ما على قدرته على جعل الآخرين يشعرون بقيمتهم، وإنهم ضمن المقرّبين، وإنهم سعداء، فإن مكانة المرء تعتمد على ما إذا كان موضع اهتمام، ولديه السلطة والنفوذ، ووضوح الرؤية. باستطاعة كل من درس في المدارس الثانوية أو المتوسطة أن يدرك التمييز بين هذين الشكلين من الشعبية.

كان الطلبة الذين يتمتعون بالهيمنة يحظون أيضا بمنزلة عالية، والجميع يعرفهم، وكان البعض يرغب في أن يكون مثلهم تماماً، لكنهم لم يكونوا بالضرورة محبوبين. وفي الحقيقة، كان العديد من الطلبة يبغضون الشخص “الأروع” في المدرسة، تماماً كما هي الحال بين البالغين.

كم ‘إشارة إعجاب’ لديك؟

كانت المنزلة، في العادة، شكلاً من أشكال الشعبية التي اهتممنا بها كثيراً عندما كنا مراهقين، ولكننا تجاوزناها بسرعة. وتشدد كثير من أماكن العمل اليوم على إنتاجية فرق العمل، والتعاون المثمر، وروح الزمالة في بيئة العمل.

إلا أنه حصل تحول كبير: ففي الوقت الراهن، أصبح من السهولة بمكان التعلّق بمرحلة المراهقة إلى الأبد، والسعي بيأس للحصول على مكانة جيدة بدلاً من الإعجاب فقط.

وعلى سبيل المثال، تأملوا مواقع التواصل الاجتماعي، فالمنافسة على الشعبية الافتراضية تعني إتاحة المجال لأي شخص كان أن يسعى لنيل منزلة له عبر الحصول على إشارات الإعجاب والرد على التغريدات وعدد المتابعين.

ومع كل تحديث على موقع من مواقع التواصل، بإمكاننا الآن الدخول في منافسة لكسب المنزلة والمكانة الأفضل، تماماً كما تُقيّم ملفاتنا الشخصية في مجال التجارة والأعمال، ومواقع الانترنت والمقالات، وذلك وفق قدرتنا على توليد التفاعل والحيوية.

لعل بعض التغيرات التي طرأت على كيفية عملنا حالياً قد ساهمت هي أيضاً في وضع الأسس المثالية لاهتمام المرء بالمنزلة والمكانة من جديد. فالأجواء المفتوحة لمكاتب العمل والقواعد غير المتشددة فيما يتعلق بحرية الملابس والمظهر، على سبيل المثال، قدمت فرصاً أكثر لكي ينتبه العاملون بشكل أوضح للعلاقات الاجتماعية، والتسلسل الهرمي للمكانة التي يحظون بها في مكان العمل.

وبما أن العادات والأعراف الغربية في أماكن العمل قد ثمّنت الاستقلالية والفردية بشكل متزايد، فإن عدداً أقل من الناس يضعون ضمن أولوياتهم العمل الجماعي المنتج، وبدلاً من ذلك نجدهم يركزون على الظهور بمنزلة أكثر أهمية من زملائهم.

وبالطبع سيكون لذلك الهوس المتنامي تداعيات سلبية. فقد كشف بحث حديث أن الأشخاص ذوي المكانة والتقدير يميلون لأن يكونوا أكثر عدوانية، وأكثر عرضة لتصرفات تنطوي على المخاطر، وأقل تعاطفاً ورحمة، وأقل تقبلاً لوجهات نظر الآخرين.

وتواصل الشركات منح المكافآت لذوي المكانة العالية بين زملاء العمل، بأن تعطيهم ألقاباً مهنية، ومكاتب فسيحة، وهيكل تنظيمي في الإدارة تجسد هرمية السلطة والنفوذ.

وبالتالي فمن المهم بشكل خاص للعاملين في أجواء عمل الشركات أن يتذكروا أن كسب إعجاب الآخرين هو الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى النجاح. ربما يقدم لنا الزملاء من ذوي المنزلة المرموقة توجيهات نتبعها بإخلاص، غير أن الأفكار التي يقدمها لنا من نُعجب بهم ستولد تقبلاً لها وولاءً لهم وتماسك فريق العمل.

إذاً، كيف تزيد من إعجاب الآخرين بك؟ اعتماداً على مقابلاتي التي أجريتها بنفسي والأحاديث التي تبادلتها مع العاملين في الشركات، فإن الجواب هو أن تجعل الآخرين يشعرون بقيمتهم وقدْرهم، وأنهم ضمن المقرّبين، وأنهم سعداء.

هناك وسائل لا حصر لها للقيام بذلك، ونعرض فيما يأتي بعضا من أكثر هذه الوسائل فعالية.

– ضع ثقتك في الناس بأن تشيد بهم، وتفهم غاياتهم، وتعطي زملاءك الوقت الكافي لتجعلهم يشعرون بعلاقة اجتماعية مع بعضهم البعض، بما يتجاوز ظروفهم المهنية المشتركة. يستغني القيادي التقليدي في العمل من ذوي المنزلة الرفيعة عن روح الدعابة، ويفضل توكيد سلطته كوسيلة لتحفيز الآخرين، أما القيادي الذي يحوز على إعجاب الآخرين فهو يعبر عن اهتمامه بعملهم وتقاريرهم بشكل مباشر، مراعيا طبيعتهم البشرية، ومنميا بذلك ثقتهم، وولاءهم، ومثابرتهم على النجاح.

– أثناء الاجتماعات، كن آخر من يتحدث، وتأمل فيما طرحه الآخرون قبل أن تعبر عن آرائك أنت. إن مجرد جعل الآخرين يدركون أنه جرى الاستماع لآرائهم، وأن تعليقاتهم ساهمت في صياغة أفكارك أنت سيجعلهم يدركون مدى تقديرك لهم، وأن مشاركاتهم قد أُخذت على محمل الجد. فالأفكار التي يُعبَّر عنها عند نهاية اجتماع ما، والتي تعكس مساهمات الآخرين، هي الأكثر تقبلاً على الأرجح من المقترحات المطروحة عند بداية المناقشات، لأن الأولى تعتبر نتيجة مشاركة الجميع وليست أوامر من شخص مهيمن متفاخر بنفسه.

– غالباً ما يذكر الناس أن الشخص الذي أعجبهم أكثر من غيره جعلهم يضحكون، وأنه أضاف مسحة من المرح على حياتهم اليومية. لكن ليس الجميع قادراً على أن يكون مركز اهتمام وتسلية للناس من حوله. وبدلاً من ذلك، حاول أن تتذكر إحدى التفاصيل المتعلقة بحياة كل زميل من زملائك، واسألهم عنها بين الحين والآخر. فلا شيء يجعلنا نشعر بارتباط بالآخرين أكثر من رؤيتنا لشخص يستغني عن قسط من وقته الثمين ليسألنا عما يشغلنا في حياتنا، وأن يسألنا عن أحوالنا ومشاعرنا. وهذا التصرف البسيط الدال على الرحمة والأصالة يعد تصرفا قويا بشكل رائع لكسب الثقة، وخلق صداقة حميمة، والإسهام في جعل الآخرين يشعرون أن لهم أهمية داخل مجموعتك.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*