إنه علي بن أبي طالب…خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
527
شارك
كان الإمام عليّ(ع) هو الشَّخص الوحيد الَّذي تجتمع فيه مسألة ثقافة الرّسالة ووعيها وحركيّتها وجهادها… إنّ الناس عندما تتحدّث عن الخلافة، وعن حقّ عليّ(ع) فيها مقابل الآخرين، فإنَّ بعض الناس كان يتحدّث عن السنّ، وذلك أنَّ عليّاً(ع) كان لا يزال شابّاً، وأنّ الآخرين أكبر منه سنّاً، ومستقبله أمامه، فإذا لم يحصل على الخلافة الآن، فإنّه سيحصل عليها غداً، وكان بعضهم يقول إنَّ الخلافة تحتاج إلى شخص ليس للمجتمع ثأر عليه، والإمام عليّ(ع) وتر قريش، إذ قتل الكثير من آباء هؤلاء الَّذين أسلموا بعد ذلك أو إخوانهم أو أقربائهم.
ومن المعلوم أنَّ العقدة التي يعيشها الإنسان ضدَّ من قتل أباه أو أخاه أو قريبه، تبقى متجذّرةً في النفس، حتى لو تبدّل خطّه الفكريّ، لذلك، فإنَّ الخلافة يراد لها شخص لا يعيش المجتمع تعقيداً بالنّسبة إليه… ثم إنَّ الناس لا يريدون أن تجتمع لقريش النبوّة والخلافة، فالنبوّة كافية، والمجتمع مجتمع عصبيّات. هذه الكلمات التي كانت تُقال، ونحن نعرف أنَّ كلّ هذه الكلمات لا علاقة لها بمعنى الخلافة الإسلاميّة، لأنَّ الخلافة الإسلاميَّة هي خلافة عن النّبي محمّد(ص)، وللنبيّ شخصيّتان: شخصيّة الرّسول وشخصيّة الحاكم، وهذه هي صفة الدّولة، لأنَّ الدّولة هي أولى بالناس من أنفسهم، فلها أن تفرض عليهم الكثير من القوانين ومن الالتزامات، حتى لو لم يقبلوا بها.
لذلك، كان الإمام عليّ(ع) هو الشَّخص الوحيد الَّذي تجتمع فيه مسألة ثقافة الرّسالة ووعيها وحركيّتها وجهادها، فقد ربّاه رسول الله(ص) وهو في طفولته الأولى، وكان يلقي إليه كلّ يوم خلقاً من أخلاقه، وكان يأمره بالاقتداء به. وعندما بعث الله رسوله بالإسلام، كان عليّ(ع) أوَّل من أسلم، وأوَّل من صلّى، وهو القائل: “لم يسبقني بالصَّلاة إلا رسول الله(ص)(1) “، وكان يعيش مع رسول الله(ص) ليل نهار، ويعرف القرآن كلَّه؛ متى نزلت كلّ آية منه، وأين نزلت، في سهلٍ أو في جبل، وما هي امتداداتها، وما هي خلفيّاتها، وما هي آفاقها، حتى قال(ع): “علّمني رسول الله(ص) ألف بابٍ من العلم، ففتح كلّ باب ألف باب”(2)، حتى إنَّه جاء عن رسول الله(ص) مما رواه المؤالف والمخالف: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها(3)، وهو الَّذي قال فيه الرّسول(ع):”عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار”(4)، وهو الَّذي قال له: “أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي”(5)، لذا، فإنَّ الشَّخص الوحيد المؤهَّل لأنْ يحمل الرّسالة ويقود مسيرتها، هو الإمام عليّ(ع)
نحن لا نتحدَّث عن عصبيَّة، ولكن عن حساب. وفي كلمة أحد علماء اللّغة العربيَّة، وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي: “قيل له: لمَ قدّمت عليّاً على غيره؟ قال: احتياج الكلّ إليه، واستغناؤه عن الكلّ، دليل على أنّه إمام الكلّ”؛ هو الشَّخص الَّذي احتاجه كلّ المجتمع، فهذا عمر يقول: “لولا عليّ لهلك عمر”(6)، وقوله: “قضيّة ولا أبا حسن لها”(7)، لذلك، هو المؤهَّل لأنْ يكون الامتداد الرّساليّ في الدّعوة، والحركة، والتّوعية، والعطاء الرّساليّ بعد رسول الله(ص).
أما الإدارة، فنحن عندما نقرأ الإمام عليّاً(ع) في (نهج البلاغة)، ونقرأ عهده لمالك الأشتر، ورسائله إلى ولاته، نجد أنَّه يتحدَّث عن الإدارة في تكوين الدّولة، وكيفيّة إدارتها، بما لا يزال الإداريّون يدرسون كلماته في هذا المجال. لذلك، ليس هناك في المسلمين شخص يملك العلم كلّه، ويملك الإدارة كلّها، غير الإمام عليّ(ع)، ولذلك، فعندما ندرك أنَّ النبيَّ(ص) لم يستطع ـ بحسب الظروف الموضوعيّة ـ أن يبلغ كلَّ شيء بشكل تفصيليّ، إذ إنَّ قريش شغلته بالحروب، نعرف أنَّ الإسلام كان بحاجةٍ إلى هذا الامتداد الرّساليّ الثقافيّ التوعويّ الروحيّ، وليس هناك في المسلمين آنذاك من يملك ما يملكه عليّ(ع). لذلك، نقول: هو الأولى بالخلافة، بعيداً عن كلّ العصبيّات، وعن كلّ الطائفيّات والمذهبيّات.
ولذلك، كانت مشكلة الإمام عليّ(ع) في حكمه وقبل حكمه، هو أنه كان يتحسَّس مسؤوليّته عن الإسلام وهو خارج الخلافة، ومسؤوليّته عن الإسلام وهو داخلها، لأنّه كان يتطلَّع إلى رسول الله كما لو كان هنا، كيف كان يفعل، وكان يفعل ما يفعله. كان الإمام عليّ(ع) صورةً عن رسول الله(ص)، ولذلك، لا يملك عليّ(ع) أن ينحرف ليحافظ على الكرسيّ، ولا يملك عليّ(ع) أن يجور أو يظلم.
والسّلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّاً.