الضرائب الجمركية لترامب تعطي نتائج عكسية لاميركا
الحكمة – متابعة: تمر الدولة الاميركية في الوقت الحاضر بمرحلة حرجة جداً، إذ ان الادارة الجديدة للرئيس الحالي دونالد ترامب تقلب رأساً على عقب سياسة الانفتاح التام التي كانت تنتهجها اميركا حتى الان، وترفع بدلاً عنها شعار “اميركا اولا”.
بدأ ذلك يتجلى بشكل خاص في العلاقات التجارية للولايات المتحدة الاميركية، اذ بدلا من سياسة “الابواب المفتوحة” والتجارة الدولية الحرة، بدأت ادارة ترامب تطبق السياسة الانطوائية القائمة على مبدأ “الحمائية الجمركية” للاسواق الاميركية، لتحصيل عشرات مليارات الدولارات من الشركاء التجاريين، وبهدف استراتيجي أبعد هو تشجيع الإنتاج الاميركي كي يعود لاحتلال مكانة أكبر في الدورة الاقتصادية الاميركية.
وتقوم الادارة الاميركية الحالية بهذه النقلة النوعية او الانقلاب النوعي في سياستها التجارية والاقتصادية الخارجية، بدون التشاور المسبق مع شركائها التجاريين الخارجيين مما يتعارض مع الأسس والأعراف التي تقرها منظمة التجارة الدولية. وتعقب على ذلك مديرة صندوق النقد الدولي،”كريستين لاغارد”، بالتحذير من أن السياسة التجارية لإدارة ترامب سوف تسيء إلى الاقتصاد الاميركي، وسوف تقوض النظام التجاري العالمي. وهي تقول أن الحرب التجارية المحتملة سوف تؤدي إلى الخسائر لمختلف الأطراف، ويمكن أن يكون لها “تأثير جدي” على الاقتصاد العالمي بمجمله.
وتضيف أن البيت الابيض الذي يهدد ايضاً بالانسحاب من التفاهم الاميركي الشمالي للتجارة الحرة (NAFTA)، سوف يزيد القلق من المفاعيل الجانبية على التجارة الحرة.
ولكن كيف تنعكس هذه السياسة الجديدة على التجارة والاقتصاد الاميركيين؟
يقول بعض الخبراء أن منتجي التكنولوجيا والشركات النفطية سيكونوا من أكثر المتضررين من الخلاف التجاري بين واشنطن وبكين. وتدهور العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الاميركية سوف يسيء الى المنتجين الصناعيين، والمزارعين والمستهلكين الاميركيين. فبعد ان دعم “البيزنس” لعدة شهور اقتصادات الشركات، فإنه سيتأثر بشدة بالحرب التجارية المحتملة مع الصين. والقطاعات التي ستتحمل أكبر قدر من الخسائر هي صناعة التكنولوجيات، النفط الخام، وصناعة الطائرات.
وقد حذرت اثنتان من مجموعات الضغط (اللوبي) الاميركية، وهما غرفة التجارة الاميركية وBusiness Roundtable، ـ حذرتا من أن العقوبات المتبادلة بين الدولتين سوف تنعكس سلبا على “البيزنس” في اميركا. وصرحت المنظمتان امام Financial Times ان الضرائب الجمركية ليست الوسيلة الصحيحة لمواجهة “الاجراءات التجارية التمييزية” من قبل الصين.
وكان دونالد ترامب قد أعلن عن فرض ضرائب جمركية بقيمة 50 مليار دولار على السلع الصينية المستوردة إلى اميركا. وردت الصين على الفور بفرض ضريبة بنسبة 25% على 659 سلعة اميركية بذات المبلغ.
وتشير بعض الابحاث المستقلة ان عددا متناقصا من فعاليات “البيزنس” يؤيد السياسة الحمائية لترامب وشعاره “اميركا اولا”.
وقد انخفض نقطتين مؤشر اوضاع “البيزنس” Morgan Stanley، بالمقارنة مع شهر أيار/ مايو الفائت.
كما أجرت مجموعة Business Roundtable بحثا حول الامكانيات الاقتصادية، سجل أول انخفاض منذ سنتين الى اليوم في الثلاثة اشهر الثانية من السنة الجارية بـ 7.5 نقاط بالمقارنة مع الثلاثة اشهر الاولى. وبالاضافة الى ذلك فإن 40% من مدراء الشركات، الذين اشركتهم جمعية المحاسبين (AICPA) في بحثها يعتبرون ان الضرائب الجمركية سوف تضر بـ”البيزنس”.
وكان ترامب قد خفض في شهر كانون الاول/ ديسمبر من العام الفائت الضرائب على الشركات، مما زاد في أرباحها وقدمت دفعة إلى الامام للاقتصاد الاميركي. ولكن الحرب التجارية مع الصين سوف تمحو التفاؤل باحتمالات نمو الاقتصاد الاميركي، كما يعتقد المحللون الاقتصاديون. وحتى رئيس جمعية المصنعين الدوليين للسيارات، “جون بوزيلا”، الذي يرى ان هناك سببا لدى دونالد ترامب كي يريد ادخال تغيير في العلاقات التجارية مع الصين، يرى انه “لا احد سيربح من الحرب التجارية”.
وقد كتبت وكالة Reuters أنه من أوائل المتضررين من القطاعات الاميركية سيكون بيزنس النفط الخام. ففي السنتين الاخيرتين ارتفع استيراد الصين للنفط الاميركي بشكل ملحوظ، ووصل إلى مبلغ 1 مليار دولار شهريا. ولكن تطبيق الضرائب الجمركية على السلع الاميركية سوف يرفع سعر النفط الاميركي في السوق الصينية مما يقلل إمكانيات استيراده وستتقدم عليه الواردات من الشرق الاوسط وروسيا.
وخلال الاسبوع الماضي فإن إسهم الشركات النفطية العملاقة Exxon، Mobil، وChevron، هبطت بنسبة 1-2%، وهبط سعر النفط الخام حوالى 5%. ويقول “ستيفان إنس”، المحلل في شركة وسطاء البورصة OANDA “ان احتدام الحرب التجارية يشكل خطرا على اسعار النفط”.
وفي السنة ونصف السنة الماضية عمدت دول الاوبك وروسيا الى تخفيض انتاجها من النفط، مما ادى الى زيادة اسعاره. فاذا توقفت الصين عن استيراد النفط الاميركي، فهذا سيزيد فرص المنتجين الكبار الاخرين لدخول السوق. وفي الاسبوع الماضي اعلنت السعودية وروسيا انهما ستزيدان صادراتهما.
ويقول جون دريسكول، مدير شركة الاستشارات JTD Energy Services “ان سياسات ترامب تجعلنا في وضع ايقاف التحالفات. والصين لن تبتلع بسهولة الضرائب الجمركية لاميركا”. وحسب رأيه فإن المنتصر الاكبر سيكون كارتل بلدان الاوبك وروسيا، والارجح ان ترتفع اسعار النفط الخام.
كما ان تخفيض استيراد النفط الاميركي يمكن ان ينعكس على مبيعات النفط الايراني، وهو ما تحاول واشنطن تخفيضه بعد ان صدقت على عقوبات جديدة ضد إيران في شهر ايار/ مايو الماضي.
“ان الصين لا تخشى العقوبات الاميركية، ولهذا فهي في الأزمة الحالية يمكن ان تستبدل النفط الاميركي بالنفط الايراني، مما سيغضب ترامب” كما يقول “دريسكول”.
هذا وتتناول الصحافة الاميركية الانعكاسات السلبية للسياسة الانطوائية الحالية لترامب على العديد من القطاعات الاقتصادية الاميركية. كما تتناول تدهور العلاقات التجارية مع اقرب حلفاء اميركا كالاتحاد الاوروبي وكندا. مما يجعل هذه السياسة الانطوائية معرضة للفشل مثلما فشلت سياسة التوسع السابقة. وليس لدى اميركا بديل آخر، سوى الاختيار بين سياستين فاشلتين او… الانفجار!
شفقنا