صوت المرجعية الدينية والأذن غير الصاغية ..
الحكمة – متابعة: التظاهر تعبير عن الرأي واحتجاج جماعي ومشاركة سياسية وحق يكفله الدستور ..المطالب الشعبية مشروعة.
لماذا انطلقت التظاهرات بهذا التوقيت؟ من يقف وراءها؟ المندسيون، اعمال التخريب، قمع المتظاهرين، وعود بتلبية المطالب، عشرة الاف درجة وظيفية..ان كانت الحكومة قادرة على تلبية المطالب الان فلم الحرمان قبل الان..وتغريدات كثيرة داخل وخارج السرب.
وحول هذا الموضوع احببت ان اغرد ايضا لكن لا اعرف -حقيقة- اين السرب واين انا منه لأعرف اني اغرد معه او خارجا عنه.
خطوط عامة
التظاهر حق دستوري ومقتضياته موجودة ومطالب المتظاهرين مشروعة.
التخريب للممتلكات العامة والاعتداء على القوات الحكومية مرفوض.
قمع التظاهرات واستعمال القوة المفرطة والتبرير بوجود المندسين مرفوض.
المتظاهرون: هم اصحاب المطالب المشروعة بالوسائل السلمية المشروعة وفيهم غير المنضبطين وبينهم اصحاب الاغراض الخاصة والمعبر عنهم بالمندسين ويمكن ان يكونوا بين افراد القوات الحكومية ايضا، كما يندرج مع اصحاب الاغراض الخاصة الاعلام الملون وارادات داخلية وخارجية مختلفة
واقعنا المأساوي
بغض النظر عن توقيت التظاهرات واصناف القائمين بها وفرضيات من يقف ورائها واراء المؤيدين، المعارضين، المتفرجين، الشامتين، المتشفين.
بغض النظر عن ذلك كله ..لنرى واقعنا وما نحن فيه من مأساة بلغة “نحنو” الا يستدعي ما نحن فيه من واقع مأساوي ثورة او انتفاضة فضلا عن تظاهرة هي ادنى درجات التعبير عن الرفض لذلك الواقع؟
قبل عدت سنوات تم تحذير الساسة من النقمة الشعبية فهل كان حلم الشعب او صبره -غير الجميل- سببا في جرأة الساسة للتمادي والاستمرار على النهج نفسه في ادارة الدولة؟
ولنرى واقعنا المأساوي.. ما هو؟ الماء، الكهرباء، الخدمات الصحية، غيرها، فرص العمل..؟
في الواقع ان واقعنا المأساوي هو جهلنا -اعني نفسي ومن مثلي لئلا يغتاض من لم يجهل- بواقعنا وتمادي من استجهلنا بنظام حكم غلافه ديمقراطي يفترض ان يكون باطنه فيه الرحمة ولكن في الواقع كان ظاهره من قبله العذاب.
“أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا”
لنترك توزيع الاتهامات ومن يقف وراء التظاهرات والمندسين..لنترك اسباب الانحدار الذي اوصلتنا اليه احزابنا الاسلامية: محاصصاتها، صراعاتها، ولاءاتها، تنافسها غير المشروع، فشلها في ادارة البلد، نجاحها بإستأثارها بالمال العام..لنترك دور دول الجوار ومخابرات اقل الدول شأنا وتدخلاتها في البلد.. لنترك كل ذلك جانبا فكله واقع مفروض نحن احد عناصر معادلات فرضه.
واقعنا فيه محور علة لا بد من علاجها، ولا ادعي المعرفة لكن “أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ*يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا..”.
في احدى المناقشات المزعجة حول مسألة الانتخابات قال احد اصحابنا من ابناء التيار الصدري -موجها كلامه لبعض المفسرين لبيان مكتب سماحة السيد المرجع حول مسألة الانتخابات- قال: “مشكلتكم انكم مقلدون ولا تتابعون بيانات مرجعكم ولا تفهمون كلامه وتحاولون تفسيره بما تهوى انفسكم، بالنسبة لي فالبيان واضح رغم اني لست مقلدا، لكني وجدت ان هذا الرجل منصف وبيانه عين الصواب فما لكم كيف تحكمون”.
وقال ايضا: “نحن نحترم كلام السيد -السيستاني- لا بصفته الشخصية، بل لانه يمثل مقام المرجعية الدينية العليا الان”.
وحقيقة ادهشني مثل هذا الكلام.. لصدوره من مثل صاحبي، وبطبيعة الحال ليس الكل معتقد بذلك سواء المقلدون او غيرهم.
اذن لنلتفت قليلا ونتابع قليلا ونتجرد قليلا ولننصف انفسنا قليلا.. لنستفت السيد الصِّدِّيقُ.. لنلتفت الى كلام المرجعية الدينية حول عموم الموضوع في هذه الخلاصة الطويلة الاتية، مع ملاحظة ان ما بين المقتبسين هو من بيانات المرجعية على لسان ممثلها في خطب الجمعة.
خارطة الطريق
ان المرجعية الدينية رسمت خارطة الطريق الى: “مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا”، عبر سعيها “منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد”، مع تأكيدها على ضرورة “تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت اي ذريعة او عنوان”، وبينت انه “من الواضح ان المسار الانتخابي لايؤدي الى نتائج مرضية الا مع توفر عدة شروط، منها:
أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها.
أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الاعلامية.
أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك.
وعي الناخبين لقيمة اصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين ازاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف او رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية او نحوها”.
واشارت الى ان “من المؤكد ان الاخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية ـ من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا او تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في اداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه – لم تكن الا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ عند اجراء تلك الانتخابات، وهو ما يلاحظ ـ بصورة او بأخرى ـ في الانتخابات الحالية أيضاً”.
مع اشاراتها السابقة وتحذيراتها المستمرة للحكومة ومجلس النواب ففي بيان لها بعد انتخابات الدورة الاولى لمجلس النواب – عام 2006 ذكرت ان “من المهام الاخرى للحكومة المقبلة التي تحظى بأهمية بالغة مكافحة الفساد الاداري المستشري في معظم مؤسسات الدولة بدرجة تنذر بخطر جسيم، فلابد من وضع آليات عملية للقضاء على هذا الداء العُضال وملاحقة المفسدين قضائياً أياً كانوا”.
الانذار
الفساد الاداري في مؤسسات الدولة وصل الى درجة تنذر بخطر جسيم.. خطر جسيم.. جسيم .كان ذلك عام 2006 فكيف هو الخطر الان؟!
المطلوب: وضع اليات عملية للقضاء على هذا الداء العضال..كان ذلك عام 2006 فكيف اصبح هذا الداء العضال الان؟!
وبيان اخر عام 2011 حول التظاهرات انذاك: ذكرت انها “اذ تقدر اداء المواطنين الاعزاء ممن شاركوا في مظاهرات يوم امس بصورة سلمية وحضارية..”، وانها “تدعو مجلس النواب والحكومة العراقية الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولا سيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة، وقبل هذا وذاك اتخاذ قرارات حاسمة بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي مُنحت للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم، والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنوياً مبالغ طائلة من اموال هذا الشعب المظلوم والغاء ما يوجد منها حالياً”.
وطالما اكدت على المسؤولين “ضرورة العمل على تحقيق مطالب الشعب المشروعة تحذر من مغبة الاستمرار على النهج الحالي في ادارة الدولة مما يمكن ان ينجم عن عدم الاسراع في وضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلا”.
الانذار
تحذر من مغبة الاستمرار على النهج الحالي في ادارة الدولة..كان ذلك عام 2011 فكيف هو الان؟!
المطلوب: الاسراع في وضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلا.. صبروا عليها طويلا..صبروا..وايضا كان ذلك عام 2011 فكيف يكون الصبر الان؟!
اذن فالشروط اللازمة لنجاح المسار في الانتخابات لم تتوفر والمخاطر الجسيمة التي حذرت منها المرجعية لم تتدارك ومغبة الاستمرار على النهج نفسه في ادارة لم يرعو عنه المسؤولين، فالخطر الان اكبر جسامة والداء العضال اكثر ضخامة.
الامل معقود
ولكن المرجعية الدينية بشرت بأنه “يبقى الامل قائماً بإمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من ابناء هذا البلد واستخدام سائر الاساليب القانونية المتاحة لذلك”.
المطلوب: تصحيح مسار الحكم واصلاح مؤسسات الدولة.
بماذا: بتضافر جهود الغيارى من ابناء هذا البلد واستخدام سائر الاساليب القانونية المتاحة.
والتظاهرات الان هي من الاساليب القانونية المتاحة وهو المطلوب وهو القول الفصل، فلم التكلف يمينا وشمالا في القول بالتظاهرات.
من تسطيح وتسفيه واتهام وقمع..
فـ “ليس من الإنصاف بل ولا من المقبول أبداً ان تكون هذه المحافظة المعطاء من أكثر مناطق العراق بؤسا وحرمانا يعاني الكثير من أهلها شظف العيش وقلة الخدمات العامة وانتشار الأمراض والأوبة ولا يجد معظم الشباب فيها فرصاً للعمل بما يناسب امكاناتهم ومؤهلائتهم.. ان المسؤولين في الحكومتين المركزية والمحلية مطالبون بالتعامل بجدية وواقعية مع طلبات المواطنين والعمل على تحقيق ما يمكن تحقيقها منها بصورة عاجلة..كما ندعوا المواطنين ان لا تبلغ بهم النقمة من سوء الأوضاع أتباع اساليب غير سلمية وحضارية في التعبير عن احتجاجاتهم وان لا يسمحوا للبعض من غير المنضبطين أو ذوي الاغراض الخاصة في التعدي على مؤسسات الدولة والاموال العامة..”.
من جميع ذلك الا نستدل على تأييد المرجعية للتظاهر بل على حثها عليه -كما احتمل- ولكنها تريد ان يكون ذلك نابعا من الشعب ذاته.
ان جميع ماتقدم كان مقدمة طويلة لكلمة قصيرة لا ادري ان كانت “تغريدة” داخل او خارج السرب : عبرت المرجعية بلسان ممثلها في خطب الجمعة بعبارات مؤلمة :
“لقد بحت اصواتنا”؛ “لا نجد اذنا صاغية”
يا ترى هل بح صوت المرجعية مع الحكومة ومجلس النواب فقط؟ ام مع الشعب ايضا؟ ويا ترى هل لم تجد المرجعية اذنا صاغية من الحكومة ومجلس النواب فقط؟ ام من الشعب ايضا؟
هل كانت التظاهرات الاخيرة استجابة لنصائح المرجعية الدينية؟
لا اعتقد.. هل سلمت المرجعية الدينية من بعض الهتافات الوقحة، ومن بعض الانتقادات الظالمة ومن القاء اللوم؟
كلا..هل في التظاهرات القائمة ماعقدت به الامال من تصحيح مسار الحكم واصلاح مؤسسات الدولة؟ ام اقتصرت على مطالب جزئية شخصية ذات طابع عام لعموم المبتلين بها؟!
لقد رأت المرجعية الدينية انه لامناص من مسار الانتخابات لانه الامثل -بشروطه- وهو البديل لتفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي.
وتضامنت مع التظاهرات على علاتها املا في التغيير -كما احتمل لا احمل- لمسار الحكم والذي من اولوياته تغيير النظام الانتخابي الظالم وهو محور ما نعانيه وهو عين مأساتنا.
الـمنية: “وما نيل المطالب بالتمني”
ان تكون للشعب اذن واعية يستمع فيها لنصائح المرجعية الدينية وتكون انتفاضته استجابة لصوتها المبحوح وان تتعلق مطالبه بالمصالح العليا للبلد.
واظنني متفائل.. جدا..وقلق.. جدا!
عادل الموسوي