لم يعد ممكنا تجاهل اسئلة الشباب المسلم العقدية والتي أفرزها الواقع المتغير، فجعلتهم حيارى في التفريق بين العبادة والعادة، بين الثابت الإسلامي والمتغير التاريخي والاجتماعي. فبارتفاع منسوب الوعي والتعليم عند الجيل الصاعد توسعت لديه آفاق النقاش والتساؤل ولم يعد بالإمكان إخراسه حيث حرية البحث والتعبير أصبحت جزءًا من مكتسباته الحقوقية والحضارية.
أسئلة من قبيل ما هو الدين وما هي أصوله الثابتة زمانيًّا ومكانيًّا وما هو المتغير والقابل للتطور فيه؟
في اعتقادي أن الدين اصطلاحًا حسب تصور الموحدين هو مجموع التعاليم الإلهية المأمور باتباعها. ولأن هذه التعاليم أنزلت على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل أربعة عشر قرناً، ونظراً للبعد الزماني وتطور الحياة الإنسانية وتنوع أفهام الناس، تحتم على علماء الدين أن يضعوا ضوابط وقواعد بها يحددوا الصحيح منها من المدسوس. وبسبب تعدد قراءات الفقهاء للنصوص المقدسة ظهرت كثير من الإشكالات والتناقضات في الفتاوى، وكمثال: وجوب أداء صلاة الجمعة من عدمه في عصر الغيبة عند الشيعة الإمامية، وكجدلية العلاقة بين الدين والسلطة عند عموم المسلمين. من هنا يتبين أن أفهام العلماء للدين متغيرة لأن عملية الفهم بشرية ومن لوازم بشرية الفهم التغير!
و زاد من حدة الاختلاف في القراءات بين علماء المسلمين الاعتقاد بأن الحق مع جهة معينة والمعبر عنه «بالفرقة الناجية» كما في الأثر المروي، وأدى ذلك إلى بروز حالة التفسيق والتبديع والتكفير بين المسلمين، بل وبين أتباع المذهب الواحد، حتى بات المسلم العادي عاجزًا عن التفريق بين ما هو أصل للدين والعابر للزمان والمكان ،وبين ما هو نتاج العادات والثقافات والمتغيرات الحياتية.
في رأيي فإن أحد أسباب تباين آراء بعض علماء المسلمين هو خلطهم بين الثابت القطعي المسلَّم به المطابق للقيم العليا والمساير للسنن الكونية، وبين المتغير من الأحكام والقابل للرد والنقاش، ولنأخذ على سبيل المثال النزاع الحاصل حول بعض الشعائر الحسينية كالتطبير. فبعض العلماء يحسبه فولكلوراً شعبياً يندرج في إطار ثقافي محدد، بينما علماء آخرون يجعلونه سنة حسنة يُثاب عليها المرء. هذا الحال يجعل المسلم العادي في حالة التباس تخيّره بين أن ينغمس في هذا النزاع أو يختار لنفسه طريقاً آخر قد يبتعد فيه عن الدين ككل.
نحن كمسلمين بحاجة ماسة إلى أن نراجع قراءات العلماء السابقين عن طريق تدبر آي القرآن، وابتكار قواعد وضوابط جديدة تنجينا من حالة الجمود الفكري الحالي، فبعض علماء المسلمين المعاصرين للأسف لا يملكون مخزونًا معرفيًّا كافيًا كي يواجهوا المتغيرات المعاصرة، والتي تتطلب إلمامًا ولو بسيطًا بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والفلسفة، مما وسّع الهوة بينهم وبين الجيل الشاب المتسلح بجميع أنواع المعارف الذي يعي تمامًا أن مُنزلَ القرآن الكريم هو واضعُ سنن الطبيعة، ولا يمكن للاثنين أن يختلفا أبدًا.