هل تدعم إيران المغاربة الشيعة؟
التشيع المغربي ظاهرة قديمة قدم التواجد الإسلامي في شمال إفريقيا. يمتاز التشيع المغربي بالأصالة والبساطة والانتشار الواسع والتغلغل السوسيوثقافي والاستقلال عن السياسة. وكما أن في كل دين مذهب وفي كل مذهب تيارات وفي كل تيار انشقاقات فإنه من الطبيعي أن يكون للتشيع المغربي ألوان مختلفة.
لكن يبقى أساس هذا التشيع هو تفضيل أهل البيت على العالمين وفيهم الأنبياء والملائكة ومحورية فاطمة الزهراء في العقيدة الشيء الذي يعتبر في التسنن العام (باستثناء أهل الصوفية وبعض الآراء الهامشية) رفضاً وغلواً. ولقد حرص عدد من خطباء السلفية بالمغرب ومسؤوليه بتأثير من السعودية أن يظهروا التشيع المغربي بمظهر الانتساب لإيران من أجل ادخالهم خانة ولاية الفقيه، لكي يتم النظر اليهم كخلايا مرتزقة نائمة تسبح بحمد القائد في إيران وعلى استعداد لتنفيذ فتاويه. وهذا التوصيف الخطير يخدم السعودية التي انفقت على العلن أموالاً لنشر الفكر السلفي، والتي تعنى بالتأثير على دول المنطقة من خلال الجماعات السلفية والجهادية الثابت تحريكها لها عند تعارض المصالح . وساحة تونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق خير دليل على ذلك . هناك جملة من الأحداث التي تثبت عدم ارتباط التشيع المغربي لا من قريب ولا من بعيد بإيران.
إيران الدولة التي كانت ولا زالت ترى أن مصلحتها القومية هي في التعاطي مع النظام المغربي وليس أفراد أو جماعات هنا وهناك في المغرب. ومن خلال بعض النماذج الآتي ذكرها، سنحاول اختبار حقيقة القول بدعم النظام الايراني للشيعة المغاربة. نماذج عملت على متابعة تطورها خلال السنوات القليلة الماضية.
نشر موقع مرايا بريس الإخباري المغربي يوم 13 أبريل 2010 خبر محاولة اختطاف المدون المغربي والناشط الشيعي يوسف العاملي .
وأفاد أن رجال الأمن بمدينة صفرو قاموا بمحاولة إدخال العاملي بالقوة في سيارة تابعة لهم حيث انتهت المحاولة بالفشل في ظل الارتباك الذي ساد في الموقع . ومدونة العاملي التي تحمل اسم “العرفان والانتظار” تحمل أدبيات مؤيدة لولاية الفقيه. ولم يتم تسجيل أي أثر لهذا الخبر في المواقع الإيرانية حتى الشبه الرسمية ناهيك عن المواقع والوكالات الرسمية التي لا تتوانى في نشر أخبار أحياناً تكون أقل أهميةً وأضعف سنداً إذا ما تعلق الأمر بمواطنين من البحرين أو السعودية مثلاً، حتى إن لم يكونوا شيعة. فتجد في موقع قناة العالم وحده أكثر من ستين موضوعًا متعلقًا فقط بالفقر في السعودية تحت التسمية المشفرة برقم 7219. فلا يخفى على المنصف أن نشر موضوع حول سعودية تبيع الثعابين من أجل لقمة العيش أو خبر احالة سعوديين للتحقيق بعد نشرهما فيديو عن الفقر هي من الأشياء التي لا تضاهي في الأهمية خبر محاولة اختطاف ناشط شيعي متعاطف مع القضايا الإيرانية، خاصةً إذا جاء ذلك بعد قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران. وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على عدم اهتمام الإعلام الإيراني بقضايا الشيعة المغاربة وكذا عدم استعمال إيران للورقة الدينية في تعاطيها مع الدولة المغربية.
بعد تعرض مسجد الإمام الرضا الشيعي في بروكسل إلى هجوم بالمولوتوف أدى إلى اغتيال إمامه الشيخ المغربي عبد الله الدهدوه، نشرت جريدة لوسوار البليجكية على لسان الصحفي ريكاردو غوتيريز .
في افتتاحة 14 مارس 2012 اتهامات للمغرب باستعمال أئمته في التحريض على العنف ضد الشيعة. وأخذت هذه القضية اهتماما واسعاً لدى مختلف وسائل الإعلام ومنها المغربية أهمها المغرب تيفي حيث تمت استضافة الصحفي المذكور للإلمام بالجوانب المتعلقة بالموضوع. ولم يلاحظ في الإعلام الإيراني سوى تغطية سطحية انصب اهتمامها على إدانة الجريمة واستثمارها لأجل الوحدة الإسلامية ونبذ التطرف. ولم تسجل برامج خاصة أو لقطات برومو تلفزية إيرانية تحمل أي دلالات سياسية غير أخبار تشييع جنازة الشيخ الدهدوه التي يمكن وصفها بالخجولة. فلو كانت إيران تريد استثمار مكنتها الإعلامية الضخمة لاستعمال شيعة المغرب كورقة كما يزعم بعض الصحفيين والكتاب وأئمة المساجد من أتباع نظرية المؤامرة والمتاجرين في الدين بالمغرب، لما تخلت عن ذريعة وجود صحفي بلجيكي يتهم المغرب بالتحريض ولكان له جولات مع البرامج الإذاعية والتلفزية. لكن التغطية الإيرانية الخجولة لملف عبد الله الدهدوه تثبت انزواء إيران عن استغلال المواضيع الدينية في سياستها المغربية.
أصدرت منظمة شيعة راتس ووتش بياناً في الرابع من أكتوبر 2013 حول قيام متطرفين سلفية في جنوب المغرب بتهديد المواطنين المعروفين بتشيعهم استنادًا إلى مصادرها الخاصة، وقامت نفس المنظمة .
في السادس من ديسمبر 2013 بإدانة تفشي معاداة التشيع في المغرب الذي تناقلته مختلف وسائل الإعلام ، والذي جسدته تصريحات البرلمانيين المغاربة من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية. هذا إضافة إلى التحريضات ضد الشيعة الموثقة صوتاً وصورةً لخطباء تابعين للدولة أو يستعملون أماكن العبادة للتحريض مثل الشيخ نهاري والمعتوق والزمزمي والجردي والتليدي وبوخبزة وغيرهم. المنظمة الحقوقية وصفت الحملة بـ”العنصرية”. كل هذا ولم تقم أي وسيلة ايرانية رسمية أو شبه رسمية بتبني هذا الموضوع الحقوقي.
هناك عدد من الأحداث التي ملأت الصحف المحلية المغربية والدولية والمواقع الإلكترونية المختلفة تتعلق بالمغاربة الشيعة ووضعهم الحقوقي لم تجد محلها لدى الإعلام الإيراني أو المنظمات الثقافية ناهيك عن أن تجد لها مكاناً لدى الساسة. فإضافةً إلى المفصل أعلاه يمكن أن نضيف بعض العناوين الأخرى لمن أراد الإستغراق في البحث ومنها:
– رفض الترخيص لجمعية رساليون تقدميون بسبب وجود بعض الشيعة فيها.
– الهجوم البلطجي على المفكر المغربي الشيعي إدريس هاني خاصةً خلال مظاهرة لدعم سوريا.
– طرد الشرطي لمام الغرابي من وظيفته على خلفية اعتناق المذهب الشيعي.
– إحياء فتوى المجلس العلمي المغربي بتكفير من يقول بأفضلية أهل البيت في وسائل الإعلام المحلية.
– تحريض وزارة الأوقاف لأئمة مساجدها في أوروبا بمحاصرة الشيعة المغاربة (نموذج مؤسسة الإمام مالك بالدنمارك). وهناك أحداث كثيرة أخرى أقل أهمية نعرض عنها لأجل الاختصار.
إن مثل هذه المواضيع تشكل ورقة ضغط قوية لو أرادت إيران أن توظفها في سياستها تجاه المغرب. لكن لا يوجد استثمار لأي من هذه المواضيع من طرف الساسة الإيرانيين ما يؤدي بنا إلى الجزم بعدم وجود أي علاقة بين إيران والمغاربة الشيعة. وإذا ما نظرنا بعين التأمل في آخر لائحة للجمعيات المغربية المستفيدة من الدعم الخارجي إلى حدود 2009 (قطع العلاقات مع إيران)، فإننا نجد أمراء خليجيين وسفارات ومنظمات حكومية وغير حكومية غربية، إضافة إلى منظمات كانت على لائحة الإرهاب الدولي حينها، مثل هيئة الإغاثة الإسلامية. ولا توجد أي جمعية مستفيدة في المغرب أو داعمة من خارج المغرب لها أي علاقة بإيران. فيتعين على الدولة في المغرب من الآن فصاعدًا الارتقاء إلى دولة ناضجة والتصدي لمثيري الكراهية بين المواطنين وعدم الانسياق وراء دول خليجية تتبنى سياسات القرون الوسطى وتعيش من لحوم الشيعة والتشيع.
يتعين على الدولة المغربية التصالح مع ذاتها لأن التشيع المغربي يعتبر مكوناً “سوسيوثقافياً” لا يمكن محاربته ولا محاصرته ولا نسبته إلى الخارج.
ياسر الحراق الحسني