أهل السنة والجماعة
تعبير «أهل السنة والجماعة» هو توصيف قديم وينسبه البعض إلى عبدالله بن عباس في القرن الثاني الهجري، ولكنه عبر التاريخ ومع تشظي وتعدد المذاهب الفقهية والتأويلات للنصوص، بات يتضمن حمولة مذهبية ثقيلة لاسيما بعد أن أصبح توصيفا تلوذ به التيارات السلفية كهوية مقاومة ضد المختلف الذي لا يتطابق مع فتاواها ومقاربتها للنصوص.
فالجماعة عندما تطوق نفسها بهوية خاصة وإطار فكري لاتحيد عنه، فهي عندها ترسم حدود مملكتها الفكرية التي لا تختلف عن الآخر فقط بل أيضا تناهضه وتجرمه وهنا بما أننا في نطاق ديني «فهي أيضا تكفره».
وفي وقتنا الحاضر استجلب توصيف «أهل السنة والجماعة» من المدونة التاريخية بكثافة وأدرج في الخطاب الديني المسيس حولنا ليتحول إلى أحد أدوات النزال الطائفي المحتدم في المنطقة ووقودًا لتأجيج مرجل المذهبية.
وبات من يطلقون على أنفسهم «أهل السنة والجماعة» يتصدرون المشهد على أنهم «هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة» ولا أعلم من الذي أطلعهم على الغيب؟ ومرر لهم صك النجاة؟
على المستوى الإعلامي أصبح هذا المصطلح يتكرر بكثافة مع حرب نهر البارد في لبنان، ولعلنا لن نستغرب هذا أو نستنكره فلبنان يعاني مأزق هوية كبير، والتصنيفات والهويات هناك تباع على الأرصفة، فهي وحدها التي تخدم أمراء الحرب وأباطرة الطائفية، وهي الذريعة التي تعطيهم مسوغ لوجودهم وتسليحهم، وتحويل هذا البلد الصغير الجميل إلى ثكنة مليشيات وتجار أسلحة.
ولكن السؤال المفارقة هنا: – ما الذي أوصل مصطلح «أهل السنة والجماعة» المبني على الفرز الطائفي إلى مناهجنا وتحديدا في كتاب التوحيد للصف السادس الابتدائي؟؟ فمن بين ثلاثة أبواب داخل كتاب ابنتي في مادة التوحيد «يحتل مبحث أهل السنة والجماعة» بابين كاملين أي ثلثي الكتاب.
وكان من الممكن أن نسبق حسن الظن لولا أن مناهجنا تصر على أن تقول دوما…. خذوني.
فناهينا عن أن الكثير من التربويين يشيرون إلى أن الأمور العقدية يجب أن تدرس للطالب في مراحل نضج فكري متقدمة من حياته وليس في المرحلة الابتدائية، بينما يكتفى بالمراحل العمرية المبكرة بفقه العبادات وكيفية تحويل الدين إلى ممارسة يومية، لا تكذب، لا تسرق، حافظ على فرائضك، احترم جارك، كيف تكون مسلمًا نبيلا.
ولكن ليس هذا موضوعنا لأن مادة التوحيد تدرس للأطفال وأيضا تدرس فق منهج مضمر ومؤدلج وخاضع لأجندة ذات أهداف لاوطنية: –
لم أدرس أنا هذا المصطلح ولم يمر علي ولم يحتل ثلثي كتاب التوحيد الذي كنت أدرسه، إذا هو أمر طارئ «مع تحياتي للجان التطوير في وزارة التربية والتعليم».
2 – وبما أنه أمر طاريء إذا هو مستل من أجندات فكرية وسياسية محدثة ومتأثرة بالاحتراب والتنابز الطائفي المرحلي.
3 في مملكتنا الحمد لله نمتلك ثراء مذهبيًّا وتعددًا طائفيا يعكس اتساعها وعراقتها، لكن حينما تلغي هذه المناهج جميع ذلك التعدد المذهبي، وترفع سيف الأحادية والفرقة الناجية وتدرسه للطلبة، بشكل يطمس البقية نصنع من خلال هذا مواطنين بمراتب وامتيازات متفاوتة، وهو الأمر الذي يتقاطع مع شروط الدولة المدنية الحديثة التي يقف الجميع سواسية تحت سقفها وأمام قوانينها.
4 – منهج التوحيد للصف السادس الابتدائي هو أحد الأفخاخ التي تلغم بها مناهجنا كانت ومازالت، بحيث يتلقفها المعلم المؤدلج، يمرر به ما يشاء من طرح طائفي ومذهبي قد يكون ضد مذاهب مواطنين يشاركوننا الوطن.
يتلقفه المعلم وعبر المنهج الخفي يقطره قطرة فقطرة في العقول والأدمغة، ويجيش ويعد ويهيء الرؤوس، ويسن الرماح والسيوف ومن ثم فجأة تلطمنا الحقائق والمشاهد والمقاطع المصورة ولا ندري من صنع هذا؟ ولامن أين تسرب لنا؟ وكيف أصبح أبناؤنا عبوات مفخخة بالكراهية ضد أوطانهم في مواضع الفتن والتكفير مع قابلية كبرى للعنف والقتل والطمس؟
لماذا أبناؤنا دونا عن شعوب الأرض نجدهم دائما في مواقع الفتن والاحتراب؟
كيف يختطفون من حجور أمهاتهم وقاعات درسهم ويلقي بهم في خطوط النار وتستهدف رؤوسهم إما بغسيل الأدمغة، أو لتقطع وتصور في القدور.
على مشهد ومسمع من العالم؟
لا أعتقد بأنني أمتلك تفسيرًا لما يحدث.. لكن لعل في مناهجنا بعض من إجابة.
الكاتبة الحجازية : أميمة الخميس