أخطاء يحرم تصحيحها

207

27-4-2014-3-d

سامي جواد كاظم

هنالك عقائد وشخصيات مقدسة لايمكن التعرض لها بالانتقاد وهنالك دخلاء على المقدسات اكتسبت هذه الميزة بحرمة انتقادها وفي الوقت ذاته جعلت حتى الدراسة والنقاش انتقاد وتجاوز، وقدسية المقدس لابد من ان يكون وفق نص مقدس ( القرآن والسنة ) وخلاف ذلك فان اكتسابه القدسية تكون عرضة للنقاش للمعرفة وليس للهدم ، والمقدسات المشتركة من حق المشتركين في تقديسها دراستها ، اما الشخصية فإنها مقدسة شخصيا ولزاما على الآخرين احترامها اذا لم تتعارض مع مقدساتهم وإلا فالنقاش مشروع او عدم الالتقاء اذا تعصب كل فرد بما يقدس .
القرآن الكريم لا يقبل الجدل في صحته وإعجازه وعظمته وان الموجود بيد المسلمين هو بعينه الذي نزل على رسول الله (ص) وهو بعينه في زمن الخلفاء الراشدين والدولة الاموية والعباسية وإلى يومنا هذا ، فالحديث عن كل ما يمس اعجاز القرآن مرفوض، ولكن الذي يستحق وقفة هو الخط القرآني وليس القرآن بسوره وآياته وكلماته فهي هي كما هي من الله بوساطة الوحي إلى نبينا محمد ومرورا بالأيدي الامينة التي اوصلته لنا ولكن نوعية الخط هو الذي يستحق وقفة .
بداية هنالك فرق بين الرسم والخط مثلا لو كتبت كلمة الصلاة بالخط النسخ هكذا ( الصلوة ) وكتبتها بنفس الخط ( الصلاة) فهذه الكلمة متحدة بالخط مختلفة بالرسم، المهم هنا من وضع الرسم ومن منحه القدسية وماهي الادلة النصية على قدسيته ؟
عند البحث في هذا المجال لم نجد إلا اعتبارات وضعها المتأخرون بذريعة ان الرسم توفيقي ومن غير تعليل سليم شافي كافي ، بل مجرد ادعائهم انه كان هكذا في عهد الرسول وهذا التبرير اوهن من بيت العنكبوت ، فالكل يعلم ان القرآن نزل شفهيا ، هذا اولا ، وثانيا لو كان مكتوبا من قبل كتاب الوحي لما احتاج إلى جمعه في زمن الخليفة الثالث إلى شهود بل كانت الرقعة لوحدها تكفي ولا يحتاج الجمع الا جمع الرقع ولكن اغلب السور ان لم تكن الكل تم جمعها بالأخبار وحتى اعتمد خبر الآحاد ، ولما ادعى من ادعى في الصحاح ان بعض السور محذوفة والبعض حذف منها ، وثالثا لو سلمنا جدلا بما قالوا اصحاب الرسم التوفيقي فهل كان في زمن الرسول بخط النسخ ام كان بالخط الكوفي هذا جانب مهم وجانب اخر الم تذكر المصادر ان النقطة اكتشفت في زمن الخليفة الرابع واستخدمت للفتحة والضمة والكسرة ومن ثم استخدمت كما هي الان فمن اين جاء الرسم التوفيقي ؟
الرسم العثماني هذا الاصطلاح المشهور والمقدس من أين جاء ؟ البعض نسب العثماني إلى الخليفة الثالث والبعض نسبه إلى الخطاط عثمان طه السوري المولد ، والذي هو بأيدينا الآن ، والأخير هو الاحتمال الأصح ، فالأول كما ذكر الكاتب واثق زبيبة في مقاله الرائع عن الخط القرآني رُبَّ مشهور لا أساس له ، وبالفعل هذا هو مصطلح الرسم العثماني، والدليل على أن الرسم العثماني لا يخص الخليفة الثالث هو ما أقر به الخطاط عثمان طه خلال لقاء معه.
فقد ذكر ماهذا نصه :” وقد كنتُ استفدت من هذه الطريقة في الكتابة من مصحف قديم كتب في العهد العثماني يراعي هذه الطريقة إلا أنه بالرسم الإملائي لا العثماني، فقلدته في توزيع الآيات بحيث تنتهي كل صفحة بآية، وخالفته في الرسم فجعلته أنا بالرسم العثماني بدل الإملائي”، وعليه فالعثماني قد يكون المقصود به الدولة العثمانية التركية لأنها أيضًا لها ثقافتها الخاصة بالخط العربي ، ولكن المهم في هذا انه كان بالرسم العثماني ولم يذكر نوع الخط وأكد طه انه كان بالإملائي ، والإملائي يعني عدم صحة كثير من الكلمات التي كتبت إملائيًّا بشكل يختلف عن العثماني المتداول اليوم ، فالإملائي يعني ضبط حروف الكلمة بشكل سليم ، وقد كنت ثبّت بعض الكلمات في طريقةِ رسمها خطأ إملائيًّا والبعض منها يغير معنى الآية مثلًا كما ذكر واثق زبيبة “إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (المرسلات-7)” “إنما” هنا ليست بمعنى الحصر بل ما اسم موصول بمعنى “الذي” لا يجوز دمجها مع إن ، وهناك الكثير مثل هذا وأغربها هذه الآية ” مال هذا الكتاب ” حيث اللام حرف الجر فصل عن هذا وهذا خطأ إملائي فادح .
في لقاء لي مع الشيخ محمد علي داعي الحق الخطاط واللغوي المعروف ليس على مستوى كربلاء بل العراق وهو احد تلامذة هاشم البغدادي ذكرت له الأخطاء فطلب مني تزويده بها، وتم ذلك فكان جوابه الإقرار بهذه الأخطاء واقترح الحل هو عقد مؤتمر إسلامي يدعى فيه الشخصيات ذات الاختصاص والخبرة من الدول الإسلامية لاسيما مصر والسعودية ودول المغرب العربي حتى تكون نتائج المؤتمر مقبولة ولا يرمى الشيعة بالاتهامات الباطلة ، والعجب العجيب ان احد الاخوة ممن هو مسؤول على مؤسسة لغوية اجابنا اجابة غير موفقة قائلا لو ناقشنا هذا الامر فلربما يتجرأ من يترجم القرآن إلى اللاتيني وهل المترجم لا يستطيع ذلك ؟ وهل لم يترجم إلى الآن ؟!! كما ويقول ان هذا القرآن هو نفسه في زمان الخليفة الرابع من غير دليل وفندنا الدليل اعلاه .
آخر الأمر أود الاشارة إلى أن الشيخ مكارم الشيرازي وبالتعاون مع الشيخ «علي حبيبي» أصدر كتابًا قبل خمس سنوات يناقش إشكالات خط عثمان طه في القرآن وبإشراف مؤسسة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وباللغتين العربية والفارسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*