العراق يعيد الروح إلى محور الشر (السعودية، قطر وتركيا)

239

30-9-2014-4-d
مع بدء الأزمة السورية، تشكّل تحالف وثيق بين السعودية وقطر وتركيا، يهدف إلى إعادة توزيع المنطقة على أساس طائفي، وذلك بإنهاء القوة الشيعية في العراق وسوريا ولبنان، واستبدالها بقوة سنية تفرض سيطرتها السياسية على هذه المناطق. ومن خلال هذا التحول ينتهي نفوذ إيران في المنطقة. وكان هذا هو الهدف الأكبر بعد أن فشلت محاولات إقناع الإدارة الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية لها، أو السماح لإسرائيل بفعل ذلك.
التقت الحكومات الثلاث (السعودية، قطر وتركيا) على هذا الهدف، وتم عقد لقاءات سرية على أرفع المستويات المخابراتية بين كبار المسؤولين، لتوفير مستلزمات النجاح، حيث تولت تركيا مهمة تسهيل عبور التكفيريين إلى سوريا، فيما تقوم السعودية وقطر بالدعم المالي والتسليحي.
لقد جرى ذلك أمام أنظار العالم، ولم تكن في تحركات هذا المحور، ما يغيب عن الرصد المخابراتي أو السياسي أو الإعلامي. ومع تحديد الولايات المتحدة موقفها الرافض لبقاء نظام بشار الأسد، صارت الأمور تجري تحت ضوء الشمس بأكثر من السابق، مثل دعوات التسليح، وتقديم التصورات والمبادرات لتغيير شكل المنطقة، وتنظيم الهجمات الإعلامية ضد الشيعة، وتوفير الغطاء الديني بإصدار فتاوى تكفير الشيعة، وغير ذلك من الممارسات التي شغلت ـ ولا تزال ـ جو المنطقة والعالم.
لكن الخلاف وقع بين محور الشر هذا، حيث شعرت السعودية أنها ستحصل على أقل قدر من المكاسب فيما لو تحقق الهدف الكبير، إذ ستكون سوريا والعراق من حصة النفوذ القطري ـ التركي، إلى جانب مصر التي حسم أمرها لصالحهما بعد تولي الأخوان السلطة فيها. فأرادت السعودية استباق الأحداث بأن دعمت المعارضة ضد حكم الاخوان في مصر، حتى انتهت إلى إسقاطهم والمجيء برجلها الفريق عبد الفتاح السيسي في ضربة موجعة لقطر وتركيا.
إن هذا الاختلاف لا يعني حدوث قطيعة بين الحكومات الثلاث، فهناك الهدف الأكبر الذي يمثل المصير بالنسبة لها، وهو ضرب النفوذ الإيراني، وجعله يتوارى خلف ستار الدفاع بعد إسقاط نظام الأسد، وإنهاء القوة السياسية للشيعة في العراق. ويتضح بقاء هذا التنسيق في الملف العراقي ـ السوري من خلال تصاعد النشاط الإرهابي فيهما، وتوغل تنظيم داعش في الأراضي العراقية، حيث استدعت هذه التطورات حصول تقارب مخابراتي بين دول المحور، قاده الأمير بندر بن سلطان في فترة ابتعاده عن الأضواء الرسمية، كما كانت هناك محاولات تقريب بين السعودية وقطر من قبل الحكومات الخليجية، وتم الاتفاق في زيارة حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد إلى السعودية وعقد اجتماع مطول في مدينة جدة مع الملك عبد الله، وفيه تسربت المعلومات عن إبقاء ملف مواجهة النفوذ الإيراني بعيداً عن الخلافات بينهما.
بعد سقوط الموصل، واجهت دول المحور، نقداَ من قبل الأوساط الغربية، بأنها تمادت كثيراً في دعمها للجماعات الإرهابية، وأنها صارت تتحرك خارج الضوابط المسموح بها، مما سيثير غضب روسيا، فتقدم على ردة فعل تصعيدية، وهو ما حدث بالفعل عبر زج آلاف الجنود الروس على الحدود الأوكرانية.
تصاعدت الإدانات الغربية ضد محور (السعودية، قطر وتركيا) وأفردت كبريات الصحف تقارير مطولة حول دورها في دعم الإرهاب في سوريا والعراق، الأمر الذي اضطر السعودية إلى القيام بحملة إعلامية مكثفة للدفاع عن نفسها.
عند هذه النقطة وجدت السعودية نفسها في وضع حرج للغاية، فحاولت أن تبعد نفسها بعض الخطوات عن شريكتيها قطر وتركيا، فجددت بشكل مفاجئ امتعاضها من حكومة قطر، وراحت تتهمها بأنها لا تلتزم بالاتفاقات، وأنها بصدد قرارات جديدة مع حكومة قطر، وكان ذلك من أجل الاحتماء بأزمة العلاقة مع قطر من التهمة الثابتة عليها بدعم الإرهاب. ويبدو ان الرياض هنا قررت بشكل نهائي الانسحاب من الحلف الثلاثي، لإنقاذ نفسها، وترك قطر وتركيا وجهاً لوجه أمام الإدانات الدولية بدعم تنظيم داعش.
هذه خلاصة موجزة لأهم ما حدث قبل إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما مشروعه في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش. (علينا ان نشير هنا إلى أن أوباما طرح مشروعه، بعد أن وجد أن الحكومة العراقية في نهاية أيام المالكي غير مهتمة بتوجيه الإدانة لمحور السعودية وقطر وتركيا على ما حدث في الموصل، وهي الأيام التي ظن العالم فيها أن أوباما متردد في موقفه، لكن الحقيقة أنه كان ينتظر ردة فعل الحكومة العراقية، وقد نأتي على هذا الموضوع في مقال قادم أن شاء الله).
بعد يومين من تشكيل حكومة الدكتور حيدر العبادي، عقدت السعودية مؤتمر جدة لمحاربة الإرهاب، وكان مستغربًا مشاركة العراق، في خطوة مستعجلة غير مدروسة على الإطلاق. وقد حصلت السعودية على ما تريد، فقد كانت أهم فقرة في المؤتمر هي تبرئة الفكر الوهابي من تهمة الإرهاب والتكفير، وصوت العراق بالموافقة على بيانه الختامي الذي قرأه وزير الخارجية سعود الفيصل. وفرحت الخارجية العراقية أيضاً بعرض الفيصل عن قرب فتح السفارة السعودية في بغداد.
وذهبت الخارجية العراقية إلى أكثر من ذلك عندما أطلقت دعوات (فتح العراق صفحة جديدة) في علاقاته مع جيرانه، وكأنه هو المعتدي عليهم وليس العكس.
حضر العراق بعد ذلك مباشرة مؤتمر باريس المخصص لنفس الغرض، وعادت الخارجية العراقية لتكرر نفس الخطأ. تلاها الحضور المكثف في نيويورك واللقاءات التي عقدتها على هامش مؤتمر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فقد بدا العراق ساعيًا بأقصى ما يمكن لفتح الصفحات الجديدة، والتعاون مع تركيا وقطر والسعودية في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.
تشير بعض الأنباء العلنية، أن لقاءً قريباً سيعقد بين الأمير تميم بن حمد وبين الملك عبد الله. الخبر يبدو صحيحاً حتى الآن، وهذا يعني أن السعودية قررت البقاء في حلف الشر، بعد أن منحتها الحكومة العراقية عبر خارجيتها، شهادة البراءة من التهم المنسوبة إليها بدعم الإرهاب، وطالما أن السبب قد زال، فستبقى في المحور الثلاثي، وتسير ضمنه نحو الهدف الأكبر، ألا وهو ضرب الشيعة.

الراية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*