الشيعة والفرصة التاريخية

205

1-10-2014-12-d

فلاح المشعل ..

أخفقت العملية السياسية في العراق بإنتاج نظام حكم ديمقراطي يتوفر على العدالة الاجتماعية والحرية والأمن والخدمات، كما فشلت بتحقيق الحد الأدنى من الحقوق لأبناء الشعب العراقي الذي صار في معرض الاستباحة في دمه وحياته وعرضه وماله . أكثر من خمسة مليون عراقي يعيش تحت النار ، وداعش تحتل ثلاث أو أربع محافظات عراقية ، وأكثر من مليون وربع المليون مهجر ونازح ، وإبادات متواصلة للأقليات الأثينية والدينية والعرقية ، والخراب والفساد امتد لكل زاوية بالحياة (الجحيم ) العراقي …! باختصار نقول إن البلاد أصبحت في مهب الريح ، جراء أخطاء متراكمة لعشر سنوات من تجربة الحكم استغرقها المالكي في فوضى وارتجال تسيرها عقلية منغلقة وأسلوب حكم يقيم خارج التاريخ ، مما عجل في نهاية محققة ليس لحكومته المتخمة بالفساد وحسب ، وإنما نهاية وطن اسمه العراق ..! هذه الحقائق لم تعد خافية على أحد ، ولعل السياسيين الشيعة أدركوها قبل غيرهم ، بل إن خطاب المرجعية الشيعية في النجف الأشرف كان يبعث برسائل أسبوعية ، تنعطف على ثنايا ذاك الفشل والفساد الكارثي الذي يحدث أمام صمت واستهتار الحكومة ، وهي تعكس أسوء مقطع في تاريخ العراق . خطوة قطع الطريق على المالكي وشهيته في دورة ثالثة تؤشر لفعل ايجابي متأخر أقدم عليه الشجعان من حزب الدعوة ، وبدعم من زعامات شيعية ، أدركت حقيقة ضياع البلد بوجود المالكي وفشله الصريح الذي انتهى إلى تسليم الوطن لعصابات داعش والميليشيات . الآن تبدو مهمة النخب السياسية الشيعية أكثر حراجة وأهمية تاريخية من أي وقت مضى ، خصوصا وان البلاد تغرق بأزمات تقارب المصيبة وعلى كل الميادين ، لكن مهمة الإصلاح ليست مستحيلة ، إذ ينبغي أن تبدأ الحكومة الجديدة بوضع برنامج ورؤية لهذا الإصلاح ، ومحاولة رسم سقوف زمنية ومتابعة إجرائية ميدانية لتحقيق خطوات البناء و الإصلاح ونجاعتها . المهمة الأولى تبدأ بإعادة الثقة للعراقيين بدورهم وحقوقهم ووطنهم وكرامتهم التي أهدرت في السنوات الماضية ، ثم محاولة إنتاج سلطة قضائية شريفة نزيهة غير خائنة أو خاضعة لسلطة رئيس الحكومة وتسويفاته كما عرفت في زمن المالكي ، سلطة قضائية أمينة وتمارس دورها على غرار ما يحصل في مصر أو الأنظمة الحرة والديمقراطية ، كما ينبغي أن تعمل الحكومة على إعادة الحياة لهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والهيئات المستقلة لتمارس دورها بحرية وحماية حقوق المواطن . الحكومة الجديدة يجب أن تدرك حقيقة خلو البلد من الخدمات وتزاحم الأزمات التي لابد من إدراجها وفق أولويات أهميتها الوجودية بدءا بالبطاقة التموينية وانتهاء بخدمات الماء والكهرباء والصحة وارتفاع نسب البطالة والفقر والمرض والتخلف التعليمي وانتشار الجريمة بكل أنماطها وأنواعها . الحكومة الجديدة سترث بلادا مخربة وتركة ثقيلة ومهام عسيرة وصعبة لكنها في نطاق الممكن ، طالما نملك الثروة والتوجه السليم والنوايا الصادقة ، مع خفض سرقات حيتان السياسة والأحزاب النافذة . تلك مهمة كبيرة وشاقة لكنها الفرصة الأخيرة التي تعيد العراق لمساره ، دولة يمكن أن تنشأ من جديد وفق عناصر القوة الكامنة بتاريخه ومضامين شعبه الكريم الأبي ، وهذا التنوع الذي يعطي القدرة على الإبداع في مناخات الحرية والسلم الاجتماعي والتكامل في ظل روح المواطنة والتشارك والتسامح .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*