اعتراف السعودية بأن مهاجمي حسينية الإحساء “سعوديون” وينتمون إلى داعش وليس “القاعدة” مؤشر على اختراق أمني مرعب

195

26-11-2014-8-d
إن تعلن وزارة الداخلية السعودية عبر المتحدث باسمها اللواء منصور التركي عن كشف “شبكة إجرامية” تتكون من 77 عنصرا كانت تقف خلف الهجوم الدموي الذي استهدف حسينية في قرية الدالوة في محافظة الإحساء فهذا ليس المهم، ولكن ان تقول إن هذه الشبكة ترتبط بـ”الدولة الإسلامية” ارتباطا مباشرا فهذا مؤشر خطير يؤكد ان عقيدة هذه الدولة وأيديولوجيتها نجحت في اختراق العمق السعودي، وان هذه الدولة بدأت تجند خلايا من الشباب السعودي وتسلحها، وتوجهها لتنفيذ هجمات دموية.
الانطباع الذي كان سائدا بعد الكشف عن الهجوم الأخير على حسينية لأبناء الطائفة الشيعية في الإحساء يوم عاشوراء انه من تنفيذ مجموعة تابعة لتنظيم “القاعدة” المركزي لأنه وقف خلف العديد من العمليات المماثلة في السنوات العشرين الماضية تقريبا، مثل الهجوم على رعايا أمريكيين وأوروبيين، ومدربين عسكريين غربيين، ولكن الإعلان الرسمي السعودي بدد هذا الانطباع.
اللافت في البيان الرسمي السعودي معلومتان على درجة كبيرة من الأهمية يمكن من خلالهما استقراء ما يمكن ان يحدث من تطورات لاحقة:
ـ المعلومة الأولى: إن جميع المنفذين الرئيسيين للهجوم على الحسينية الشيعية في قرية الدالة وعددهم أربعة من السعوديين، ومن بينهم ثلاثة سبق إيقافهم على خلفية قضايا “الفئة الضالة” وأطلق سراحهم بعد انتهاء محكوميتهم (قتلوا جميعا) بينما الرابع لا يوجد لديه رصيد امني سابق.
ـ المعلومة الثانية: إن من بين عناصر الشبكة اثنان وثلاثون ممن سبق إطلاق سراحهم بعد انتهاء مدد محكوميتهم، وخمسة عشر من المطلق سراحهم وهم قيد المحاكمة.
ما يمكن استخلاصه من هاتين المعلومتين اللتين وردا في بيان وزارة الداخلية أن المنفذين الأربعة استمروا في تبني أيديولوجية “الدولة الإسلامية”، وقرروا تنفيذ الهجوم دون أن تردعهم عقوبة السجن، والشيء نفسه يقال عن عناصر الخلية الآخرين مما يؤكد عمق التزامهم التنظيمي والأيديولوجي.
عدد أفراد هذه الشبكة كبير بكل المقاييس، ويؤكد فشلا استخباريا، فإذا كان هؤلاء من المحكومين بتهمة التشدد وتهديد الأمن في البلاد، مثلما هو واضح، فمن المفترض أن يكونوا تحت المراقبة المشددة على مدار الساعة من قبل قوات الأمن، ولكن هذا لم يحدث مما يقرع ناقوس الخطر حول مدى كفاءة الإجراءات الأمنية المتبعة وفاعليتها.
السلطات الأمنية والسياسية السعودية تواجه تحديا امنيا صعبا، لان ابرز انجازاتها هو ضبط الأوضاع الداخلية طوال السنوات الأربع الماضية التي انفجرت فيها احتجاجات ما يسمى بالربيع العربي و”تحصين” البلاد من السنة لهيبها، وإنفاق أكثر من مئة وعشرين مليار دولار على شكل مساعدات مالية وإعفاءات قروض، وزيادة في الرواتب، وتوفير فرص للعاطلين عن العمل، حتى ان أكثر من مسؤول سعودي تباهى بالأمن والأمان الذي تتمتع به المملكة وشعبها بالمقارنة مع الشعوب العربية الأخرى التي شهدت ثورات، وكيف تحولت إلى حمامات دم وفوضى عارمة، ولكن يبدو ان اكتشاف هذه الخلايا والشبكات الإسلامية المتشددة ولجوئها إلى العنف، ربما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول نجاعة الأسوار الأمنية التي أقيمت لتحصين المملكة لان الخطر جاء من الداخل وليس من الخارج.
ربما يجادل النظام السوري بأنه يواجه جماعات سورية وغير سورية تحظى بدعم دول عربية وغربية تريد تدمير بلاده وتمزيقها الأمر الذي ساعده على تحشيد الجيش ونسبة كبيرة من السوريين حوله والانخراط في معركته، وتبرير إجراءاته القمعية الدموية لإحباط هذه “المؤامرة”، ولكن مهمة السلطات السعودية ستكون أصعب لان المتورطين في أعمال العنف هم من أبناء البلاد حتى الآن، وتسليحهم داخلي، وحتى الآن أيضا، بل والفكر الذي يعتنقونه فكر سعودي الجذور بالدرجة الأولى وموجود في كتب مدرسية وجامعية ومراجع تاريخية وفقهية متاحة للجميع في المكتبات العامة.
لا بد من الاعتراف بأن تعاطي وزارة الداخلية السعودية مع هذه التحديات الأمنية ينطوي على حجم كبير من الشفافية، وهذا تطور مهم بالمقارنة مع نهج سابق متبع اعتمد على التعتيم وكنس الحقائق والمعلومات تحت السجاد، وهو نهج ساهم في تضخم الأزمة وأخطارها ووصولها إلى المستويات الحالية.
المملكة العربية السعودية تقف أمام استحقاقات أمنية وسياسية لا يمكن التقليل من أهميتها وحجمها، وتبرر في الوقت نفسه قلق قيادتها المتصاعد، لكن الحلول المتبعة، ومعظمها أمنية، ليست على مستوى هذه الاستحقاقات والأخطار، وهذا موضوع آخر.

“رأي اليوم”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*