فلسفة ”العاطفة“ في إحياء الشعائر

298

M251220144

زكريا الحاجي

مما إمتازت به مدرسة عاشوراء أنها إنتهجت الحُزن في بثِّ المعرفة ورفع مستوى الوعي في الأمة، كما أنها جعلت من الألم أداة تُرسِّخ بها مبادئها وقيمها.
فبعد ثبوت إستحباب البكاء والحُزن على أهل البيت من الجنبة الفقهية – كما إستدل عليه الفقهاء في محله – وكذلك الفرح لفرحهم ، كان من المناسب أن نبيّن فلسفة العاطفة وأهميتها، ولماذا الإصرار على إنتهاجها وعدم الإقتصار والإكتفاء بالتحقيقات التأريخية، أو البحوث العلمية، أو الندوات التثقيفية – مع أهميتها بالطبع بل وأولويتها على عنصر العاطفة -.
فلسفة العاطفة:
حتى ندرك أهمية دور العاطفة، فإنه عندما يرسم الإنسان ويحدد له هدفاً عظيماً في مرحلة ومرتبة سابقة – وهو إحياء أمر أهل البيت في فرض مقامنا -، فإن حِكمة العقل تقتضي أن تكون حركة الإنسان على وفق ما تحقق له تلك الغاية المنشودة، ودور العاطفة في تحقيق تلك الغاية إما لكونها محفّزاً لسلوك الإنسان، أو عاملاً من عوامل الإنبعاث لدى السّلوك الإنساني.
ولتوضيح ذلك نقول: ان في دراسة السلوك الإنساني – في علم النفس – يُذكر بأن العوامل التي تدفع الإنسان – في حال الإختيار – وتبعثه نحو تحقيق عمل ما، هي:
1 – عامل العلم والمعرفة.
2 – عامل إدراك الفائدة والمصلحة.
حيث أن الإنسان عندما يعرف ويعلم بشيء ما، ويدرك مصلحته وحاجته له، فإنه يندفع حينها ويتحرك بطبعه نحو تحقيق ذلك الشيء، ليُشبع به حاجته، فمثلاً: عندما يعلم بحقيقة الماء وكونه رافعاً للضمأ، ويدرك حاجته له لكونه عُطشاناً، فإن هذان العاملان يدفعانه نحو شرب الماء.
وهذه الحقيقة يمكن أن يُدركها الإنسان بالوجدان، فعندما يتأمل في ذاته يجد أنه متى ما علم بشيء وأدرك فائدته وحاجته له، فهو يتحرك بطبعه نحو تحقيق ذلك الشيء.
ومن ثم يأتي دور العاطفة في ترسيخ حركة الإنسان، وإعطائه شحنة وطاقة أعلى وأقوى نحو تحقيق الغرض المنشود، وعليه يكون دور العاطفة هنا عاملاً محفّزاً، كما أنه تكون – العاطفة – عاملاً في قوة الإرتباط والتعلق.
وهناك رأي آخر لبعض العلماء، حيث يرى أن العلم والمعرفة وإدراك المصلحة لا يكفي في دفع الإنسان نحو تحقيق العمل، وإنما يحتاج مع ذلك عنصر العاطفة، وحينها يكون أهمية دور العاطفة – على وفق هذا الرأي – أوضح وأجلى في حاجة الإنسان في تحقيق أهدافه إلى العاطفة.
وعلى كلى الرأيين نحن بحاجة إلى عنصر العاطفة في إحياء الشعائر، إما لكونها عاملاً من عوامل حركة الإنسان وإنبعاثه – كما هو الرأي الثاني -، أو لكونها محفّزاً – بحسب الرأي الأول – في إحياء عاشوراء وإقامة الشعائر.
وتتكشف لنا أهمية دور العاطفة كذلك، من خلال ملاحظة سيرة العُقلاء في مختلف المجالات السياسية منها والإجتماعية والطبية والتربوية.. إلخ، فعندما يستنتجون ويتوصلون إلى حقيقة ما في أي حقل معرفي، فإنهم – أي العقلاء – يوضفون عامل العاطفة بنحو كبير لإصال تلك الفكرة وجذب الجمهور نحو ما تقتضيه تلك الحقيقة، ولكن تختلف أدوات العاطفة بحسب ما ينسجم مع طبيعة تلك الحقيقة.
– وقد يقول البعض: من الخطأ بمكان وخلافاً للحكمة أن تكون العاطفة هي التي تُسيير الإنسان، فهي تقوده نحو الفشل والندم لكونها – أي العاطفة – لا تُمييز المصالح.
فنقول: أن ذلك صحيح فيما لو كان الباعث هو العاطفة المجردة عن العلم والمعرفة، ولكن نحن ذكرنا أن العاطفة تكون مع العلم والمعرفة، إما بنحو الضميمة – كما على الرأي الثاني – أو بنحو الرافد – كما على الرأي الأول – بالنسبة لحركة الإنسان وإنبعاثه لتحقيق المصالح.
– تنبيه: من المهم أن نلتفت إلى أن العامل الأساسي في إنتهاج الحُزن أو الفرح في إحياء أمر أهل البيت ، هو التعبُد بالأوامر الإلهية التي أثبتها الفقهاء في بحوثهم الفقهية، سواء علمنا بفلسفة العاطفة أو لم نعلم بها.

موقع جهينة الإخبارية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*