الراعون للإرهاب كاللاعبين بالنار!

292

14-12-2015-S-04

د. إبراهيم العاتي – (أكاديمي وباحث)

لم يعد خافياً على أحد أن الجماعات الإرهابية التي تتبرقع بالإسلام هي صناعة غربية أنتجتها دوائر استخبارية مستعينة بخبراء ذوي معرفة عالية بالتراث الإسلامي وما فيه من صفحات سوداء أو بيضاء، فاختاروا أكثرها قتامة وقسوة وتخلفًا عن العصر، ألا وهو الفكر التكفيري المتحجر الذي لا يسمع إلا صوته، ولا ينظر أبعد من أنفه، ولايعترف بوجود الآخر، لأن المخالف له هو في رأيهم كافر يجب أن يلقى حتفه! وصادف أن هذا الفكر موجود أو مولود في حضن دول أو (مشيخات) سائرة في ركاب الغرب، لأنه هو الذي أوجدها ووفر لها الحماية، خاصة بعد اكتشاف الذهب الأسود فيها.

فكانت الحركة الوهابية هي المعبّر عن ذلك الفكر، فقد كفرت من لم يوافقها الرأي من قبائل نجد، كما كفرت العثمانيين الأتراك، وكذلك حكام مصر من أسرة محمد علي وكل من يخدم في هذه الدولة، بل وحتى عامة الناس الذين لا يرون رأيهم، حتى وإن كانوا من نفس مذهبهم. ومن هنا كانت غاراتهم على الحجيج القادم من مصر والشام وبلدان المغرب العربي وغيرهم. أما الشيعة والصوفية والأشاعرة والمعتزلة والأباضية وغيرهم فهم ما بين كفار أو مبتدعة، ولنا أن نتصور طبيعة الأحكام التي يصدرونها ضدهم!!

وقد استغاث علماء السنة في الحجاز بالسلطان العثماني لحماية المقدسات في مكة والمدينة من اعتداءات الوهابيين الذين سيطروا على نجد بعد مجازر دموية وغارات جاهلية ارتكبوها بحق القبائل العربية التي عارضتهم ورفضت فكرهم المتطرف، فطلب السلطان العثماني من حاكم مصر محمد علي باشا بالقضاء عليهم، وتم له ما أراد على يد القائد إبراهيم باشا نجل محمد علي الذي جهز جيشًا إلى الحجاز ليطهرها ثم يصل إلى الدرعية ليقضي على دولتهم الأولى ويأسر زعيمها ويسلمه للسلطان الذي وضعه في السجن. ودالت دولتهم حتى احتلال بريطانيا لإمارات عربية في الخليج فكان عبد العزيز آل سعود مع أبيه وأفراد أسرته يعيشون لاجئين في الكويت، فساعدته بريطانيا للسيطرة على نجد ثم مكنته من الحجاز وأجبرت الشريف حسين على الخروج من الحجاز وعاش سجينًا في قبرص حتى وفاته فيها. وأعلن عبد العزيز نفسه سلطانًا على نجد والحجاز ثم أسس ما سمي بالمملكة العربية السعودية، التي قامت على معادلة إعطاء النفط لبريطانيا ثم أميركا وأية دولة غربية تسير في ركابهما، وكذلك تنفيذ السياسات التي يريدونها حتى لو كانت معادية لتطلعات الشعوب العربية، مقابل شيء أساسي هو الحماية!

 وهكذا فقد كانت السعودية منذ تأسيسها وحتى اليوم تعتمد على الدعم العسكري المباشر من قبل أميركا وبريطانيا وغيرهما. وبالإمكان مراجعة تاريخ هذه الدولة وحروبها مع جاراتها منذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى اليوم للتأكد من هذه الحقيقة.

لقد كان سلاح التكفير الذي توفره المؤسسة الدينية الوهابية ضد المسلمين الذين يخالفونهم الرأي أو المذهب، هو من أخطر الأسلحة التي تفتك بالشعوب والمجتمعات، وتنسيها الكثير من المخاطر التي تحيط بها، ولذا تلقفته الدول الغربية (أمريكا وأوربا) لتفتيت العالم العربي والإسلامي على أساس مكوناته الإثنية والدينية والمذهبية، وصار سياسة ثابتة لتركيع الشعوب والدول التي لا تخضع لإملاءاتها. وقد ساهمت حرب (الجهاد) ضد الغزو الروسي لأفغانستان في إنشاء تنظيمات (إسلامية) مسلحة، بتخطيط وتدريب (أمريكي/ أطلسي)، وتمويل (سعودي/خليجي)، وفتاوى وهابية متطرفة يجمعون بها الشباب المغرر به تحت لافتاتها. كانت مصر فد خرجت من الصراع العربي الإسرائيلي، حينما وقع السادات إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وأعلن أن حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب!!

وما بين (الجهاد) في أفغانستان والحرب ضد إيران أضحت فلسطين قضية منسية، وهو ما تريده إسرائيل لكي تلتهم مابقي من فلسطين، عن طريق الاستيطان وغيره.

وقد وجدت إسرائيل في الجماعات الإرهابية التي عادت من أفغانستان متغولة متوحشة ضالتها المنشودة، لأن هذه الجماعات لايهمها محاربة الكيان الصهيوني بقدر ما يهمها الدخول في صراعات مع الأنظمة والمجتمعات العربية والإسلامية التي تعتبرها جاهلية، فدخلت في صراعات دامية مع الدولة في مصر ثم في الجزائر التي دخلت ما يشبه الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات، وحصدت أرواح الألوف من أبناء الجزائر، ولذلك سماها الجزائريون (بالعشرية السوداء)!!

وجاء ما سمي بالربيع العربي لتكتمل المهمة، وتبلغ أوجها في النفخ بنار الطائفية والمذهبية وتعميدها بالدم والتمثيل بالضحايا وإرتكاب المجازر البشعة، حتى لا تبقى هنالك خطوط للرجعة والمصالحة بين المكونات العرقية والدينية المتعايشة منذ مئات السنين. وراح شيوخ الفتنة وزبانية جهنم القابعين قرب القواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية في الخليج يناشدون ويتوسلون بالإدارة الأمريكية والدول الأوروبية للتدخل في ليبيا وسوريا لدعم المعارضة وإسقاط النظام، بينما كانوا يصدرون الفتاوى التي تدعو الشباب المتحمس الذي خضع لعملية غسيل دماغ للسفر إلى العراق لمقاتلة المحتل الأمريكي والسكان المدنيين، فكان ضحاياهم من العراقيين أضعاف أضعاف ما قتلوا من الأمريكان، هذا والأمريكان وغيرهم من رعايا الدول الغربية يسرحون ويمرحون في دول الخليج، ومهماتهم عسكرية أو أمنية أو مدنية، ولهم قواعد عسكرية في تلك الدول، ومع ذلك لا يتعرض لهم أحد من هؤلاء الإرهابيين ولا من شيوخهم الذين يصدرون لهم فتاوى القتل والتفجير!!

واليوم يعود الإرهاب ليضرب فرنسا.. سبحان الله.. لقد كانت فرنسا من أكثر الدول التي شجعت الإرهابيين على الذهاب إلى سوريا للقتال إلى جانب المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق، وكانت تغض النظر عن نشاطهم في فرنسا وبقية الدول الأوروبية على الرغم من التحذيرات الكثيرة التي وجهت لها ولغيرها، بأن هؤلاء سيعودون إلى فرنسا كالقنابل الموقوتة التي سوف تنفجر في أية لحظة، وهو ما حصل فعلاً.

 فهل ستتعظ فرنسا مما جرى لها في قلب باريس، أم ستخضع وتخنع للمال الخليجي والتهديد الصهيوني الذي يلعب دوراً رئيساً في توجيه الجماعات الإرهابية؟ ونود الإشارة أخيرًا إلى أن الإرهاب لن ينتهي ما لم تجفف منابعه الفكرية المتمثلة في الفكر الوهابي التكفيري والسماح بنقده نقدًا علميًا من قبل العلماء الذين منعوا من التعرض لهذا الفكر منذ رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وتخلي أنور السادات عن دور مصر القيادي في المنطقة لصالح المملكة السعودية، والمال الخليجي بوجه عام. كذلك مراقبة ومنع القنوات الفضائية التي توزع الكفر على الناس، وتحرض على القتل والإرهاب، وإلا سوف نتوقع المزيد من هذه الأعمال الاجرامية!

س م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*