السلفية الوهابية حولت “أبناء اوروبا” لقنابل بـ”القارة العجوز”
الحكمة – متابعة: بإعلان السلطات الأمنية الفرنسية عن التعرف على شكيب أكروح، البلجيكي الجنسية المغربي الأصل، الذي يعد آخر انتحاري شارك في هجمات باريس، تكون ملامح الخلية التي خططت ونفذت الهجمات قد اتضحت.
وليظهر معها أيضا أن كل المنفذين هم “أبناء أوروبا” وليس بينهم من عاش في بلد عربي أو إسلامي على الرغم من أن أصول بعضهم هي مغربية، وهو الأمر الذي دفع عددا من المثقفين الفرنسيين إلى دق ناقوس الخطر بكون تطرف هؤلاء الشباب الذين ولدوا ودرسوا في المدارس الأوروبية ومنهم من لا يتقن أي كلمة بالعربية، يعني أن هناك أمورا لا تسير بشكل جيد في أوروبا.
وبحسب “هسبريس” المغربية، ومن بين المثقفين الذين طالبوا بالكف عن توجيه أصابع الاتهام للإسلام وعدم قدرته على التماشي مع الديمقراطية، نجد أوليفييه أوروا، الذي أكد أنه في حال كان الإسلام هو المشكل، فكيف يمكن تفسير أن ظاهرة التطرف تقتصر على بضعة آلاف من الشباب من أصل أكثر من 5 ملايين مسلم في فرنسا لوحدها، مواصلا أن التطرف أصاب أبناء فرنسيين يقطنون في القرى الفرنسية وليس لهم تواصل مع المسلمين، ومع ذلك صاروا من أعتى المتشددين.
وأوضح المستشرق الفرنسي، الذي خبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن طبيعة الشباب الذين ارتموا في أحضان الجماعات (الجهادية)، تفيد بأنهم لم يكونوا مندمجين حتى داخل المسلمين في أوروبا، ولم يعرف عنهم ترددهم على المساجد كثيرا، بل كانوا يعيشون على الهامش، ومنهم من كان يتعاطى للمخدرات والخمر وسبق له اقتراف جرائم قبل أن ينتقل مباشرة إلى الفكر (الجهادي)، معتبرا أن الأمر هو انتقال فجائي نحو الفكر المتطرف، لأنه يرى قطيعة مع السابق، وتعبير عن رفض “الإسلام الشعبي” المنتشر في صفوف مسلمي أوروبا.
وفي الوقت الذي يهاجم فيه عدد من السياسيين الإسلام بدعوى أنه المسؤول عن تطرف هؤلاء الشباب، وتقوم الحكومات الأوروبية باتخاذ إجراءات سحب الجنسية ممن يثبت تورطهم في مساندة الجماعات المتشددة، فإن عددا من المسؤولين الأوروبيين تحدثوا عن نظام فصل عنصري في حق شباب الضواحي، بحسب تصريح رئيس الوزراء الفرنسي، وهو التعبير نفسه الذي استعملته شبكة “BBC” لوصف الوضع في حي مولنبيك البلجيكي الذي منه خرج جل منفذي هجمات باريس، حيث أكدت أن السلطات البلجيكية تمارس سياسة تمييز في حق سكان الحي.
وتعليقا على اختلاف الآراء الأوروبية حول سبب تطرف أبناء أوروبا، أكد الباحث في الجماعات الإسلامية منتصر حمادة، في حديثه لهسبريس، أن مشكلة التطرف الديني في أوروبا، مرتبطة بسياقات دينية واجتماعية وسياسية بالدرجة الأولى، وهناك سياقات موازية، ولكنها تبقى “ثانوية الأهمية”، وفق منظور حمادة، من قبيل السياق النفسي، الذي يقف وراء تطرف بعض المسلمين أو حديثي العهد بالإسلام، وانضمامهم إلى التيار السلفي (الجهادي)، بل والانضمام إلى تنظيم “داعش” مثلاً.
وأوضح الباحث المغربي أن السياق السياسي مرتبط بسياسات الدول الأوروبية في التعامل مع واقع الإسلام والمسلمين، “هذه سياسات متباينة، ولكنها كانت خاضعة بشكل عام للهواجس الأمنية والسياسية، وأنتجت مبادرات حميدة، ولكن النتائج السلبية المصاحبة لها، أو الأضرار الجانبية المصاحبة لها، ساهمت في تغذية التطرف”، يقول منتصر حمادة.
أما عن السياق الاجتماعي، فنجده أيضاً في حالات العديد من المتطرفين في المجال التداولي الإسلامي، من المغرب إلى إندونيسيا، ولكن حمادة أكد أن ربط التطرف بالأسباب الاجتماعية فقط، أي سياق الفقر والتهميش، هو نموذج “قاصر”، “وإلا لكان منتظراً أن تكون دولة مسلمة فقيرة مثل بنغلادش، أولى البلدان المسلمة المُصدرة للتطرف”.
واعتبر حمادة، أن السياق الأهم هو السياق الديني، فمن وجهة نظره هناك قاسم مشترك في الانتماء العقدي للمتطرفين، حيث إن أغلب هؤلاء “ينهلون من مرجعية سلفية وهابية، ويكفي أننا لا نجد متصوفة مثلاً ضمن المتورطين عملياً في الاعتداءات الإرهابية، ولا نجد مسلما متدينا بما يُصطلح عليه (التدين الشعبي) أو (تدين إيمان العجائز)، متورطاً في الملف، وحده التديّن السلفي الوهابي يُجسد القاسم المشترك في تديّن المتطرفين اليوم”.
حمادة أكد، أنه ليس صدفة أن تعلن فرنسا، ولأول مرة، عن إغلاق ثلاثة مساجد منتصف الأسبوع الجاري، قاسمها المشترك الترويج للخطاب السلفي الوهابي في نزعته المتشددة. وهذه مجرد بداية، لأن ما تعج به الساحة في أوروبا أكبر وأخطر بكثير، فالتعلق بالتدين السلفي الوهابي يؤسس ويُغذي التطرف الديني الإسلامي، وفق تعبير منتصر حمادة.
أيوب الريمي/ هسبريس
ك ح