سقط الإخوان .. نجت مصر .. فهل تسلم من “الوهابية السعودية“

232

12484_1

لم تستهلك “جماعة الإخوان ( لا اقول “الإخوان المسلمين”) اكثر من سنة في حكم مصر حتى افتضح امرها و ظهرت على حقيقتها امام الرأي العام العالمي والعربي الاسلامي بأنها حركة تتقنع بعنوان اسلامي و تمارس خلافه وفقًا لدين جمعت قواعده و معالمه و وضعت أسسه العملية ، بما يجيز لها ان تكفر من لا ينصاع لها و تفتل من يعارضها و تقصي من تجد فيه خطرا على مشروعها و تمالئ من تتصور انه قد يسدي اليها خدمة او يؤمن لها منفعة تسهل ارساء مشروعها. و لم تستطع جماعة الإخوان ان تصمد امام الاعصار الشعبي المصري الذي عصف في الشارع مرتين ، مرة من اجل الاطاحة بحكم الإخوان و مرة من اجل تفويض الجيش و القوات المسلحة المصرية بمعالجة ظواهر الإرهاب التي احترفها الإخوان و مارسوها ضد الشعب و الدولة و القيم و الحقوق الانسانية.

لقد سقط الإخوان في مصر قبل ان يتمكنوا من تنفيذ التزاماتهم في الصفقة التي عقدوها مع اميركا و التي تتضمن فيما تضمنت تصفية القضية الفلسطينية و تقديم جزء من سيناء ليكون الوطن البديل بعد ضمه إلى قطاع غزة ، و اتاحة الفرصة لإقامة 4 قواعد عسكرية اميركية كبرى على الارض المصرية ( قاعدة بحرية عند التقاء الاحمر بالمتوسط ، و قاعدة جوية و قاعدتين بريتين تكون واحدة منهما بمثابة معسكر التدريب الاهم في منطقة الشرق الاوسط ) و جاء سقوطهم قبل أن يتمكنوا من التصرف بقناة السويس و جعل الملاحة فيها خاضعة كليا للقرار الاميركي بإدارة مباشرة و غير مباشرة عبر الوكيل القطري كما كان التعهد.

لقد كان السقوط المدوي لحكم “جماعة الإخوان في مصر فرصة لشعب المصري جعلته ينجو من كارثة استراتيجية كانت ستلزمه بالكثير الكثير من الوقت و الطاقات للتفلت من آثارها و تداعياتها على سيادته و استقلاله و أمنه القومي و موقع مصر الاستراتيجي فضلًا عن رفاه الشعب و احتياجاته لحياة كريمة آمنة . و لهذا استحق الشعب المصري كل التهاني و المباركة بعد ان كسر قيد الإخوان و تفلت من نظامهم الذي كان سيقضي على مصر و مستقبلها لو استمر و استطال . و لكن عرف الشعب كيف يرفض و عرف الجيش كيف ينحاز للشعب و يحمي ارادته و خياره فكانت النجاة التي تستوجب التهنئة بالسلامة من خطر الإخوان .

و بعد هذا السقوط و إثر فرض الشعب قراره ، و بروز الجيش حاميًا للقرار ، كان من الطبيعي أن يعترف و يؤيد هذا الحدث كل من يتمسك بمنطق السيادة الوطنية ، و الاستقلال الوطني ، و حق الشعب في اختيار حكامه إعمالًا لقواعد الديمقراطية و الحرية ،ثم كان ضرورياً ان يستتبع هذا الاعتراف بإعادة تقييم المواقف من تنظيم الإخوان و جماعتها العاملة في ما تبقى من بلدان الحريق العربي بصورة عامة وفي سورية بصورة خاصة ، اذ ان افتضاح امر الإخوان في مصر و رفض الشعب المصري لهم كان يفرض ان يستخلص محتضنو الحالات المماثلة العبر و يتراجعوا عن دعم الحركات الإرهابية المسلحة التي يعتبر الإخوان و اشباههم من السلفيين الوهابيين التكفيريين عمودها الفقري لا بل يعتبرون جسمها الرئيسي .

لكن الذي حصل على أرض الواقع كان خلافا للمنطق و قواعده ، لأن لدعاة المشروع – الصهيو أميركي منطقًا لا يعرفه المنطق ، فمنطقهم هو ما تقود اليه مصالحهم ، منطق لا يعرف عدلاً او موضوعية ، منطق لا يعترف و لا يحترم عقل الآخر ، و هو لا يرى إلا نفعيته البراغماتية رائدا لسلوكه و موجها لحركته .

فعلى الصعيد الغري الأطلسي ، شاهدنا في البدء رفضًا للإسقاط ثم ذهولاً لحدوثه ثم محاولة لاستدارك الوضع ثم مناورة لإعادة الإخوان إلى الحكم ، و لما لم تفلح كل هذه المحاولات ، صعّد الاميركي و الأوروبي في الموقف فرفضوا التدابير التي اتخذتها السلطة الانتقالية المؤقتة في مصر من اجل حفظ امن الوطن ، رفضا من شأنه القول ” دعوا الإخوان يحرقون مصر ، و يعطلون الحياة فيها و يدفعون شعبها إلى حرب اهلية عسى أن يمكن ذلك من تقسيمها ، أو على الأقل إحداث دخان يحجب الأنظار عن مشروع تقسيم ليبيا و تصفية القضية الفلسطينية بالطريقة التي ذكرت خطوطها العريضة أعلاه .

لهذا رفض الاطلسيون حالة الطوارئ في مصر التي اعلنت لحماية الناس ولم يحترم الغرب ارادة 35 مليون مصري خرجوا للشوارع في ابهى صورة للديمقراطية الشعبية المباشرة ، لأن الغرب لا يحترم إلا مصالحه و اهدافه الاستراتيجية .

رفض الغرب المس بالإخوان المسلمين مدعيًا احترام صناديق الاقتراع و الشرعية ، لكنه و على المقلب الآخر و في سورية يعمل ضد ما نطفت به صناديق الاقتراع مدعيا (الغرب ) و بنفاق ظاهر انه يعمل من اجل الاستجابة للإرادة الشعبية و انه يدعم الجماعات الإرهابية المسلحة من أجل إرساء هذه الارادة . ( على اي حال هو ينافق في هذا ايضا لان الارادة الشعبية السورية هي ضد المسلحين إلى الحد الذي تحشد الكثير من ابناء الشعب في لجان شعبية و في تشكيلات ضمن جيش الدفاع الوطني لقتال هؤلاء الإرهابيين المرتزقة ، شعب يقاتل دفاعًا عن الأنفس و الأعراض و الممتلكات او باختصار دفاعًا عن الوطن ) . و حقيقة موقف الغرب انه مع مصالحه ضد الحكومة في سورية ، و مع مصالحه مع حكومة الإخوان في مصر اما الارادة الشعبية فلا وزن لها في الحاليين .

اما على الصعيد الخليجي عامة و السعودي الوهابي خاصة ، فإن التناقض في السلوك جاء أدهى و أمرّ ، حيث إن السعودية دعمت و أيّدت إسقاط الإخوان في مصر خلافًا للموقف الأميركي الظاهر ، و وضعت بتصرف السلطة الانتقالية المؤقتة المصرية إعلامها و دعمها السياسي و مدتها بأموال طائلة لتمكنها من تجاوز الضائقة التي سببتها سياسة الإخوان ، و في الوقت نفسه تستمر السعودية و بشكل تصاعدي في إلقاء كل ثقلها في سورية إلى جانب مسلحي الإخوان و السلفيين و التكفييرين الذين يقتلون الشعب السوري و يدمرون ممتلكاته و ينتهكون أعراضه . و هنا يطرح السؤال الكبير كيف تدعم السعودية الدولة في مصر ضد ارهاب الإخوان ، و هي نفسها تدعم الإرهابين من الإخوان و سواهم في سورية ضد الدولة ؟ سؤال مثير بحاجة إلى تفسير و تشتد الحاجة إلى التفسير حرصًا على الشعب المصري و حقوقه . و بعده يكون السؤال التالي المهم كيف يمكن أن يفهم هذا ” التناقض الظاهري” بين الموقفين الأميركي و السعودي من تطورات الحالة المصرية ؟ و الكل يعلم مدى الارتهان و التبعية السعودية للقرار الاميركي .

إن منطق الأمور يقود إلى القول بأنه لو كانت السعودية جادة في نصرة الشعوب و الديمقراطية و الإرادة الشعبية لكانت مارست ذلك في البحرين و امتنعت عن إرسال جنودها لقمع الحركة المطلبية السلمية فيها ، كما انها كانت وقفت إلى جانب الحكومة السورية في حربها ضد الإرهاب و منظماته التي أدرجت على لائحة الإرهاب الاميركي و الاوروبي و لما كانت لجأت إلى اسرائيل و عقدت معها الصفقات لتسليح هؤلاء . اما سلوكها في مصر فانه جاء خديعة من الخدع الاميركية الكبرى فرضها فشل الإخوان، ما استتبع تغيير الأدوات و نقل الملف من الثنائي الإخواني قطر- تركيا إلى الاحادية السعودية الوهابية ، و لهذا توزعت الأدوار في المنظومة الجديدة بين اميركا (حامل العصا) و السعودية (حامل الجزرة) ، خطة خبيثة تريد منها اميركا ان تحتوي التحرك الشعبي المصري مرة ثانية كما احتوت عبر الإخوان التحرك الاول في 25 يناير كانون الثاني 2011 ، و تكون السعودية و الحركة السلفية الوهابية التي تقود هي البديل لحركة الإخوان الفاشلة الساقطة في مصر، و هنا تكون الخشية الكبرى على مصر و سيادتها و استقلالها .

إننا و في الوقت الذي نغبط فيه الشعب المصري على وعيه و شجاعته في إسقاط حكم الإخوان الذين وصفتهم جماعة من فقهاء الدين و الشرع الاسلامي في مصر بأنهم ” إخوان مرتدون عن الإسلام ” ، نرى ان تحذر مصر من سياسة الوهابيين، و أن لا تركن لأدوات أميركا و أن تعلم أنها ليست وحيدة في مواجهة الاستعمار الجديد بأدواته و صيغه المتعددة من إخوانية و وهابية و سلفية تكفيرية تقودها الماسونية و الصهيونية ، بل إن قوى المقاومة و السيادة و الحرية و الاستقلال الصحيح إلى جانبها ، و لم يكن ما جرى من إحباط للسعي الأميركي في مجلس الأمن لوضع مصر تحت الفصل السابع و إجهاضه على يد روسيا مؤخرًا إلا أول الغيث .

العميد أمين حطيط / عربية نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*