بدأت بوادر في الإعلام السعودي تشير إلى مدى القلق والتوجس اللذين تبديهما العائلة السعودية الحاكمة من صعود الإسلاميين في البلدان العربية إلى سدة الحكم، لا سيما الذين يستندون إلى مرجعيات تنظيمية وسياسية خاصة بهم، مما يؤذن بأفول نجم هذا النظام الحريص على قيادة الإسلام السني في العالم، واكتساب الشرعية لبقائه في الحكم، من مدى تمثيله لهذه الفئة من المسلمين والتحدث باسمهم، وتوجيه بوصلتهم بالاتجاه الذي يراه الغرب وأمريكا مناسبًا لهم.
والآن ومع ظهور ملامح تكوين سياسة جديدة لأمريكا في المنطقة توحي بقرب إحالة النظام السعودي على التقاعد، والاستغناء عن خدماته بعد أن فقد صلاحياته وصار ” إكسباير” . وبعد أن توصلت أمريكا والغرب لإيجاد بديل مروّض مناسب لتمثيل الإسلام السني، فهِمَ شروط اللعبة، وتعهد بإكمالها بما يرضي حكومة العالم الخفية، أخذت الأصوات السعودية تبدي تذمرها من المستجدات الأخيرة التي تصب في صالح أربابها إلإسلاميين السنة الذين شبّوا عن الطوق ، ووضعوها في دار العجزة مع أولاد عبد العزيز الذين لم يعد يُصلح العطّار فيهم ما أفسد الدهر، وفقدوا دورهم في رعاية الإسلام والمسلمين والتحدث باسمهم.
راح الإخوانيون الجدد يسرحون ويمرحون في ملاعب السياسة بسراويل شرعية إلى ما فوق الركبة، وأخذ آل سعود يرمقون مجدهم الآيل إلى الزوال بعين الأسى، ولسان حالهم يخاطب “الإخوان المسلمين” عبر أبواقهم الإعلامية، قائلًا: “علمناكم الشحاتة فسبقتمونا إلى الأبواب”.
وفي ما يلي أنموذج لهذا التوجه الجديد، وهو مقال لكاتب سعودي اسمه “خالد سيف” نشره في صحيفة “الشرق” السعودية، وأعاد نشره موقع “العربية” المملوك لآل سعود بعنوان : “المطر: مطر أمريكا … والربيع : ربيع الإخوان” . نعيد نشره بالنص:
كانت :«جماعة ُ الإخوانِ» إلى ما قبلَ الثورة بسنواتٍ جِدّ قليلة؛ كانت مهددةً بأن تموتَ (ولو سرِيريّاً)! عطفا على جملةٍ من أسبابٍ بنيويّةٍ ودراميكيّةٍ، ويأتي على هرم هذه الأسبابِ فيما أحسَبُ:
موتُ شخصيّاتِها الكاريزميّة* *خفوت بل انطفاءُ توهّجِ: “كُتَلِها التاريخيّةِ”
*انشقاقُ المبرّزين من أبناء الحركةِ.
*هشاشةُ البناء في البعدين الشرعي والسياسيّ وذلك عقب متواليات دراسات جادةٍ اشتغلتْ على نقد الحركةِ من الداخلِ. وثمة أسباب وجيهة لا تقل جدارةً عما ذكرت ُ كانت هي الأخرى ستُسأل عن سبب: «موتِ» هذه الحركة/ الجماعة.
غير أنّه كانَت لـ «أمريكا» مشيئة أخرى في انبعاثِ: «الجماعة/ الحركةِ» من باطنِ الأرضِ وأخاديدها، ولن يقودها – كما سنعرفُ بعداً – هذا الانبعاثُ إلى الحياة إذ تدبُّ على سطحِ الأرض وحسب، وإنما انتهى بها هذا: «البعثُ الأمريكيُّ» الذي ما أخالها تجهلهُ؛ انتهى بها إلى أنْ تعتلي: «الجماعةُ» كراسيَّ جمهوريات في الوطن العربي بحيثُ هي من سيدير دفّةَ الحكمِ باطناً وظاهراً.الأمر الذي شهدنا مسرحةَ أحداثهِ في كلٍّ من: «تونس» و«مصر» وتأتي ثالثاً :«ليبيا» دون أن تكتملَ لها الحصة ُ كلّها؛ في حين أن الطريقَ للإخوان ِ قد تعثر كثيراً في: «اليمن»؛ بينما ما من شيءٍ يمكِنهُ أنْ يفصلَ الإخوان عن ولايةِ أمرِ: «سوريا» سوى هلاكِ بشارٍ أو هروبهِ! وبصرفِ النظرِ عمّا للحركة/ الجماعة مِنْ «أدبيات ظاهرةٍ» في التعامل مع الآخرِ فإنها – أي الجماعةُ – تتوافر على مكرٍ/ دهاءٍ يمنعُهَا بالضرورةِ مِنْ أن تتفاوضَ على طاولةٍ واحدة في البيت الأبيضِ مع الشيطان الأكبرِ وقبالةِ الملأِ الفضائيّ، ومِن شأنِ هذا التفاوضِ العلنيِّ – لو أنّهُ كانَ – أن يثيرَ شبهاً ويخلقَ مناخاتٍ من اهتزازِ الثقة بالتنظيم العالميِّ وقياداتِهِ!؛ معَ أنّهم لن يلبثوا سوى أشهرٍ معدودةٍ حتى يكون أمرُ «الصداقة الحميميةِ» وما يحفُّ بها عادةً من خبرِ العناقِ والأخذِ بالأحضانِ في الهواء الطلق دون استتارٍ أو وجلٍ حيث باحة البيت الأبيض!؛ بحسبانهم حينذاك حكومةً/ لا حركة ً ولا جماعةً.!
ولا مشاحةَ في أنّ الإخوان َ يتمتعونَ بذكاءٍ فطريٍّ يمنعهم من القبول في أن يأتوا للحكمِ بـ: «مصر» مثلاً محمولين على ظهرِ دبابة أمريكية، فضلا عن أن أمريكا ذاتها لا تودّ تكرارَ تجاربها الفاشلة ولعلّ آخرها ما كانَ في العراق.
وإذن.. فلئن لم يكن ثمّة تفاوضٌ علني مفضوح يأتي بهم للسلطةِ، ولا العصرُ عصرَ انقلاباتٍ قادتُها يمتطون صهوة الدبابةِ الأمريكية نحو القصر الجمهوريِّ، وبما أن الزمنَ نعيش في أعطافهِ احتفالية: «موضة الديمقراطيات» فإنه على تكييف هذه الحالةِ لابدّ من أن يُصارَ إلى استثمارِ: «الشعب» الغاضب جراء طغيان حكوماته الدكتاتورية فكانت الثورات منقذاً للمسارعةِ في تنزيل: «سيناريوهات أمريكا» على أرضِ الواقع للتخلص بادي الأمر من: «رؤساء» قد بدو للملأ كلّه وقد انتهت صلاحياتهم، وما عادت لهم أدنى قيمة في البقاء على خشبة: «المسرح» ليسوا وحدهم، وإنما بصحبة ذويهم وفلولهم، ولتُغْلَقْ من ثم دكاكين: «أحزابهم»، ويحسب الشعبُ إذ ذاك أنها إرادتُهُ في: «تغيير الأنظمةِ وإسقاط الرؤساء»! وفعلا قد ظنَّ الناس بادي الرأيِّ أنّ: «صناديقَ» الاقتراع وحدَها مَن جاءت بـ: «الإخوان»، وأن: «الشعب» بمحض اختيارهِ هو من جلبَهم للقصر الجمهوريّ!. في الأثناء التي ترقبُ فيه سفيرة أمريكا المشهدَ كلّه وعن كثب وذلك في كلّ دولة من الدول التي طاولَها التغيير.
وأمريكا ليست طارئةً على مثل هذا الفعل إذ لها تجاربها المماثلة كما كان قبلا في: «الفلبين» وفي: «إيران» إذ ضحّت بحلفائها وآثرت كما هو شأنها دائما آثرت مصالحها على أيّ خيارٍ ثانٍ، فلم يكن ثمة مناص من أن تفعل ما تمليه عليها مصالحها وليس شيئا آخر، وذلك وَفق مقتضيات متغيرات المرحلة إلا أنّهُ في نوبَتِنا العربيّة هذه لم يكن التغييّر في: «مراكز اللعبة» واختلافِ الأدوار وطريقةِ الأداء!، وإنما التغيير مرّتنا هذهِ كانَ في أصول اللعبة.
وبما مضى لعله يسعُنا القولُ: إنّ أمريكا قد اطمأنت كثيراً إلى أكوامٍ من: «شهادات حسنِ السيرةِ والسلوكِ» التي ما برحت: «الجماعةُ» ومثيلاتُها من بعض الحركات الإسلامية وهي تقدّمها لـ: «أمريكا» تباعاً باعتبارها قد كفّت عن: «العنف» بشقيه اليدوي/ والفكري، وأنّها «أنْسنت» خطابها، ولم يعدْ لديها آخر، ولا تجد أدنى غضاضةٍ في أن تتقاسم حجّها ما بين الكعبةِ بأستارها السوداء و بين البيت ذي الجدران البيض. المهم أن تخوّلها شهادات حسن السيرة والسلوكِ من دخول: «نادي أمريكا» ويبدو أن هذا هو ما قد كان.