أول قمة أوروبية دون بريطانيا

369

_88336322_f9e11418-8e48-44dc-a150-8f6b7c5931d0يجتمع قادة دول الاتحاد الأوروبي الـسبع والعشرون في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا اليوم بهدف إعادة بعثه بعد الاستفتاء الشعبي البريطاني القاضي بخروج البلاد من الاتحاد.

وتشكّل هذه القمة محطة هامة في تاريخ الاتحاد الأوروبي فهو أول اجتماع لقادته لن تحضره بريطانيا منذ 43 عاماً، كما أنه أكثرها توتراً منذ تأسيسه بفعل التهديدات الأمنية التي عصفت وما زالت تعصف به مع تزايد نشاط تنظيم داعش على أراضيه، إلّا أن أهم ما يمكن ملاحظته عشية انعقاد القمة هو المناخ السلبي الذي يسود أوروبا، فحجم الهوّة بين دول الشمال “الثرية” ودول الجنوب “الفقيرة” ما فتأت تتوسع، وكذلك بين غربه وشرقه على إثر أزمة تدفق اللاجئين. سنعرض في هذا المقال أهم بنود أجندته، ومدى نجاح مؤتمريه في الخروج بخارطة طريق عملية للمرحلة المقبلة من حياة الاتحاد.

أجندة قمة براتيسلافا

يمكن اختصار الأهداف التي رسمها رئيس الاتحاد الأوروبي السيد دونالد تاسك للقمة بكلمة واحدة، الاتحاد! إلّا أن زيارته المكوكية للعواصم الأوروبية قبيل الاجتماع تشير بشكل واضح إلى انخفاض رصيد الثقة بين دول الأعضاء، فدول الشرق وعلى رأسها بولندا وهنغاريا مستاءتان من محاولات بروكسل وبرلين في فرض سياسات تحديد حصص إيواء اللاجئين، كما أنهم ضاقوا ذرعاً بتصريحات نظرائهم التي تصف سياساتهم القومية المناهضة للهجرة بـ “الخرق” للقيم المؤسسة للاتحاد. وكذا يتكرر مشهد مشابه في تململ دول الشمال وعلى رأسها ألمانيا وهولندا من فشل السياسات الاقتصادية لدول الجنوب وبوجه أخض اليونان.

وأمام هذه التحديات لم يجد دونالد تاسك بدّاً من الاتّكاء على ما يجمع دول الأعضاء وهو الجانب الأمني، ولقد وعد في نص الدعوة التي وجهها لقادة دول الأعضاء لحضور القمة، بجعلها نقطة تحول تاريخية في حماية حدود الاتحاد. ومن المترقب أن يُطرح رفع ميزانية قوة الـ “فرونت إكس” وتزويدها بمعدّات وتقنيات تعقب حديثة بالإضافة إلى إرسال قوات جديدة لحراسة الحدود التركية البلغارية، ورفع جاهزية خفر السواحل.

وإذ يأمل تاسك بتهيئة مناخ إيجابي حول الحلول الأمنية المقترحة سيسعى بدوره لحلحلة بعض القضايا العالقة على الصعيد الاقتصادي، حيث سيطرح في القمة خارطة طريق لخلق وظائف وفرص جديدة في سوق العمل لفئة الشباب ورواد الأعمال، كما سيدفع لإنجاز اتفاق التعاون الاقتصادي الكندي الأوروبي CETA.

ومصداقاً لنهج تجنب ما يغضب دول الأعضاء، سيستمر تاسك في الهروب من ضرورة إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تهدد وحدته، وهي:

  1. إلزام اليونان بتسديد ديونها وإعادة تأهيلها اقتصادياً وفق السياسات الأوروبية

  2. إقناع ألمانيا وهولندا بإعادة إقراض الدول المتعثرة الأخرى كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.

  3. إقرار خطة الصندوق الأوروبي التعاوني للتأمين التي تعارضه برلين مالم تلتزم الدول المستدينة.

  4. فرض تحديد حصص إيواء اللاجئين الذي تعارضه الدول المتجانسة عرقياً ومذهبياً في أوروبا.

خروج بريطانيا

على الرغم من هول الحدث وما تبعه من موجات ارتدادية على صعيد العواصم الأوروبية الأخرى والتي بدأت تشهد دعوات مماثلة لا سيّما من قبل الأحزاب القومية، إلّا أنه لن يتم مناقشة شروط أو شكل خروج بريطانيا في هذه القمة، فالقاعدة التي تعمل وفقها رئاسته تقول “لا حديث عن مفاوضات قبل إشعار الخروج”. وهذا ما تتجنبه الحكومة البريطانية الحالية حيث تسعى لإشراك الاتحاد في تحمل أعباء خروجها السياسية والاقتصادية معها من خلال مناقشة شروط الخروج وشكل التعاون الجديد بآن واحد معاً. وعلى الرغم من تفاوت الآراء حول تفاصيل اتفاق التعاون المستقبلي مع لندن، خصوصاً حول بنود حرية التنقل والإعانات الاجتماعية لرعايا دول الأعضاء في بريطانيا، إلّا أن الدول ذات النفوذ الأوسع في الاتحاد وبشكل أخص ألمانيا مصرّة على عدم القبول بصيغة اتفاق تكون محصلته أفضل لبريطانيا من بقائها فيه، وذلك سعياً لإيصال رسالة واضحة لكل من يسعى لتكرار التجربة البريطانية مفادها أن عواقب الخروج أكبر من فوائده.

نتائج قمة براتيسلافا المتوقعة

ستعتمد نتائج القمة بشكل كبير على مدى قدرة الدول الأساس في الاتحاد على التعامل مع مخاوف الدول الأخرى، وذلك إمّا من خلال وضع الخلافات الحالية جانباً أو تأجيل نقاشها ريثما يتم العمل على تنفيذ أهداف الاتحاد وما يتبعه من تكامل حقيقي على جميع المستويات، أو من خلال تبني حزم من السياسات الصارمة التي قد ينتج عنها خروج عدد آخر من الدول مستقبلاً ولكن ستحافظ على نواة أصلب للاتحاد.

تشير مساعي دونالد تاسك الأخيرة نحو تبني النهج الأول أو على الأقل البدء فيه، ولذا فنجاح القمة ممكن فيما تم تصدير رسالة موحِدة مفادها أن ازدهار أوروبا ممكن بدون بريطانيا، وأن الأزمات التي عصفت بها مؤخراً ليست غير امتداد للأزمات الدولية وبروكسل ليست مسؤولة عنها بقدر ما هي مسؤولة عن محاولة إيجاد حلول ناجعه لها. والأمر الأخير يقتضي الشراكة مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى وعلى رأسها روسيا وتركيا لا عزلها ومواجهتها كما دأبت على عمله في الماضي.

وعلى النقيض فإن فشل القمة سيترجم بتكرار الصور التذكارية لقادة الدول الأعضاء، ولكن على ضفاف نهر الدانوب هذه المرّة، فيما تسوء أزمة دول الجنوب الاقتصادية، ويزداد حجم الهوّة بين دول الشرق والغرب، وتتفاقم مشاكل إدارة احتواء اللاجئين، ولكن دون إيجاد المبررات الكافية لدول الأعضاء في تحقيق التكامل الذي طالما ادّعى الاتحاد سعيه لتحقيقه.

سنان حتاحت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*