Take a fresh look at your lifestyle.

من المفاهيم التربوية في أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام)

0 769

من مرويات الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
التي وصلت إلينا أحاديثه المأثورة عنه المكتنزة بالحِكَم والقيم والمفاهيم التربوية التي يحتاجها الإنسان المسلم في كل زمان ومكان، ويمكن تلمس هذه القيم والمفاهيم التربوية بالآتي:
1-البر وصلة الأرحام: وهما قيمتان تربويتان ضروريتان لبناء الفرد وصيانة المجتمع فهما في نظر الإمام الصادق (عليه السلام) يهونان الحساب يوم القيامة ويعصمان من الذنب فقد ورد عن إسحاق بن عمار قال: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ والْبِرَّ لَيُهَوِّنَانِ الْحِسَابَ ويَعْصِمَانِ مِنَ الذُّنُوبِ فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وبَرُّوا بِإِخْوَانِكُمْ ولَوْ بِحُسْنِ السَّلَامِ ورَدِّ الْجَوَابِ)(1).
وفي حكمة أخرى للإمام يربط بر الأبناء ببر الآباء وعفة النساء بالتعفف عن نساء الناس في قوله (عليه السلام): (بَرُّوا آبَاءَكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وعِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ)(2).
ومن البر الدعوة إلى المبادرة للخير انطلاقاً من قوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد: 21) يكون الإنسان في دعوة دائمة لأن يسارع إلى الخير كلما تمثّلت أمامه فرص الخير وألّا يسوف ذلك ويؤخره؛ لأن الخير فرصة عليه ألّا يضيعها، لذلك لا بدّ للإنسان من أن يكون مستنفراً للخير بحيث يعيش حالة طوارئ(3). قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِخَيْرٍ فَلَا يُؤَخِّرْه فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا صَلَّى الصَّلَاةَ أَوْ صَامَ الْيَوْمَ فَيُقَالُ لَه اعْمَلْ مَا شِئْتَ بَعْدَهَا فَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ)(4)، وقال (عليه السلام)
أيضاً: ( كَانَ أَبِي يَقُولُ إِذَا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَبَادِرْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا يَحْدُثُ)(5) فإذا فكّر العبد بأن يتصدق أو أن يقضي حاجة مؤمن أو أن يدخل السرور على قلب إنسان أو يصلي أو يصوم فعليه أن يبادر إلى هذا العمل فربما تكون هذه الساعة من الساعات التي يجري الله فيها نفحاته على عباده فيغفر الله له في هذه الساعة بوساطة هذه النفحات الربانية(6) فهو (عليه السلام) القائل: (إِذَا أَرَدْتَ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ فَلَا تُؤَخِّرْه فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصُومُ الْيَوْمَ الْحَارَّ يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللهِ فَيُعْتِقُه اللهُ بِه مِنَ النَّارِ ولَا تَسْتَقِلَّ مَا يُتَقَرَّبُ بِه إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ولَوْ شِقَّ تَمْرَةٍ)(7) فالله تعالى لا يضيع جهد الإنسان العامل (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:8،7) (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله) (البقرة:197)، وكذا قوله (عليه السلام): (مَنْ هَمَّ بِخَيْرٍ فَلْيُعَجِّلْه ولَا يُؤَخِّرْه فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَمَلَ فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى قَدْ غَفَرْتُ لَكَ ولَا أَكْتُبُ عَلَيْكَ شَيْئاً أَبَداً ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَا يَعْمَلْهَا فَإِنَّه رُبَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ السَّيِّئَةَ فَيَرَاه اللهُ سُبْحَانَه فَيَقُولُ لَا وعِزَّتِي وجَلَالِي لَا أَغْفِرُ لَكَ بَعْدَهَا أَبَداً)(8).
2- الحث على الصدقة: تعد الصدقات (من أعظم القربات إلى الله وأحبها إليه، وهي بذاتها عمل إنساني فاضل ومشاركة عملية يمارسها الإنسان في تخفيف آلام الفقراء والمعوزين ممن لم تسعهم قدراتهم المعاشية فقصرت بهم خطى العمل عن أن تستوعب احتياجاتهم وضروراتهم الحياتية)(9)،
وتعدّ أيضاً من التكافل الاجتماعي الخاص الذي دعا إليه الإسلام وحثّ عليه، وفيه استحباب مؤكد لتحقيق هذا المبدأ بالقدر الذي يتناسب مع الظروف المعاشة لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي بل فيه وجوب ولائي أكده أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تشخيصاً لطبيعة الواجبات الاجتماعية التي لم يكن بدّ لأفراد المجتمع المعاصر من الالتزام بها فهو ليس واجباً ثابتاً في أصل الشريعة بيد أنه واجب يضعه ولي الأمر ضمن الصلاحيات والمسؤوليات العامة التي يتحملها تجاه المجتمع، والمصالح التي يشخصها لتحقيق الضمان الاجتماعي للفقراء(10).
وينطلق أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم الإمام الصادق (عليه السلام) من مبدأ قرآني في الحث على الصدقة امتثالاً لآيات قرآنية تحث على الصدقة، من ذلك قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة: 271)، وقوله: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَالله لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة: 276)، وقوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة: 104) ففي تراث الإمام الصادق (عليه السلام) الكثير من الأقوال التي تحث على الصدقة، من ذلك قوله: (إنّ صدقة النهار تميث الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب جل جلاله)(11)، ومثله قوله: (إِنَّ صَدَقَةَ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وتَمْحُو الذَّنْبَ الْعَظِيمَ وتُهَوِّنُ الْحِسَابَ وصَدَقَةَ النَّهَارِ تُثْمِرُ الْمَالَ وتَزِيدُ فِي الْعُمُرِ)(12)، وكذا قوله (الصدقة في السر واللَّه أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك واللَّه العبادة في السر أفضل منها في العلانية)(13)، وقوله في المتاجرة بالصدقة: (إني لأملق أحيانًا فأتاجر الله بالصدقة)(14)، وقوله: (أنفق وأيقن بالخلف، وأعلم أنه من لم ينفق في طاعة الله ابتلى بأن ينفق في معصية الله عز وجل، ومن لم يمشِ في حاجة ولي الله ابتلى بأن يمشى في حاجه عدو الله عز وجل)(15).
على أنّ الله لا يحتاج إلى إنفاق الصدقة ولا إلى منفقها؛ لأنه تعالى قادر على إغناء الناس فلا يكون فقير واحد محتاجاً إلى الإنفاق لكنه سبحانه جعل البعض فقيراً والآخر غنياً، ومحتاجاً ومنفقاً؛ لكي يكون هناك امتحان وتربية(16).
3- النصيحة لله تعالى: الأمر بالنصيحة هو الإخلاص في التعامل مع المسلمين، والنصح لهم في أداء الأعمال، وتقديم النصيحة لهم والحث على قبولها والرضا بها، والشكر عليها إذا كان فيها تشخيص لعيوب الإنسان، وهو مبدأ من شأنه أن يقوي العلاقات بين الأفراد، وتصنع لها القاعدة القوية القائمة على الإحساس بالمسؤولية والثقة والتفاهم للوصول إلى الحقيقة، ويتم ذلك وفق قواعد الحكمة والموعظة الحسنة(17). قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُنَاصِحَه)(18)، وكذا في قوله: (يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ النَّصِيحَةُ لَه فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ)(19)، وكذا في قوله: (عَلَيْكُمْ بِالنُّصْحِ لِلهِ فِي خَلْقِه فَلَنْ تَلْقَاه بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْه)(20)، وقوله: (لا يستغنى المؤمن عن خصلة وبه الحاجة إلى ثلاث خصال، توفيق من الله عز وجل، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه)(21).
4- إصلاح ذات البين: لا يخفى ما لإصلاح ذات البين من آثار في توطيد العلاقات الاجتماعية وتقويتها، وإزالة العوائق والمشاكل(22)، وقد ورد الحث على هذا المفهوم في حديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
ومن ذلك وصف الإمام الصادق(عليه السلام) لإصلاح ذات البين بأنها صدقة يحبها الله تعالى في قوله: (صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا اللهُ إِصْلَاحٌ بَيْنِ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وتَقَارُبٌ بَيْنِهِمْ إِذَا تَبَاعَدُوا)(23) بل هي أحب عنده من الصدقة في قوله (عليه السلام):
(لَئِنْ أُصْلِحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارَيْنِ)(24).
ولعل الإمام الصادق (عليه السلام) قد استوحى هذا المفهوم من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم في قوله: (أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وِلْدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَه كِتَابِي بِتَقْوَى الله ونَظْمِ أَمْرِكُمْ وصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ والصِّيَامِ)(25).
ولما كان الكذب من أعظم المحرمات، ودور إصلاح ذات البين في توطيد دعائم المجتمع فقد جوّز الشارع المقدّس الكذب في مقام الإصلاح بين المؤمنين فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (الْكَلَامُ ثَلَاثَةٌ صِدْقٌ وكَذِبٌ وإِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاسِ، قِيلَ لَه: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ؟ قَالَ: تَسْمَعُ مِنَ الرَّجُلِ كَلَاماً يَبْلُغُه فَتَخْبُثُ نَفْسُه فَتَلْقَاه فَتَقُولُ سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ قَالَ فِيكَ مِنَ الْخَيْرِ كَذَا وكَذَا خِلَافَ مَا سَمِعْتَ مِنْه)(26).
5- التراحم والتعاطف والتواصل والتزاور: أخذ الإمام الصادق(عليه السلام) هذه المفاهيم من القرآن الكريم فقد وصف الله تعالى الجماعة الصالحة من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم رحماء بينهم في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (الفتح:29)، وأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (المائدة:54)، وأن بعضهم أولياء بعض، في قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (التوبة:71)؛ لذا أفاد الإمام الصادق(عليه السلام) من هذه المفاهيم القرآنية موجباً عليهم الاجتهاد في التواصل والتعاطف والتزاور والتراحم في ما بينهم في قوله: (يَحِقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّوَاصُلِ والتَّعَاوُنُ عَلَى التَّعَاطُفِ والْمُوَاسَاةُ لأَهْلِ الْحَاجَةِ وتَعَاطُفُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكُونُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ رُحَمَاءَ بَيْنَكُمْ مُتَرَاحِمِينَ مُغْتَمِّينَ لِمَا غَابَ عَنْكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْه مَعْشَرُ الأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله))(27).
وكذا قوله: (تَوَاصَلُوا وتَبَارُّوا وتَرَاحَمُوا وتَعَاطَفُوا)(28)، وقوله: (كُونُوا إِخْوَةً بَرَرَةً مُتَحَابِّينَ فِي اللَّه مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ)(29)،
وقوله: (تَزَاوَرُوا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِكُمْ إِحْيَاءً لِقُلُوبِكُمْ وذِكْراً لأَحَادِيثِنَا وأَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِهَا رَشَدْتُمْ ونَجَوْتُمْ وإِنْ تَرَكْتُمُوهَا ضَلَلْتُمْ وهَلَكْتُمْ فَخُذُوا بِهَا وأَنَا بِنَجَاتِكُمْ زَعِيمٌ)(30).
6- الخوف من الله: يبدو من كلام الإمام الصادق (عليه السلام) أن من يخاف الله يجعل الجميع خائفاً منه، ومن لم يخف الله يجعله خائفاً من الجميع. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (مَنْ خَافَ اللهَ أَخَافَ الله مِنْه كُلَّ شَيْءٍ ومَنْ لَمْ يَخَفِ الله أَخَافَه الله مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(31).
وعنه (عليه السلام) قال: (يَا إِسْحَاقُ خَفِ الله كَأَنَّكَ تَرَاه وإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاه فَإِنَّه يَرَاكَ فَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّه لَا يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ وإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّه يَرَاكَ ثُمَّ بَرَزْتَ لَه بِالْمَعْصِيَةِ فَقَدْ جَعَلْتَه مِنْ أَهْوَنِ النَّاظِرِينَ عَلَيْكَ)(32).
7- رعاية الوالدين ولو كانا كافرين: الوالدان نعمة إلهية كبيرة علينا رعايتها وصونها وتقديسها وتمجيدها في كل حال من الأحوال بل علينا رعاية الوالدين ولو كانا كافرين فعن زكريا بن إبراهيم قال: (كُنْتُ نَصْرَانِيّاً فَأَسْلَمْتُ وحَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ وإِنِّي أَسْلَمْتُ،…. إِنَّ أَبِي وأُمِّي عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ وأَهْلَ بَيْتِي وأُمِّي مَكْفُوفَةُ الْبَصَرِ فَأَكُونُ مَعَهُمْ وآكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَقَالَ: يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ؟ فَقُلْتُ: لَا ولَا يَمَسُّونَه، فَقَالَ: لَا بَأْسَ فَانْظُرْ أُمَّكَ فَبَرَّهَا فَإِذَا مَاتَتْ فَلَا تَكِلْهَا إِلَى غَيْرِكَ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تَقُومُ بِشَأْنِهَا ولَا تُخْبِرَنَّ أَحَداً أَنَّكَ أَتَيْتَنِي ….، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ أَلْطَفْتُ لأُمِّي وكُنْتُ أُطْعِمُهَا وأَفْلِي ثَوْبَهَا ورَأْسَهَا وأَخْدُمُهَا، فَقَالَتْ لِي: يَا بُنَيَّ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِي هَذَا وأَنْتَ عَلَى دِينِي، فَمَا الَّذِي أَرَى مِنْكَ مُنْذُ هَاجَرْتَ فَدَخَلْتَ فِي الْحَنِيفِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ نَبِيِّنَا أَمَرَنِي بِهَذَا، فَقَالَتْ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ نَبِيٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا ولَكِنَّه ابْنُ نَبِيٍّ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّ هَذَا نَبِيٌّ، إِنَّ هَذِه وَصَايَا الأَنْبِيَاءِ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّه إِنَّه لَيْسَ يَكُونُ بَعْدَ نَبِيِّنَا نَبِيٌّ ولَكِنَّه ابْنُه، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ دِينُكَ خَيْرُ دِينٍ، اعْرِضْه عَلَيَّ، فَعَرَضْتُه عَلَيْهَا فَدَخَلَتْ فِي الإِسْلَامِ وعَلَّمْتُهَا فَصَلَّتِ الظُّهْرَ والْعَصْرَ والْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَعِدْ عَلَيَّ مَا عَلَّمْتَنِي، فَأَعَدْتُه عَلَيْهَا، فَأَقَرَّتْ بِه ومَاتَتْ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ غَسَّلُوهَا وكُنْتُ أَنَا الَّذِي صَلَّيْتُ عَلَيْهَا ونَزَلْتُ فِي قَبْرِهَا..)(33).
نستدل من هذه القصة أننا ينبغي أن نحسّن أخلاقنا مع المؤمنين والكافرين حتى نعكس الصورة المثلى والمشرقة عن الإسلام؛ لأن الناس إذا رأوا منّا الأخلاق الطيبة والسلوك الحسن فإن ذلك يكون خير دعوة للإسلام، فإمامنا الصادق (عليه السلام) يقول: (كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِالْخَيْرِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الِاجْتِهَادَ والصِّدْقَ والْوَرَعَ)(34)، ويقول أيضاً: (كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينًا علينا وأمرونا بأن نفعل ما يقال لأجله رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه)(35).
8- الأخوة: انطلق الإمام الصادق (عليه السلام) لتأسيس نظرية في الأخوة الإيمانية من منظور قرآني، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10)، ولعل عناية الإمام الصادق (عليه السلام) بالأخوة دليل على اتجاهه نحو إيجاد مجتمع أو جماعات تتآخى في الإسلام(36) إذ إنّ الهدف من وراء العلاقات الاجتماعية ترسيخ دعائم المجتمع الإسلامي وتقوية البنية الاجتماعية للسير في طريق التكامل الاجتماعي، وتحقيق أسباب القوة والعدل والرفاه والاستقرار، ومواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية وحلها فضلاً عن التكامل الذاتي في حركة الفرد الإنساني نحو الله تعالى(37)،
ولذلك يوصينا الإمام الصادق (عليه السلام) بالإكثار من الإخوان؛ لأنّ المرء كثير بأخيه، فقال (عليه السلام)
(أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فحوائج يقومون بها ، وأما في الآخرة فان أهل جهنم قالوا: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (الشعراء: 100ـ 101))(38)، وقال(عليه السلام) أيضًا: (استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة)(39)>

 

أ.م.د خليل خلف بشير
جامعة البصرة – كلية الآداب

نشر في العدد 70

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) الكافي / الكليني 2/157.
2) بحار الأنوار / المجلسي 68/270.
3) ينظر: في رحاب أهل البيت (عليهم السلام) / السيد محمد حسين فضل الله 2/215.
4) هداية الأمة إلى أحكام الأئمة 1/46.
5) المصدر نفسه، المكان نفسه.
6) ينظر: في رحاب أهل البيت (عليهم السلام) 2/215.
7) الوافي 4/380.
8) الكافي 2/143.
9) موسوعة المصطفى والعترة – الصادق جعفر – القسم الأول 9/112.
10) ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة / شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم 1/426-429.
11) الأمالي / الشيخ الصدوق 449.
12) الكافي 4/9.
13) الوافي / الفيض الكاشاني 10/402.
14) بحار الأنوار / المجلسي 75/206.
15) من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق 4/412.
16) ينظر: العلم النافع سبيل النجاة / السيد صادق الشيرازي 96.
17) ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة 2/22.
18) الكافي 2/208.
19) المصدر نفسه، المكان نفسه.
20) الكافي 2/208.
21) المحاسن / أحمد بن محمد بن خالد البرقي 2/604.
22) ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة 2/24.
23) الكافي 2/209.
24) ن.م
25) نهج البلاغة 3/77.
26) الكافي 2/341.
27) الكافي 2/174.
28) الكافي 2/175.
29) هداية الأمة إلى أحكام الأئمة/ الحر العاملي 5/182.
30) مرآة العقول/المجلسي/ج9 ص84.
31) الوافي 4/288، وينظر: هداية الأمة إلى أحكام الأئمة 5/540.
32) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار / علي الطبرسي 212.
33) الوافي 5/499.
34) وسائل الشيعة (آل البيت) / الحر العاملي 12/162.
35) أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين 10/374.
36) ينظر: الإمام جعفر الصادق 325.
37) ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة 1/476.
38) وسائل الشيعة/ج8ص408.
39) المصدر نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.