مما لا ريب فيه أن الله سبحانه وتعالى خلق الحياة الدنيا وجعلها دار ابتلاء للإنسان، فإن عمل خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والابتلاء الأكبر فيها هو الجهاد في سبيل الله عز وجل، فتكون ساحة الجهاد المحك الأكبر في الدنيا، وللمجاهد أحدى الحُسنيين إما النصر أو الشهادة، فبالنصر ينعم بالعيش الهانئ الخالي من الخنوع والذلة، وبالشهادة يكون له الخلاص من الخطر الذي خرج مقاتلًا من أجله، وكذلك فإنه يحظى بالكرامة العظمى عند الله سبحانه وتعالى، وتكون آثار جهود وتضحيات الشهداء محفوظة عند الله في هذه الدنيا، من خلال الحفاظ على المقدسات، وليس كل شخص يصل إلى درجة الشهيد، لذا أولى الإسلام مكانة خاصة للشهداء، ففي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (فوق كل برٍ بِرْ حتى يقتل الرجل في سبيل الله عز وجل، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر)(1)، وغير ذلك مما توضحه المصادر الإسلامية في مقام الشهداء، وتحكي عظمة عملهم، وما هو بصدد البحث هو هل يُنعُّم الشهيد براحة في حال شهادته وقبض روحه مع ما يلاقيه من قتل وتقطيع للأوصال؟ ليكون ذلك مما يُرغب به المؤمن حسيّاً عند الموت؟
والإجابة على ذلك تكون بالرجوع إلى أنّ إطلاق كلمة الشهيد ـ من مادة الشهود ـ على هؤلاء، إمّا لحضورهم في ميدان الجهاد ضد أعداء الحق، أو لأنّهم يشاهدون ملائكة الرحمة لحظة شهادتهم، أو لمشاهدتهم النعم العظيمة التي أُعدّت لهم، أو لحضورهم عند الله، كما جاء في الآية الشريفة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(آل عمران:196)، وقلّ من يصل إلى درجة الشهيد في الإسلام)(2).
وقد أثبت القرآن الكريم للمجاهدين موتاً ظاهراً بقوله: (قُتِلُوا) ونفى عنهم الموت الحقيقي بقوله: (بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فعلِمنا أنّهم وإن كانوا أموات الأجسام فهم أحياء الأرواح، حياة زائدة على حقيقة بقاء الأرواح، غير مضمحلّة بل هي حياة بمعنى تحقّق آثار الحياة لأرواحهم من حصول اللذّات والمدركات السارّة لأنفسهم، ومسرّتهم بإخوانهم، ولذلك كان قوله: (عِنْدَ رَبِّهِمْ) دليلاً على أنّ حياتهم حياة خاصّة بهم، ليست هي الحياة المتعارفة في هذا العالم، من حياة الأجسام وجريان الدم في العروق ونبضات القلب، ولا هي حياة الأرواح الثابتة لأرواح جميع الناس، وكذلك الرزق يجب أن يكون ملائماً لحياة الأرواح وهو رزق النعيم في الجنّة(3).
وفي حديث مفصل في شأن مقام الشهداء مروي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له، إذ قام إليه شاب فقال: (يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله. فقال (عليه السلام): كنت رديف رسول الله (صلى الله عليه وآله)على ناقته العضباء ونحن منقلبون عن غزوة ذات السلاسل، فسألته عما سألتني عنه، فقال:… (وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) قول النبي (صلى الله عليه وآله) في أجر نيَّة الغزاة واستعدادهم مرورًا بوداع أهلهم وصولًا إلى مواجهتهم العدو، وسقوطهم بأرض المعركة) إلى أن قال (عليه السلام): فينادي منادٍ: الجنة تحت ظِلال السيوف، فتكون الطعنة والضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف، وإذا زال الشهيد من فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتى يبعث الله إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد الله له من الكرامة…)(4).
وموطن الشاهد في الرواية، هو أن الشهيد ليس فقط لا يحس بآلآم الطعنات والضربات فحسب! بل إنه يلتذ بها كما يلتذ شارب الماء البارد في اليوم الصائف على حد تعبير النبي (صلى الله عليه وآله)، أي: إن الذي يشرب الماء البارد مع شدة الحرارة يكون متلهفًا للماء ومشتاقًا له، كذلك حال الشهيد لمّا يُقتل في سبيل الله، وأي ترغيب جميل محسوس كهذا الترغيب؟
والشهداء يقتلون وتفارقهم الحياة الفانية كما تبدو لنا من ظاهرها، ولكن لأنهم قتلوا في سبيل الله، وتجردوا له من كل الأعراض والأغراض، واتصلت أرواحهم بالله، فإن الله – سبحانه – يخبرنا في الخبر الصادق أنهم ليسوا أمواتاً، وينهانا أن نحسبهم كذلك، ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده، ويخبرنا بما لهم من خصائص الحياة الأخرى، كونهم يرزقون فيتلقون رزقه، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، فيوصل إليهم أنواع الفرح والسرور والبشارة وأنهم لا يخافون ولا يحزنون، وإن هذا النص كفيل بأن يغير مفاهيمنا للموت والحياة وما بينهما من انفصال والتئام، ويعلمنا أن الأمور في حقيقتها ليست كما هي في ظواهرها التي ندركها(5).
وكذلك عبر عن الشهداء بأنهم لا يصيبهم خوف ولا حزن، قال تعالى: (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(آل عمران:170)، وجاء في تفسير الخوف والحزن، أن الأول يكون بسب المستقبل، والثاني يكون بسبب فوات المنافع في الماضي، فلا خوف عليهم فيما سيأتيهم من أحوال القيامة، ولا حزن لهم فيما فاتهم من نعيم الدنيا(6)، وقد تضمنت هذه الآية جميع ما أعدّ الله لأوليائه، لأن زوال الخوف يتضمن السلامة من جميع الآفات، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللذَّات والمرادات(7)، فيكون موت المؤمن المتقي يمثل له مصداقاً من مصاديق الترغيب الحسي في الحياة الآخرة.
الترهيب الحسي الحاصل في الموت
المُلاحظ أن القرآن الكريم يُبيّن أن الموت إما أن يكون عنصرًا من عناصر الترغيب الحسي أو الترهيب الحسي، فهو رحمة لما فيه من الراحة والاطمئنان الذي تنشره الملائكة للمؤمنين، وهو في الوقت نفسه يكون مظهرًا من مظاهر النقمة والعذاب للظالمين، وإذا كان حال المؤمنين ساعة الاحتضار الراحة والّلذة لما يلقونه في الموت، فإن حال الظالمين تكون على عكس هذا المشهد الخاص بالمتقين.
وما يستفاد من مجموع الآيات التي ذكرت الموت أنَّ لحظة استلال الروح على خلاف ما يقوله الماديون، لحظة صعبة ومؤلمة، ولِمَ لا تكون كذلك والحال أنّها لحظة انتقال من هذا العالم إلى عالم آخر، أي إنَّ الإنسان كما ينتقل من عالم الأجنة إلى عالم الدنيا مصحوباً بألم شديد، فكذلك الانتقال إلى العالم الآخر بهذا الشكل(8).
فأكثر شيء في الموت إفزاعاً وإيلاماً هو سكرات الموت التي عبر عنها القرآن الكريم بأنها تجيء، قال تعالى: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، والسكرة مأخوذة من السُكر والسُّكْرُ: نقيض الصحو، حالة تعرض بين المرء وعقله، وسكْرةُ الموت: غشيته(9).
وسكرة الموت هي حال تشبه حالة الثمل السكران إذ تظهر على الإنسان بصورة الاضطراب والانقلاب والتبدّل، وربّما استولت هذه الحالة على عقل الإنسان وسلبت شعوره واختياره، ووجه الشبه بين من نزل به الموت وبين السكران هو عدم القدرة على السيطرة على جوارحه في فعل شيء(10).
ومن الترهيب المهول في سكرة الموت كونها تجيء ولا تستثني أحدا، (والمجيء مجاز في الحصول والاعتراء، وفي هذه الاستعارة تهويل لحالة احتضار الإنسان وشعوره بأنه مفارق الحياة التي ألِفها وتعلق بها قلبه)(11)، ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق، وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملاً وهي في سكرات الموت، وتراه بلا حجاب، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد، ولكن بعد فوات الأوان حين لا تنفع رؤية، ولا يجدي إدراك، ولا تقبل توبة، ولا يحسب إيمان، وذلك الحق هو الذي كذبوا به(12).
فيصور القرآن الكريم ذلك المشهد الخاص بالظالمين الذي يظهر فيه الترهيب الحسي بيناً، قال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النحل:28)، فترى الملائكة يستقبلون الكافرين بالتأنيب والوعيد في جهنم، وكذلك هم يستلون أرواحهم في تعذيب وتأنيب ومهانة(13)، ووصفهم بـ(ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) – خلاف وصف المتقين بأنهم طيبين- يرمي إلى أن توفّي الملائكة إيّاهم ملابس لغلظة وتعذيب، ويلقون السَلَم لهم عند انتزاع أرواحهم ليكفّوا عنهم تعذيب الانتزاع(14).
ومن عظيم بدائع القرآن الكريم، أنه استعمل لفظتي (السلام) و(السلم) في حالة احتضار الإنسان وقبض روحه، للدلالة على الترغيب والترهيب الحسي، فاستعمل لفظة السلام في قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النحل:32)، و(السلام الذي يدل على سلامة الروح والفكر واللسان والسلوك والعمل، الذي جعل ذلك الجو وتلك البيئة جنة، مليئة بالأمن والاطمئنان، واقتلع كل أنواع الأذى منها)(15)، فاستعمل هذه اللفظة على لسان الملائكة الموكلين بقبض روح المؤمن، لتبعث الطمأنينة المصحوبة بالبشارة، وعندها لا يحس المؤمن بعملية انتزاع الروح ولا تكون عليه شديدة ومؤلمة.
بينما استعمل لفظة السلم (والسَلَم بفتح السين وفتح اللاّم الاستسلام )(16)، أو كما قيل: (قال قتادة الخضوع، والمراد أنهم أظهروا الانقياد والخضوع، وأصل الإلقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد وإشعاراً بغاية خضوعهم وانقيادهم وجعل ذلك كالشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب)(17)، وجاءت هذه اللفظة على لسان الظالمين، لتدل على الخضوع والرعب والخوف من العذاب، فتكون عملية انتزاع الروح محسوسة بالألم، وبهذا يتضح الفرق بين اللفظتين مع أن الفرق في المبنى هو حرف الألف فقط والفرق في المعنى أوسع بأكثر من ذلك.
ونجد أن القرآن الكريم في موضع آخر يذكر الترهيب الحسي واضحاً، وهو يرسم حال سلب أرواح الكافرين بالصورة الحسية المصحوبة بضرب الملائكة لوجوههم وأدبارهم، للدلالة على عظيم العذاب، قال تعالى: (لَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)(الأنفال:50)، فالتعبير القرآني يرسم صورة منكرة للذين كفروا، والملائكة تستل منهم أرواحهم في مشهد مهين؛ يضيف المهانة والخزي، إلى العذاب والموت، ثم يتحول السياق من صيغة الخبر إلى صيغة الخطاب (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) ليرد المشهد حاضراً كأنه اللحظة مشهود، وكأنما جهنم بنارها وحريقها في المشهد وهم يدفعون إليها دفعاً مع التأنيب والتهديد(18).
وجملة:(يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) في موضع الحال، أي يزيدهم الملائكة تعذيباً عند نزع أرواحهم، وذكر الوجوه والأدبار للتعميم، أي يضربون جميع أجسادهم، فالأدبار جمع دبر وهو ما دَبَر من الإنسان، و(الذوق) مستعمل في مطلق الإحساس، بعلاقة الإطلاق، وإضافة العذاب إلى الحريق من إضافة الجنس إلى نوعه، لبيان النوع، أي عذاباً هو الحريق، فهي إضافة بيانية، والمراد به جهنّم فلعلّ الله سبحانه وتعالى عجّل بأرواح هؤلاء المشركين إلى النار قبل يوم الحساب، فالأمر مستعمل في التكوين، أي: يذيقونهم أو مستعمل في التشفّي(19).
ولعل ذكر ضرب الوجوه يكون أكثر إيلاماً، لاحتوائها على جميع الحواس تقريباً (حاسة البصر والسمع والذوق والشم وجزء من حاسة اللمس)، فعندما يُضرب الإنسان على وجهه، سيجد ألماً شديداً تحسه وتعاني منه جميع الحواس، بخلاف بقية الجسم.
وللرازي(ت606هـ) إشارة على حد تعبيره أنها ألطف، لدى تفسيره لهذه الآية وبيان معنى الوجوه والأدبار حيث يقول: (وهو أن روح الكافر إذا خرج من جسده فهو مُعرضٌ عن عالم الدنيا مُقبلٌ على الآخرة، وهو لكفره لا يُشاهد في عالم الآخرة إلا الظلمات، وهو لشدة حُبه للجسمانيات، ومفارقته لها لا ينال من مباعدته عنها إلا الآلام والحسرات، فسبب مفارقته لعالم الدنيا تحصل له الآلام بعد الآلام والحسرات، وبسبب إقباله على الآخرة مع عدم النور والمعرفة، ينتقل من ظلمات إلى ظلمات)(20).
وقد تكرر ذكر ضرب الملائكة لوجوه الظالمين وأدبارهم في سورة محمد (صلى الله عليه وآله)، وما يميز مجيئه في هذه السورة أنه جاء بصيغة السؤال للدلالة على أنه حتمي الوقوع، قال تعالى:(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ)(محمد:27)، (والمقصود، وعيدهم بأنهم سيعجل لهم العذاب من أول منازل الآخرة وهو حالة الموت، ولما جعل هذا العذاب محققاً وقوعُه رتب عليه الاستفهام عن حالهم استفهاماً مستعملاً في معنى تعجيب المخاطب من حالهم عند الوفاة، وهذا التعجيب مؤذن بأنها حالة فظيعة غير معتادة إذ لا يتعجب إلاّ من أمْرٍ غير معهود، والسياق يدل على الفظاعة، ووعيدهم بهذه المِيتة الفظيعة التي قدرها الله لهم وجعل الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم)(21).
وفي قبال مشهد الشهداء الذي صوره القرآن الكريم حال احتضارهم بأنهم لا يُصيبهم خوف ولا حزن، يذكر مشهداً حسياً آخر يُصّور فيه حال احتضار الظالمين وكيفية معاملة الملائكة الموَكلِين بقبض أرواحهم، قال تعالى: (... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام:93).
فالمشهد الذي يرسمه السياق في جزاء هؤلاء الظالمين مشهد مفزع مرعب مكروب مرهوب، إذ الظالمون في غمرات الموت وسكراته، ولفظ غمرات يلقي ظله المكروب(22)، والغمرة بفتح الغين ما يغمُر، أي يَغُمّر من الماء فلا يترك للمغمور مخلصاً، وشاعت استعارتها للشدّة تشبيهاً بالشدّة الحاصلة للغريق حين يغمره الوادي أو السّيل حتّى صارت الغمرة حقيقة عرفيّة في الشدّة الشّديدة، وجَمْع الغمرات لتعدّد الغمرات بعدد الظّالمين، أو لقصد المبالغة في تهويل ما يصيبهم بأنّه أصناف من الشّدائد ولتتعدّد أشكالها وأحوالها لا يعبّر عنها باسم مفرد، فيجوز أن يكون هذا وعيداً بعذاب يلقونه في وقت النّزع، ولمّا كان للموت سكرات جعلت غمرةُ الموت غمَرات(23).
ونجد أن الترهيب الحسي بالموت واضح في هذه الآية من خلال الآلام الحاصلة بالضرب، والتهديد السافر بجند الله، والمتآمرون في نهاية الحياة، وهو مشهد مفزع مهين، وهم يحتضرون، ولا حول لهم ولا قوة، وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض، وفي مستهل حياتهم الأخرى، هذه الحياة التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار، في لحظة الوفاة، لحظة الضيق والكرب والمخافة(24)، فكيف إذا ما دخلوا في تلك الحياة فعلياً؟
إذن في ساعة احتضار الإنسان يكون هناك وجود للترغيب والترهيب الحسي، الذي يحصل حال انتزاع الروح من البدن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1)الخصال/الشيخ الصدوق/ص9. 2)ظ: تفسير الأمثل/مكارم الشيرازي: 16 / 238. 3)ظ: التحرير والتنوير/ الطاهر بن عاشور: 4/ 166. 4)تفسير مجمع البيان/ الطبرسي: 2 / 445، بحار الانوار/ المجلسي: 97/13. 5)ظ: في ظلال القرآن/: سيد قطب:1 / 518. 6)ظ: تفسير مفاتيح الغيب/ الرازي: 9 / 430. 7)ظ: م، ن: 3 / 472. 8)ظ: تفسير الأمثل: 19 / 172. 9)ظ: العين/ الفراهيدي: 5 / 309. 10)ظ: تفسير الأمثل:17 / 23. 11)التحرير والتنوير: 26 / 306. 12)ظ: في ظلال القرآن: 6 / 3364. 13)ظ: ن.م: 2 / 1044. 14)ظ: التحرير والتنوير: 14 / 139. 15)تفسير الأمثل: 9 / 342. 16)التحرير والتنوير: 14 / 139. 17)تفسير روح المعاني/ الآلوسي: 7 / 369. 18)ظ: في ظلال القرآن: 3 / 1534. 19)ظ: التحرير والتنوير: 10 / 41. 20)ظ: تفسير مفاتيح الغيب: 15 / 494. 21)التحرير والتنوير: 26 / 118. 22)ظ: في ظلال القرآن:2 / 1149 . 23)ظ: التحرير والتنوير: 7 / 377. 24)ظ: في ظلال القرآن:6 / 3298.