Take a fresh look at your lifestyle.

منزلة الأخلاق عند الشيخ الكليني (رحمه الله)

0 621

    يمكن القول إن الأخلاق في الإسلام هي عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم ويتميز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق بطابعين:
الأول: أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى.
الثاني: إنه ذو طابع إنساني أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية، وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية(1).
لقد عرف الشيخ الكليني (رحمه الله) قيمة مكارم الأخلاق جيدًا، ورأى أن ما يتضمن التزام مكارم الأخلاق في الأديان الإلهية هو الاعتقاد بيوم الجزاء، وإن الرسل الذين بعثهم الله تعالى على امتداد الأزمنة والعصور الواحد بعد الآخر، كانوا يبدأون دعوتهم من المبدأ والمعاد، ويقيمون أسس الإيمان في نفوس أتباعهم، ثم كانوا يدعونهم إلى مكارم الأخلاق، وينبهونهم على أن الأخلاق الكريمة محبوبة عند الله وتنيل صاحبها رحمة الله تعالى يوم القيامة، ومن هذا المبدأ أورد الشيخ الكليني رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال: وقورًا عند الهزاهز، صبورًا عند البلاء ,شكورًا عند الرخاء ,قانعًا بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل أمير جنوده، والرفق أخوه والبر والده)(2).
ويدخل تحت هذا العنوان مجموعة من التفرعات وذلك بحسب طبيعة الأخلاق الحميدة التي ورد ذكرها عند الشيخ الكليني (رحمه الله) لتكون موضوع المقالة وكما يلي:
أولًا: حسن الخلق:
الخُلق- بالضم – عبارة عن الصورة الباطنة، كما أن الخَلق – بالفتح- عبارة عن الصورة الظاهرة، يقال( فلان حَسَن الخَلق، والخُلق إلى الظاهر والباطن، ولكل منهما هيئة وصورة، إما قبيحة وإما جميلة)(3).
ويرى السيد عبد الله شُبَّر أن الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عن تلك الهيئة أفعالًا جميلة محمودة عقلًا وممدوحة شرعًا، سميت تلك الهيئة (خلقًا حسنًا) وإن كان الصادر منها أفعالًا قبيحة سميت (خُلُقًا سيئًا)(4).
وحُسن الخُلق لا تخفى في الدين فضيلته، وهو الذي مدح الله سبحانه به نبيه (صلى الله عليه وآله) إذ قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4), وقال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (أكثر ما يدخل الناس به الجنة تقوى الله وحسن الخلق)(5).
إن الإنسان كائن اجتماعي يعيش مع الناس دائمًا، فهو في حاجة ماسة إليهم، ويضطر إلى التعاون معهم لضمان سعادته ورفاهيته، ويرى الدكتور علي قائمي أن حياة الإنسان الاجتماعية إذا استمرت على ما تفرضه الطبيعة عليها دون كبحها بالنظم والقوانين، فستقترن بأنواع النزاعات والصدامات والمنغصات وعندها يغدو وجود القانون ضروريًا، وهنا تكمن حكمة بعث الأنبياء(6)، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة:213).
وفيما يخص كتاب الكافي، ففيه الشيء الكثير عن حسن الخلق(7)، ذلك لأن الشيخ الكليني (رحمه الله) يعرف جيدًا أن حسن الخلق ركن أساسي من أركان الدولة الإسلامية، وفيه تكمن قوة المؤمن، لهذا نقل الشيخ كثيرًا من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الطاهرين في هذا الخصوص(8).
فالشيخ الكليني يعرف جيدًا فوائد الأخلاق وأهميتها بالاستناد إلى أحاديث المعصومين (عليه السلام) إذ يروي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى…عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:(إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا)(9).
لقد رأى الشيخ الكليني أن مكارم الأخلاق هدف الأنبياء وأهل البيت (عليه السلام) ,وهذا يعني أن تكامل الإنسان هو الهدف الأسمى من خلقه، ولا يكون هذا إلا بواسطة التحلي بهذه الأخلاق، ولهذا بعثهم الله تعالى ليبينوها للناس وليطبقوها أمامهم ليكونوا مثلًا أعلى ونماذج يقتدى بها.
ثانيًا: العدل
أقام الإسلام المجتمع على دعائم قوية ثابتة، ومنها العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم، والعدل صفة خلقية كريمة تعني التزام الحق والإنصاف في كل أمر من أمور الحياة، والبعد عن الظلم والبغي والعدوان والعدل في الإسلام هو مما يكمل أخلاق المسلم لما فيه من اعتدال واستقامة وحب للحق وهو كذلك صفة خلقية محمودة تدل على شهامة ومروءة من يتحلى بها وعلى كرامته واستقامته، ورحمته وصفاء قلبه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (النحل:90).
وتمثل رؤية الشيخ الكليني عن هذه الصفة النبيلة بأن الله خلق الإنسان ووضع له نظامًا يتبعه وطريقًا يسير عليه وشرع له أمورًا من صدق وعدل وأمره باتباعها وجعل السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة جزاء من اتبعها، وجعل عكسها من كذب وظلم ورذائل، نهى عنها وحذر من ارتكبها وجعل الشفاء في الدنيا، والعذاب في الآخرة عقوبة من ارتكبها (10).
وينقل الشيخ في هذا الباب خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام) في عاقبة الظلم وعدم العدل والبغي(11).
ومن الجدير بالذكر أن العلماء الذين جاؤوا بعد الكليني، أكدوا على هذه الصفة النبيلة، إذ يرى صاحب جامع السعادات أن في فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية… فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق التي هي الأوساط المثبتة من صاحب الشريعة، والاجتناب عن رذائلها التي هي الأطراف ولو قصّر أدركته الهلاكة الأبدية(12).
ثالثًا: التواضع
التواضع من أشرف الخصال الحميدة، وهو أن يرى الإنسان في نفسه، من حسن خلقه، وجميل عشرته للناس أنه في ضعة عن مرتبة غيره، والواقع أنه ليس كذلك، بل لما في نفسه العالية من خلق جميل، وسريرة طيبة، وتواضع ضد الكبر والخيلاء(13).
وتنقل لنا كتب السيرة والرواية من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وتواضعه الشيء الكثير، قال أنس بن مالك: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعود المريض ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد رأيته يوم حنين، على حمار خطامه ليف)(14).
ويرى الشيخ الكليني(رحمه الله) أن يتواضع المسلم لكل مسلم، ولا يتكبر عليه فإن الله لا يحب كل مختال فخور، لهذا أفرد لهذه المسألة بابًا سماه (باب زهد النبي وتواضعه), جاء فيه: (حدثني علي بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: إن جبرئيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فخيره وأشار عليه بالتواضع وكان له ناصحًا، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد، تواضعًا لله تبارك وتعالى…)(15).
ولعل هدف الكليني من وراء رواية ونشر مثل هذا الحديث النبوي يرجع إلى مسألة التعليم الأخلاقي، من خلال التعليمات التوجيهية والتركيز على الاهتمام بشؤون المؤمنين، وأسلوب تنظيم العلاقة بينهم، وحتى أدب التحدث، مما ينحو منحى بسط التعاليم المتعلقة بـ (الحقوق)(16).
لاشك في أن توطيد العدل ومحاربة الظلم والحيلولة دون وقوعه، إقرار للأمن وتحقيق للمساواة بين أفراد المجتمع، والأمر الذي يمكن لكل فرد الوصول إلى حقه دون مشقة وعناء، وإذا فقد العدل أكل الناس بعضهم حق بعض، وسادت الفتن، وكثرت الجرائم والمنكرات، وأصبح كل فرد من أفراد المجتمع عرضة لاعتداء الأشرار، وضعاف النفوس، فتفقد الحياة بهجتها وجمالها.
رابعًا: الحِلم
وهو ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك، وهذه الحال محمودة ما لم تؤد ّ إلى ثلم جاه، أو فساد سياسة، وهي بالرؤساء والملوك أحسن، لأنهم أقدر على الانتقام من مغضبيهم(17).
وتدخل هذه الصفة من الأخلاق المحمودة عند بعض العلماء في ميدان الشجاعة، فضلًا عن كبر النفس والنجدة وعلو الهمة والثبات والتحمل(18).
وقد جاء حديث الكليني عن هذه الخصلة من خصال المؤمن في باب (الشرف والمروءة والعقل)(19).
ويأتي تأكيد الشيخ (رحمه الله) على صفة الحلم، من أهمية الأخلاق التي تعرف حينما يفتقر المجتمع إلى الأخلاق، وقد أورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار)(20).
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ الكليني يريد أن يوصل رسالة إلى المجتمع الإسلامي مفادها أن منهج أهل البيت (عليهم السلام)
يمثل سمو آداب الوحي الإلهي، وبلاغة أهل البيت (عليه السلام) وحكمتهم، وعلينا أن نسير على ضوء هذه الحكمة، وأن نستلهم مفاهيمهم، التي أخذوها من القرآن الكريم وأحالوها حكمة بالغة، وأدبًا رفيعًا، ودروسًا أخلاقية فذة تشع بنورها على النفس البشرية، فتزكيها وتنيرها بمفاهيمها النيرة وتوجيهها الهادف البناء.
خامسًا: صلة الرحم:
تطرق الشيخ الكليني للحديث عن (صلة الرحم) في الأصول، فهو يرى أن صلة الرحم شجرة أصلها الإيمان بالله، واتباع أوامره، وفرعها صفاء القلب، وطهارة النفس، وهي من أهم المسائل التي يلزم على الإنسان أن يؤديها بكل ما تيسر له من إمكانيات، إذ يروي عن علي بن إبراهيم عن أبيه… قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله جلّ ذكره: (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء:1)، قال: فقال (عليه السلام) : (هي أرحام الناس، إن الله عزّ وجل أمر بصلتها وعظَّمها، ألا ترى أنّه جعلها منه )(21).
إذًا بصلة الرحم يجتمع الشمل بعد التباعد، وفيها تؤدى الحقوق وبها تحصل المحبة بعد التباغض، ويزول الحقد من بين الأقارب بعد استحكامه(22)، فهي بلا شك من الناحية الاجتماعية ركن كبير لتثبيت التآلف، والتكاتف بين أفراد العائلة والأقارب ومن الجهة المادية، لها أكبر الأثر في الترفيه عن ذوي الرحم المحتاجين.
سادسًا: الكلمة الطيبة
ينتاب الإنسان عادة صراع مصدره الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، حيث يقف الإنسان بينهما ليحدد مصيره، وبإحداهما يتجه إلى النعيم، وبالثانية يتجه إلى الجحيم، لأن للكلمة مكانة القيادة في الحياة الإنسانية، وبفعاليتها وأثرها يرتسم طريق الإنسان في دروب الحياة المتشعبة.
لقد امتازت تعاليم الإمام محمد الباقر (عليه السلام)
ـ والتي نقل الشيخ الكليني جانبًا كبيرًا منها في كتابه الأصول ـ بالتوسيع والتأكيد على التعاطي التفصيلي فيما يتصل بمكارم الأخلاق وبمساوئها، وقد برزت في هذه التعليمات التوجيهية ـ بشكل لافت ـ
آفاق من الأخلاق الاجتماعية كالتركيز على الاهتمام بشؤون المؤمنين(23)، وأسلوب تنظيم العلاقة بينهم، وحتى أدب التحدث مما ينحو منحى بسط التعاليم المتعلقة بـ (الحقوق)(24).
ونجد أن أثر الروايات الأخلاقية التي نقل الشيخ جانبًا كبيرًا منها قد امتد إلى ما بعده وأثر في غيره فهذا صاحب كتاب (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق) يرى أنه (يجب على العاقل أن يعرف ما ابتلى به الإنسان من هذه النقائص التي في جسمه، وحاجته الضرورية إلى إزالتها وتكميلها… ثم يلتمس الفضيلة في نفسه العاقلة التي بها صار إنسانًا)(25).

نشرت في العدد 59


1ـ ظ: الأخلاق الإسلامية:16.
2ـ الأصول: 2\ 47 , وينظر الصفحات: 55,57,
76.
3ـ ظ: لسان العرب مادة (خلق).
4ـ الأخلاق: 25.
5ـ رواه الترمذي:4\ 363.
6ـ ظ: الأخلاق وآداب التعامل في الإسلام:23.
7ـ ظ: الأصول:2\15 ,47 ,57 80 ,94 والفروع: 5\150.
8ـ ظ: الأصول:2\47.
9ـ الأصول:2\ 99.
10ـ ظ: الأصول: 1\ 76 ,79 ,81.
11ـ ظ: الروضة: 8\67.
12ـ مبادئ الأخلاق أو مختصر جامع السعادات:15
13ـ ظ: الأخلاق الإسلامية: 88
14ـ ظ: العقد الفريد:2\358، ونهاية الأرب في فنون الأدب: 126.
15ـ الروضة:8\131.
16ـ لغرض الإطلاع على المزيد ينظر أصول الكافي:2\180- 181.
17ـ مقدمة في علم الأخلاق:47.
18ـ ظ: الأخلاق والسياسة والاجتماع عند نصير الدين الطوسي: 64.
19ـ ظ: الروضة: 8\ 241.
20ـ ظ: أصول الكافي: 2/ 100.
21ـ الأصول: 2/150.
22ـ ظ: الأخلاق الإسلامية:239.
23ـ ظ: النصوص والمؤلفات الأخلاقية لدى الأمامية:3.
24ـ ظ: أصول الكافي: 2/180-181, والروضة:8/ 2-14.
25ـ تهذيب الأخلاق: 1/64، وينظر مراحل الفكر الأخلاقي: 109.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.