Take a fresh look at your lifestyle.

أبو هاشم الجعفري … نظرة في السيرة

0 1٬076

   زخرت المنظومة الرجالية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالعديد من الأصحاب الذين اتصلوا بالأئمة الأطهار فكانوا حملة لأسرارهم، ومستودعاً لعلمهم، يسيرون بهداهم ويلتمسون واضح طريقهم فلا تأخذهم في الله لائمة النفس ولا مجاملة البشر ولا تهديد جبّار ظالم.
لقد بلغ هؤلاء الرجال درجة عالية في العلم والمعرفة حتى أصبحوا المؤتمنين على شرع الله وأحكامه، يأخذون من أئمة الهدى أصول معارفهم ويبثون في الناس العلم، دعاة حق وأمناء صدق، برز منهم الشريف أبو هاشم الجعفري، الذي عاصر عدداً من الأئمة (عليهم السلام) فصحبهم ونال بصحبته لهم خلود الذكر.
هو داود بن القاسم بن إسحاق العريضي نسبة إلى العريض، قرية بالقرب من المدينة ـ
بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولد سنة180هـ كما في بعض الروايات، كان والده القاسم أميراً في اليمن، مقدماً فيها، جليلاً، وهو ممن يروي عن الإمام الصادق(عليه السلام)،
أما والدته-أي جدة أبي هاشم- فهي: أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر(1)، خالة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، يقول الذهبي في أبي هاشم: (لم يكن يعرف في وقته ـ سنة250هـ أقعد نسباً في الهاشميين منه، كان بينه وبين جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) ثلاثة آباء)(2).
وبما أن أباه القاسم كان أميراً باليمن، فقد تكون ولادة أبي هاشم في اليمن أيضاً، أو قد يكون ولد في المدينة المنورة قبل أن يذهب أبوه إلى اليمن والله أعلم.
طغى عليه لقب البغدادي لأنه سكن بغداد، ولا ندري من أين قدم إلى بغداد ؟،
حيث لم يذكر ذلك صاحب كتاب منتقلة الطالبية. ومن الغريب عدم ذكر ابن عنبة الحسني لأبي هاشم الجعفري، فلم يشر إليه عندما ذكر عدد أولاد القاسم بن إسحاق، بل إنّ السيد محمد صادق آل بحر العلوم الذي حقق كتابه (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) في من حققوه مراراً، لم يذكره في الهامش الذي يستغله عادة للتعريف ببعض الشخصيات من بني هاشم وغيرهم.
أولًا: إطراؤه والثناء عليه:
1- قال له الإمام العسكري(عليه السلام): هَنّاكَ الله يا أبا هاشم، غفر الله لك يا أبا هاشم(3).
2- كان ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة(4).
3- كان ذا لسان وعارضة وسلاطة، وكان مقدماً عند السلطان(5).
4- من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم(6).
5- كان ذا زهد ونسك وعلم، صحيح العقل، سليم الحواس، منتصب القامة(7).
ثانياً: نماذج من أشعاره :
1- ما قاله في الإمام الهادي(عليه السلام) عندما مرض(8):
مادتْ بيَ الأرضُ وآدتْ فـــؤادي
واعترتني مــواردُ العــــرواءِ حين قالوا الإمامَ نضوٌ عليلٌ
قلتُ لنفسي فدته كــلُّ الفــــداءِ
مرضَ الدينُ لاعتــلالِك واعتلَّ
وغــارتْ لــــه نجـــومُ الســماءِ
عجباً أن منيتَ بالداءِ والسقمِ
وأنتَ الإمــــــامُ حســـم الــداءِ
أنتَ آسي الأدواءِ في الدينِ والدنيا
ومحــيــي الأمـــواتِ والأحـياءِ
2- وقال في الإمام علي (عليه السلام) (9):
فالا ســواه كان آخــى وفيهــم
إذا ما عددت الشيخ والكهل والطفلا
فـهل ذاك إلا أنــــه كــان مثله
فــا لا جعلــتم في اختياركم المثلا
أ ليس رسول الله أكـــد عقــده
فكـــيف ملكتم بعده العقد والحـلا
3- قال في ذرية النبي(صلى الله عليه وآله) (10):
يا آل أحمد كيف عنكم أعـــدل
أ عن النجاة والسلامة أحول
في ذخر الشفاعة جدكم لكبائري
فيها على أهل الوعيد أصول
شغلي بمدحكم وغيري عنكم
بعـدوكم ومـديحه مشغــول
4- لما جاء خبر مقتل يحيى بن عمرو الزيدي العلوي جلس محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد للتهنئة، فدخل عليه الناس وفيهم أبو هاشم الجعفري فقال: أيها الأمير إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيّاً لعُزّي به، فما ردّ عليه محمد شيئاً ثم خرج أبو هاشم وهو يقول(11):
يا بني طاهر كلوه وبيئاً
إن لحم النبي غير مري
إن وتراً يكن طالبه اللـ
ـه لوتر نجاحه بالحري
5- ولما سأله الناس عن وَلَدَيْ الإمام الصادق(عليه السلام)
إسماعيل وموسى، ولعل هذا التساؤل جاء بسبب تشابه حالة الإمام العسكري وأخيه السيد محمد، حيث كانت الناس تعتقد بإمامة السيد محمد فلما مات (رضوان الله عليه)
توجهت الأنظار للعسكري(عليه السلام)، فقال أبو هاشم(12):
لما انبرى لي سائـــل لأجيــبه
موسى أحق بها أم إسماعيلُ
قلت الدليل معي عليك وما على
مـا تدعيه للإمام دليلُ
موسى أطيل له البقاء فحــازها
إرثــاً ونصــاً والرواة تقولُ
إنّ الإمام الصـادق ابــن محمد
عُزّي بإسماعيل وهو جديلُ
وأتى الصلاة عليه يمشي راجلاً
أ فـجعفر في وقـته معزولُ
وقد جمع أشعاره وأخباره أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن عيّاش (ت401هـ)(13)
ولكنها لم تصل إلينا، وربما فقدت حالها حال الكثير من المؤلفات والأشعار التي ذهبت.
ثالثاً: نماذج من أحاديثه عن الأئمة (عليه السلام) الذين عاصرهم:
1- قال أبو هاشم: (كنت بالشرقي من آبيدج ـ موضع ـ فلما سمعت سرت إليه (أي إلى الإمام الرضا(عليه السلام) أثناء رحلته من المدينة إلى خراسان) بالأهواز وانتسبت له وكان أول لقائي له وكان مريضاً وكان زمن القيظ… )(14).
2- قال أبو هاشم:(صليت مع أبي جعفر ـ الجواد ـ في مسجد المسيّب وصلى بنا في موضع القبلة، وكانت السدرة في المسجد يابسة ليس عليها ورق، فدعا بماء وتوضأ تحت السدرة فعاشت وأورقت، وحملت من عامها)(15).
3- قال أبو هاشم: (سمعت أبا الحسن علي بن محمد ـ الهادي ـ يقول: الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف، فقلت: ولِمَ يا سيدي، فقال(عليه السلام): لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره، فقال(عليه السلام): قولوا الحجة من آل محمد)(16).
4- قال أبو هاشم: (شكوت إلى أبي محمد ـ العسكري (عليه السلام) ـ ضيق الحبس وثقل القيد فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك، فأخرجت في وقت الظهر فصليت في منزلي، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه بمائة دينار وكتب إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم، اطلبها فإنك ترى ما تحب إن شاء الله)(17).
من الأحاديث المتقدمة نلاحظ وحسب ترتيبها ما يلي:
1- الموضع (آبيدج) الوارد في الحديث غير معروف، والظاهر إنه مُصحّف، حيث كان المقصود (إيدج) التي ذكرها الحموي قائلاً:(كورة وبلد تقع بين خوزستان وآصبهان وهي أجل مدن هذه الكورة)(18)، وقال أبو سعد: (إيذج في موضعين: بلدة من كور الأهواز وبلاد الخوز)(19)، وعليه فأبو هاشم كان في إيذج أو إيدج ولقربها من الأهواز فقد جاء مسرعاً للقاء الإمام الرضا(عليه السلام)،
وكان ذلك أول اللقاء والظاهر أنه اللقاء الوحيد الذي تم بينهما سنة 201هـ، حيث لم تذكر الروايات اجتماع أبي هاشم بالإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان، كما أن الإمام لم يمكث بعد هذا اللقاء سوى سنتين، حيث اغتاله المأمون سنة 203هـ، وقد يفهم من هذا الحديث إن أبا هاشم كان يسكن الأهواز قبل أن ينتقل إلى بغداد، على أن هناك عددًا من الأحاديث ينقلها أبو هاشم الجعفري عن الإمام الرضا (عليه السلام) في أمور مختلفة، منها العقائدية والفقهية، والظاهر وجود شخص آخر كان يدعى أبا هاشم الجعفري، أدرك الإمام الكاظم والرضا وحدث عنهما، بينما صاحبنا أبو هاشم التقى بالإمام الرضا (عليه السلام)
مرة واحدة وقد يكون (عليه السلام) تحدث إليه بحديث أو أكثر فروى ذلك أبو هاشم عنه(عليه السلام)،
وإلا فالوقت كان لا يسمح للإمام، فرجال المأمون محيطون به يبغون التعجيل بموكبه لبلوغ خراسان بأسرع وقت ممكن.
2- وفي الحديث خلط، والأصح أن الإمام الجواد (عليه السلام) لما تزوج بأم الفضل بنت المأمون خرج بصحبتها من بغداد إلى المدينة، فلما وافى شارع باب الكوفة انتهى إلى دار المسيب ـ وهو ربض ببغداد يقال له ربض زهير بن المسيب ـ عند مغيب الشمس، فنزل وصلى في المسجد والحديث مروي عن الريان بن شبيب(20).
3- نلحظ أن الإمام الهادي بدأ بالتمهيد لفكرة غيبة الإمام المهدي بعدما بيّن أن الإمام من بعده ولده الحسن العسكري، خصوصاً بقوله (إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر اسمه)، ولكن أبا هاشم لم يذكر لنا هل تحدث الإمام الهادي (عليه السلام) في جمع من أصحابه، أم اختص بأبي هاشم وحدثه باعتباره ثقته وسفيره.
4- في هذا الحديث نطرح سؤالاً، إذا كان أبو هاشم ـ كما تقدم في القول ـ مقدماً عند السلطان، فلماذا سُجِن عدّة مرات ـ
خصوصاً أيام تولي الإمام العسكري مهام الإمامة ـ ؟
الظاهر من الأحاديث أنه كان مقدماً عند السلطان في فترة من الفترات، عندما دخل على القائد العباسي وقرأ شعره بعد مقتل يحيى بن عمرو الزيدي دون خوف من سطوته وبطشه، أما الفترة التي شهدت إمامة العسكري (عليه السلام) فقد كانت من أشد الفترات اضطهاداً للإمام وأتباعه، فقد كان أبو هاشم يعاني وضعاً مادياً قاسياً، حيث تكرر سجنه لمعرفة أعدائه بعلاقته المميزة والمتينة مع الإمام، وهو بهذا ينتمي إلى خط المعارضة للعباسيين، حيث كانت العيون المبثوثة من قبل جهاز الدولة تتعقب كل من يتصل بالإمام وبالتالي يودع السجن، ولما كان أبو هاشم يتردد على بيت الإمام وعلى أبيه من قبل، فقد كان مرصوداً من قبل هؤلاء حتى أدى الأمر إلى حبسه مع الإمام العسكري(عليه السلام) في سجن واحد.
رابعاً: الراوون عنه:
روى عنه جملة من الرواة نورد هنا بعضاً منهم(21):
1- أحمد بن إسحاق
2- أحمد بن القاسم
3- أحمد بن محمد البرقي
4- إسحاق بن محمد النخعي
5- الحسين بن أبي لبابة
6- سعد بن عبد الله
7- سهل بن زياد
8- عبد الله بن جعفر الحميري
9- عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي
10- الفضل بن شاذان
11- محمد بن أحمد العلوي
12- محمد بن بشر(بشير)
13- محمد بن حسان
14- محمد بن خالد
15- محمد بن زياد
16- يحيى بن زكريّا الخُزاعي
خامساً: وفاته
من خلال ما تقدم فقد تبين أن أبا هشام الجعفري عاصر معظم الخلفاء العباسيين، بدءاً من هارون العباسي الذي تولى الحكم سنة170هـ، ومات (رضوان الله عليه) أيام حكم المعتمد أحمد بن جعفر المتوكل الذي تولى الخلافة من سنة 255هـ ـ 279هـ، حيث توفي في شهر جمادي الأولى سنة 261هـ ببغداد(22)، أي بعد وفاة الإمام العسكري بسنة واحدة حيث كانت وفاته سنة260هـ. وبالتالي فقد شهد جنازة الإمام كما أدرك عصر الإمام المهدي (عليه السلام)، كان قبر أبي هاشم ظاهراً معروفاً حيث قال المسعودي :
(وقبره مشهور ببغداد)(23)، ولكنه اليوم في عداد القبور المندرسة. أما ذريته فلم تحدثنا كتب التاريخ والأنساب شيئاً عنها، والأظهر أنه أعقب وانقرض عقبه.

نشرت في العدد 59


المصادر:
1) ابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص40.
2) الذهبي، تاريخ الإسلام، 19/132.
3) ابن حمزة الطوسي، الثاقب من المناقب، ص565.
4) المازندراني، شرح أصول الكافي، 12/ 292.
5) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 8/ 365.
6) الشاكري، موسوعة المصطفى والعترة، 13/ 388.
7) الأمين العاملي، أعيان الشيعة، 6/ 378.
8) المجلسي، بحار الأنوار، 50/222، والعرواء هو برد الحمى ونفضها، ابن منظور، لسان العرب، 15/45.
(9) ابن شهراشوب، المناقب، 2/35.
(10) المصدر السابق، 3/335.
(11) الطبري، تاريخ، 7/428.
(12) ابن شهراشوب، المناقب، 1/230.
(13) النجاشي، رجال، ص 85.
(14) العطاردي، مسند الإمام الرضا(عليه السلام)، 1/55.
(15) الكليني، الكافي، 1/497.
(16) النوري، مستدرك الوسائل، 12/284.
(17) ابن حمزة الطوسي، الثاقب من المناقب، ص576.
(18) الحموي، معجم البلدان، 1/288.
(19) السمعاني، الأنساب، 1/235.
(20) ابن حمزة الطوسي، الثاقب من المناقب، ص512.
(21) الحموي، معجم البلدان، 3/26.
(22) تم جمع أسماء الرواة من عدد من المصادر الرجالية.
(23) النمازي، مستدرك رجال علم الحديث، 3/363.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.