سماحة الشيخ المقدسي نرحب بكم على صفحات مجلتنا (ينابيع) ونرجو منكم أن تجيبوا على أسئلتنا.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين وبعد…
في مطلع كلامي أقول أنا في خدمتكم وأشكركم على إتاحة هذه الفرصة الثمينة والمثمرة لأتحدث إلى قراء (ينابيع) الأعزاء.
حسب تجربتكم على مدى هذه السنوات كخطيب حسيني وأيضاً من خلال السفرات التبليغية والإرشادية ومن المؤلفات التي نتجت عن هذه التجربة المنبرية كيف تقيمون هذه التجربة وهل استطعتم أن تسيروا على الخط الذي ينبغي أن يخدم الثورة الحسينية؟
منذ البداية عندما دخلت الحوزة العلمية الشريفة والتحاقي بكلية الفقه عام 1960م، أي بعد دراستي للمقدمات الدينية والفقهية ودروس عروض اللغة العربية وفن الخطابة بحيث أرشدني الأستاذ المرحوم الشيخ جواد القسام والمرحوم السيد إبراهيم الغريفي وبتأثير الصديق الحميم السيد نوري الموسوي إلى قراءة بعض الكتب التي تساعدني على أن أكون خطيباً بارعاً ومفهوماً.
فكان تفكيري بهذا الجانب وكذلك الجانب الأكاديمي في الدراسة ساعدني أيضاً ولذلك قمت بالجمع بينهما فبدأت على هذا الأساس أسير جنباً إلى جنب أوفق بين الحوزة العلمية بما استطعت والخطابة التي هي الهم الأساس في حياتي يعني أردت أن أكون خطيباً مفهوماً محترفاً وقد وفقت إلى شيء من ذلك ولا أدعي لنفسي الكمال في هذا الجانب لأن ابن آدم لا يتكامل في يوم أو شهر أو سنة بل يبقى في حياته يأخذ يتواصل يتعاطى يكتسب التجربة والمعرفة والثقافة التي تساعد طالب العلم على الرقي نحو الأعلى وعدم التراجع والتخاذل.
يقول البعض أن هناك بعض المبالغات في المسيرة الحسينية تطرح في بعض المناسبات مما تسبب الإشكاليات في المنبر الحسيني، ما هو رأيكم في هذه المبالغات وهل من الممكن تلافي الإشكاليات الواردة إن صحت؟
إن مثل هذه المسألة شائكة وفعلاً فيها التباس عميق وكبير لأن بعض العلماء لم يتصدوا لكشف الحقائق في خصوص هذه الأحداث والوقائع، بينما اهتم آخرون بالبحث والدراسة والتحقيق والتمحيص في مجال الحديث والفقه والتفسير وفي ميدان العقائد وأرسوا قواعد وضوابط لأخذ الحديث واعتماد القول في التفسير والعقيدة الإسلامية، بينما في التراث الحسيني ترك هذا المجال إلى إنصاف أهل العلم وربما إلى بعض الجهلة المحسوبين على أهل العلم والمعرفة، فدخلت الأساطير الكثيرة والمنامات والمسموعات التي لا تحصى ودخل في ذلك الغث والسمين للأسف الشديد.
وأصبحت في نظر البعض جزء من التراث الحسيني فلذلك الآن عندما يريد شخص أن يحقق في هذه المسائل يواجه طعناً، ومعارضة شديدة بدعوى اتركوا هذه وذروه وكما يقول البعض أن الإمام الحسين (عليه السلام) يعاقب هذا الإنسان ولا يسمح له أن يتلاعب بتراثه.
ولكن باعتقادي أن الإمام الحسين (عليه السلام) يكون غاية الرضا والسماح عندما يقوم إنسان بكشف الحقائق للثورة الحسينية ومبادئها
ونهجها القويم.
هناك ظاهرة في أكثر الحاضرين والمستمعين للمجالس الحسينية وهي قلة التأثر بالمنبر من خلال الوعظ والإرشاد الذي يبديه الخطيب الحسيني، ما هو السبب بنظركم لهذه الظاهرة وكيف يمكن علاجها؟
عدم التأثر والتأثير في المستمع تارة يكون سببه الخطيب الحسيني نفسه وهذا ما تكلمنا في رسالتنا الدكتوراه وأوضحنا تلك الأمور بإيجابياتها وسلبياتها حيث يكون عدم التأثير من وجود خلل في المستمع نفسه فهناك صنف من الناس لم يتأثر بالآيات القرآنية والسيرة النبوية والنهج للأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام) بخطبهم وأحاديثهم وتضحياتهم، وعليه فالخطابة بمعناها العام والخاص (الخطابة الحسينية) وهي وسيلة تربوية للمجتمع بجانب ومعنى أدق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد يكون هناك وسائل أخرى مما تجعل التأثير السلبي في المستمع لأنها في الاتجاه المعاكس.
لذلك توحيد خطاب الجريدة والمجلة والإذاعة والسينما والمسرح والإنترنيت وما شابه ذلك الأمر وباعتقادي أن الإعلام الحسيني يعيش يتيم في عزلة عن الوسائل الأخرى بل هناك بعض المحاولات من قبل بعض مثقفينا لتهميش هذه الوسيلة الإعلامية المنبرية التي كانت تتصدر كل وسائل الإعلام في يوم من الأيام ومازالت كذلك لاسيما في بعض المجتمعات الشيعية التي تعاني من الاضطهاد والظلم والجور في بعض البلدان بحيث لا يسمح للسير على نهج آل محمد (عليهم السلام) بإصدار صحيفة أو التزام إذاعة خاصة بهم فليس لهم إلا الخطاب الحسيني وسيلة يعبرون من خلالها عما يختلج في نفوسهم.
لذلك أدعو إلى تطوير في النهج المنبري والخطاب الحسيني بداعي أن هناك وسائل أخرى يمكن الانتفاع بها وتغني عنه أقول لا شيء يغني عن المنبر والخطاب الحسيني الهادف وإتباع النهج الحسيني الثوري.
نرى هناك أن أكثر الناس يرغبون الاستماع إلى صوت جميل رخيم فهل ترى أن الصوت الجميل مهم ومؤثر في الخطابة أم في المحاضرة أو الجمع؟
إن الصوت الجميل هبة من الله تعالى للإنسان وهو عامل مؤثر من العوامل المهمة في الخطابة الحسينية.
ولكن لا يعني أن من لا يملك صوت جميل يغلق بوجهه الباب الخطابي لأنه عالم واسع فبإمكان الإنسان أن يتقن فنون الخطابة ويستغني عن الصوت الجميل بنسبة عالية فهناك خطباء لهم أصوات جميلة بنسبة عالية وممتازة كصوت الشيخ عبد الزهرة الكعبي (قدس سره) والشيخ هادي النويني والشيخ هادي الخفاجي والشيخ عبد الوهاب الكاشي وغيرهم نجحوا بأصواتهم وكذلك هناك من الخطباء ليس لهم أصوات جميلة وكان السر في نجاحهم علمهم وفنهم وأسلوبهم.
وأعتبر الصوت الجميل من مقومات الخطيب الناجح، وأنا أقل خدمة آل محمد (عليهم السلام) وهبني الله تعالى صوتاً جيداً لن أختصره وأوقفه على الخطابة فحسب، وإنما وظفته لقراءة الأدعية والمناجاة والزيارات وهذا من فضل الله تعالى عليّ.
لذلك قد وضحت هذا الجانب وهذه الفقرة في كتابي ورسالتي المعنونة (دور المنبر الحسيني) أي يعتبر رسالة المنبر وما يتعلق به.
هذا يعني أن نتعرف على دراستكم الأكاديمية… متى ابتدأتم؟
بعد تخرجي من كلية الفقه في النجف الأشرف عام 1964م وحصولي على شهادة البكالوريوس في العلوم الإسلامية واللغة العربية هاجرت إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل قيام الثورة، حيث أخذت أقرأ في المدن العربية منها وبعد أن قامت الثورة المباركة أكملت دراستي حتى حصلت على الماجستير بعلوم اللغةالعربية والإسلامية.
ثم عزمت على شهادة الدكتوراه فأكملت بحثي ودراستي المعمقة ولأول مرة بحث علمي أكاديمي عن المنبر الحسيني بتقديمها إلى اللجنة العلمية في جامعة بريطانيا في لندن وبعد المناقشة منحت بشهادة الدكتوراه بالدراسات الإسلامية بتاريخ 25/ 9/ 2000م.
في الاطروحات المنبرية شواهد شعرية… فهل للشيخ المقدسي محاولات شعرية وكتابة الشعر؟
نعم لي محاولات في كتابة الشعر ولدي بعض القصائد نظمتها باللغتين أو بالأحرى بالفصحى والدارجة فلي في الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) قصيدة أقول فيها:
سيدي يا حسين يا منية النفس ويا من سنـــاك في القلب نوّر
يا دليلي إلى الهدى في حيـاتي وملاذي وشــــافعي يوم أحشر
حزت فخراً بخدمة السبط من قد كان نوراً بالعرش من عالم الذر
أنـت أنشـودتي وذكــــــــرك دومــــاً في ضميري ومنطقي يتكرر
بماذا توصون الخطباء الناشئة في ارتقائهم المنبر؟
أوصيهم بعدة أمور مهمة من خلال تجربتي الخطابية، وأن يسيروا عليها بما يستطيعون:
1ـ تقوى الله تعالى فهو سبب الرقي والنجاح.
2ـ الضبط اللغوي الكامل وهو المهم.
3ـ المطالعات التاريخية الواسعة والمعمقة.
4ـ عدم التكلم على الخطباء الآخرين والتنكيل بهم… فهو سبب الانحطاط.
5ـ الخلفية الثقافية المعاصرة الواسعة والشاملة.
6ـ حفظ الكلام المثمر والمهم.
7ـ وحدة الموضوع.
8ـ تطبيق ما يقوله على نفسه أولاً ثم الانطلاق نحو المجتمع.
من خلال مسيرتكم المنبرية الواسعة وباعكم الطويل في الخطابة الحسينية هل قمتم برعاية وتوجه الخطباء الناشئة؟
نعم، وذلك من خلال معهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي أفتتح خصيصاً لتنشئة الخطباء في مدينة قم المقدسة، حيث فيه مدرسين من كبار ومشاهير الخطباء الذين يتولون الرعاية الخاصة والتوجيه العام لهم بالتدريس الواسع حول شؤون المنبر وما يتعلق به،
وقد طبعت كراس للتدريس في المعهد كذلك يتعلق بالطلبة الناشئة للمراحل الأولى والثانية وقد طبع في عدة معاهد مهتمة في الخطابة والخطباء في دمشق دار السيدة زينب (عليها السلام) وفي لبنان وفي لندن نتمنى لطلبتنا الموفقية والتقدم والازدهار لخدمة النبي (صلى الله عليه وآله) والعترة الطاهرة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
أي الدول التي سافرت إليها من أجل التبليغ والإرشاد الإسلامي؟
قبل خروجي من العراق كانت قراءاتي في مواسم التبليغ في جميع أنحاء العراق الوسطى والجنوبية ومن ثم هاجرت إلى إيران قرأت في بلدان وقرى إيرانية كثيرة وبعد ذلك وجهت لي دعوات للقراءة في الإمارات ومسقط والبحرين ودبي والشارقة والكويت وسوريا ولبنان ولندن والسويد.