Take a fresh look at your lifestyle.

الاتجاهات العقدية للزعماء والقادة الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)

0 981

      تنتشر في أدبيات المدرسة السلفية المعاصرة شبهة واهية لم تنشأ من الجهل وقلة الفهم وحسب – كما الحال في كثير من الشبهات -، وإنما نشأت من أغراض (تعمدية) متناغمة مع (بروباغندا) التضليل التي يتسم بها الخطاب الديني السلفي بما يحمل من موروث أموي قائم على أساس تراكمات الجهل المعرفي وعُقد الحقد على التشيع والبعد عن المنظومة القيمية للإسلام الحنيف. وخلاصة هذه الشبهة أن الشيعة هم الذين قتلوا الإمام الحسين(عليه السلام) بعد أن كاتبوه ووعدوه النصرة ثم خذلوه واصطفوا إلى جنب الدولة الأموية في قتاله وسبي أهله ونسائه، ويستدلون بمجموعة من النصوص العائمة والعبارات الفضفاضة لتأييد هذه الشبهة وتسويقها للرأي العام الإسلامي.
الشبهة في منظار النقد
بإمكان الباحث إسقاط هذه الشبهة الواهية من جهات عدة، أولها البحث في الاتجاهات العقدية لمجتمع الكوفة الذي كان خليطاً من تناقضات وولاءات سياسية وعقدية لم يكن للشيعة المخلصين فيها إلا صبابة كصبابة الإناء، وثانيها التفريق بين التشيع السياسي والتشيع العقدي، وكثير من الباحثين يخلطون بينهما أو يتعمدون الخلط بينهما، والحق أن الغالب على التشيع في ذلك الوقت الولاء السياسي للخط العلوي في مقابل الخط الأموي، وليس الاصطفاف على أساس الفهم العقدي والفكري بدليل أن كثيراً من أولئك المحسوبين على التشيع كانوا يرون شرعية خلافة أبي بكر وعمر، فأين هذا من التشيع العقدي وخطه الرافض لانقلاب السقيفة الأسود؟
إن الاتجاه الثالث في رد هذه الشبهة يقوم على أساس البحث في الخلفية العقدية للزعماء والقادة الذين شاركوا في قتال الإمام الحسين(عليه السلام)وشكلوا أعمدة الجيش والدولة الأموية في الكوفة وساهموا في قمع الشيعة وملاحقتهم وقتلهم، وهذا الاتجاه هو الذي يدور حوله محور حديثنا، وسنبدأ بذكر أولئك القادة الأجلاف بحسب مرتبتهم في الدولة الأموية:
أولًا: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (لعنهم الله)
بقية الطلقاء من آل أبي سفيان، كان رأس الدولة الأموية الغاشمة، وهو الذي أصدر الأوامر بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)وسبي عياله وأطفاله، ويكفينا في بيان حاله ما ذكره المؤرخ (السلفي) الشهير شمس الدين الذهبي في ترجمته قائلاً:
(وكان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً. يتناول المسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس. ولم يُبارك في عمره….)(1).
ثانياً: عبيد الله بن زياد (لعنهما الله).
المسؤول التنفيذي الأول في الكوفة،
والمشرف المباشر على عمليات القتل والقمع ضد الإمام الحسين(عليه السلام) وشيعته، وكان من رموز النصب والعداء لأهل البيت(عليهم السلام) حتى إنه بنى أربعة مساجد في البصرة كلها تقوم على بغض أمير المؤمنين(عليه السلام) وسبه والوقيعة فيه(2)، وقد جمعت نفسه اللئيمة كل صفات الشر والفساد، وصفه الذهبي بأنه (قبيح السريرة)(3) وأضاف قائلاً: (أبغضه المسلمون لما فعل بالحسين رضي الله عنه)(4).
ثالثاً: عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنهما الله)
كان سعد بن أبي وقاص من رجالات قريش الذين لم يوالوا أهل البيت(عليهم السلام)،
وقد وقف في لجنة الشورى السداسية بالضد من أمير المؤمنين(عليه السلام)
وتنازل عن صوته لعبد الرحمن بن عوف(5)، وكان أحد المتخلفين عن بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد مقتل عثمان بن عفان(6)، روى شيخنا أبو جعفر بن قولويه القمي، أن أمير المؤمنين(عليه السلام)
قال له: (ما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني)(7)، وقد نشأ ابنه عمر على سر أبيه في توجهاته العقدية الناصبية، وهو الذي قاد جحافل الجيوش التي قتلت أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسبت عياله في كربلاء، ومع ذلك فقد وثقه بعض علماء العامة دون وجل أو استحياء، قال العجلي: (تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين!!)(8)، وقال الذهبي: (باشر قتال الحسين وفعل الأفاعيل)(9).
رابعاً: شَمِر بن ذي الجوشن العامري (لعنه الله).
تستدل المدرسة السلفية على تشيعه بقتاله ضد جيش معاوية في حرب صفين،
وهذا استدلال لا يقوله إلا جاهل لا يعرف التحقيق أو معاند يتعمد الكذب والتدليس، فالمعروف أن غالبية جيش أمير المؤمنين(عليه السلام) في صفين لم يكونوا من الشيعة، بدليل أن الآلاف منهم صاروا في ما بعد من (الخوارج) الذين كانوا يوالون أبا بكر وعمر ويكفرّون أمير المؤمنين(عليه السلام)، فأين هؤلاء من التشيع الذي يقوم بالأساس على الولاية لأمير المؤمنين(عليه السلام) والبراءة من أعدائه؟؟!!
أما اللعين شَمِر بن ذي الجوشن فقد صار من جلاوزة زياد بن أبيه في زمن معاوية، وهو أحد الذين شهدوا على حجر بن عدي أنه (كفر كفرة صلعاء)(10)،
وهو الذي قال للإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء: (تعبد الله على حرف)(11)، وقال له أيضاً: (يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة)(12)، ومما يدل على سوء نظرته العقائدية ما رواه الذهبي عن أبي إسحاق [السبيعي] قال: كان شمر يصلي معنا، ثم يقول: اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفر لي. قلت: كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قال: (ويحك ! فكيف نصنع؟ إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحُمُر السقاة…)(13) فهو يعتقد أن (الأمراء) هم (بنو أمية)، وأن (مخالفتهم) محرمة شرعاً، فأي تشيع يبقى لهذا الناصبي الخبيث؟؟!!
خامساً: شَبَت بن رِبعي التميمي اليربوعي (لعنه الله)
كان على رأس الرجالة يوم كربلاء(14)، مؤذن سجاح المتنبئة(15)، خارجي لعين، ثم جلواز أموي، ثم زبيري هالك، أورد البخاري في تاريخه الكبير عن شبث بن ربعي قوله: (أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا مدح)(16)!! والحرورية هم الخوارج الذين كفروا أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) نهى عن الصلاة في مسجد شبث بن ربعي في الكوفة(17)، وفي عهد معاوية صار شبث من رجالات السلطة وجلاوزتها، ويظهر من بعض المرويات أنه كان ممن يسب علياً(عليه السلام)في الكوفة طمعاً في الأموال وتزلفا للسلطان(18)، وكان شبث من الذين شهدوا على حجر بن عدي أنه (كفر كفرة صلعاء)(19).
سادساً: قيس بن الأشعث بن قيس الكندي (لعنه الله)
كان على ربع ربيعة وكندة يوم عاشوراء(20)، وهو من عائلة حاقدة على أهل البيت(عليهم السلام)، فأبوه الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام)(21)،
وأخته جعدة سمّت الإمام الحسن (عليه السلام)(22)،
وهو وأخوه محمد بن الأشعث شاركا في قتال الحسين(عليه السلام) وقتال مسلم بن عقيل(عليه السلام).
سابعاً: عمرو بن الحجاج الزبيدي (لعنه الله)
أورده ابن حجر في عداد الصحابة(23)، وهو من الشخصيات الانتهازية ذات النزعة الأموية، وكان من الشهود على حجر بن عدي، وقد وصف الحسينَ(عليه السلام) وأصحابه بالمارقين(24). انضم بعد واقعة الطف إلى راية ابن زبير.
ثامناً: حجار بن أبحر العجلي(لعنه الله)
مات أبوه نصرانياً، وكان هو من رفقاء المغيرة بن شعبة ومن المحاربين تحت راية زياد بن أبيه(25)، ثم صار من جلساء معاوية في الشام(26)، وهو من شهود الزور ضد حجر بن عدي.
تاسعاً: عروة (أو عزرة) بن قيس الأحمسي(لعنه الله)
من رفقاء خالد بن الوليد(27)، ولاه عمر على مدينة حلوان(28)، وهو عثماني الهوى، شهد على حجر بن عدي بالكفر،
كان مسؤولاً عن محاصرة خيام الإمام الحسين(عليه السلام) حين نزوله كربلاء(29)، ثم وضعه ابن سعد على رأس الخيل يوم عاشوراء(30)، شارك في حمل الرؤوس الشريفة لابن زياد.
عاشراً: شريح بن الحارث القاضي الكندي (لعنه الله)
من فقهاء السوء، عينه عمر للقضاء، وكان عثماني الهوى، اضطر أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يبقيه على القضاء ثم عزله، كان من بطانة السلطة وفقهاء البلاط الأموي، شهد على حجر بن عدي،
وساهم في القضاء على انتفاضة مسلم بن عقيل(عليه السلام) في الكوفة(31).
حادي عشر: كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي(لعنه الله)
قال ابن الأثير: (ولما ولي المغيرة الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الري وكان يكثر سب علي على منبر الري)(32)،
وقال البلاذري: (كان عثمانياً يقع في علي بن أبي طالب ويثبط الناس عن الحسين) (33)،
وقال الطبري: (وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل)(34).
ثاني عشر: الحصين بن نمير التميمي(لعنه الله)
عثماني، أموي، سافك للدماء، شديد الحقد على أهل البيت(عليهم السلام)وشيعتهم، كان على رأس شرطة عبيد الله بن زياد في الكوفة وساهم في قمع انتفاضة مسلم بن عقيل(35)، وهو الذي أسَّر الشهيد عبد الله بن يقطر وبعثه لعبيد الله بن زياد(36)، ساهم بشكل فاعل في القتال يوم عاشوراء، وهو الذي رمى الإمام الحسين(عليه السلام) بسهم في فمه لما أراد شرب الماء(37).
وقد سجل لنا التاريخ أسماء عديدة للصحابة والتابعين ممن شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في قتال الإمام الحسين(عليه السلام)، وجُلَّ هؤلاء من المعروفين بالنزعة الأموية والهوى العثماني، نذكر منهم: عمرو بن حريث المخزومي (صحابي، عثماني الهوى، في جهاز الشرطة لعبيد الله بن زياد)، سمرة بن جندب (صحابي عثماني الهوى ناصبي)، عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي (صحابي، من شهود الزور على حجر، صار في ما بعد من جلاوزة الحجاج) (38).
صور عن حقيقة الصراع المذهبي في كربلاء
نختم الكلام بذكر ثلاث صورة تاريخية تثبت حقيقة الصراع المذهبي الذي كان قائماً بين الشيعة أتباع الإمام الحسين(عليه السلام) وبين العثمانيين والأمويين والنواصب في الطرف الآخر:
الصورة الأولى: أصحاب الحسين(عليه السلام)
على (دين علي)، والقتلة على (دين عثمان)
روى الطبري (أن نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول: أنا الجملي أنا على دين علي، قال: فخرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال: أنا على دين عثمان، فقال له أنت على دين شيطان، ثم حمل عليه فقتله… )(39).
الصورة الثانية: نقاتلك بغضاً لأبيك
أورد القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، قال: (ثم دنا [أي الحسين(عليه السلام)] من القوم وقال:( يا ويلكم أتقتلوني على سُنَّة بدَّلتها؟
أم على شريعة غيَّرتها؟ أم على جُرم فعلته ؟ أم على حق تركته؟). فقالوا له: إنا نقتلك بغضاً لأبيك..)(40).
الصورة الثالثة: منع الحسين(عليه السلام) من الماء انتقاماً لعثمان بن عفان!
ذكر الدينوري في أخباره: (وورد كتاب ابن زياد على عمر بن سعد، أن امنع الحسين وأصحابه الماء، فلا يذوقوا منه حسوة كما فعلوا بالتقي عثمان بن عفان)(41)،
ومن مصادرنا الشيعية أورد الشيخ الصدوق قول جيش عمر بن سعد: (فو الله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله)(42) يقصدون عثمان .

نشرت في العدد 60


1) سير أعلام النبلاء 4\37.
2) شرح نهج البلاغة 4\94.
3) سير أعلام النبلاء 3\545.
4) المصدر نفسه 3\546.
5) بحار الأنوار 31\399.
6) شرح الأخبار للقاضي النعماني 2\82.
7) كامل الزيارات 155.
8) تهذيب التهذيب 7\396.
9) الاعتدال 3\198.
10) تاريخ الطبري 4\199.
11) تاريخ الطبري 4\323 الكامل 4\62.
12) تاريخ الطبري 4\322.
13) ميزان الاعتدال 2\280، تاريخ ابن عساكر 23\189، تاريخ الإسلام للذهبي 5\125، وقد اختلف في ضبط العبارة الأخيرة، ففي بعض الروايات (الحمير السقاءات) وفي بعضها (الحمر الشقاة).
14) الكامل لابن أثير 4\60.
15) تهذيب الكمال: 12\ 352،تقريب التهذيب: 1 \411،الإصابة 3\303 .
16) التاريخ الكبير 4\267، تاريخ ابن خياط 144.
17) تهذيب الأحكام 3\39.
18) المستدرك للحاكم 3\121.، جزء الحميري ص28، تاريخ ابن عساكر 32\533 وفيه (شبث) بدل (شبيب)
19) تاريخ الطبري 4\200.
20) الكامل لابن أثير 4\60.
21) في الكافي 8\167.
22) أسد الغابة 2\15.
23) الإصابة 5\111.
24) الطبري 4\331.
25) تاريخ ابن خياط 168، تاريخ الطبري 4\139.
26) تاريخ ابن عساكر 12\206.
27) ابن حبان في الثقات 5\279.
28) فتوح البلدان 2\370.
29) مقتل الحسين لأبي مخنف 113.
30) الإرشاد 2\95، الأخبار الطوال 256، الكامل 4\60.
31) ما قبل عاشوراء للشيخ محمد هادي الأسدي ص286.
32) الكامل لابن أثير 3\413.
33) فتوح البلدان 1\322.
34) تاريخ الطبري 4\276.
35) الإرشاد 2\69، تاريخ الطبري 4\297.
36) روضة الواعظين 177. تاريخ الطبري 4\297.
37) الأخبار الطوال 258.
38) إمتاع الأسماع للمقريزي 11\341.
39) تاريخ الطبري 4\331.
40) ينابيع المودة 3\80.
41) الأخبار الطوال للدينوري 255.
42) الأمالي ص222.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.