Take a fresh look at your lifestyle.

دور الأئمة في التعريف بحقوق أهل البيت (عليهم السلام)

0 650

       العبادات هي محطات ومنازل تملأ حياة الإنسان الراجي والمتوجه إلى نيل القرب الإلهي، فيقطع أشواط حياته باحثاً عن الهدف المتعالي أثناء مسيرته للتزود من نسيم وعطر الجنان المعنوية التي كان غرسها العمل الصالح، وسقاها ماء المكرمات والطاعات والأدعية والمناجاة، لكي تنشط عمارة الحياة، وبها يصل الإنسان إلى مقامات الصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا. إن من أبرز الظواهر في حياة أهل البيت(عليهم السلام) ظاهرة الدعاء والذكر الإلهي وأهم أصدق مصداق للذاكرين الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، والدعاء والذكر لا يفارق سلوكهم في أحوالهم كلها فحياتهم قائمة على ذلك بلا انقطاع. ويذكر الإمام الصادق(عليه السلام) عن أبيه الإمام الباقر(عليه السلام) تلك الحقيقة الواضحة فيقول(عليه السلام): (وكان أبي(عليه السلام) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وآكل معه وإنه يذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر)(1).
إن المتفكر في عمل الأئمة (عليهم السلام) وما أنشؤوه من الأدعية الجليلة والمضامين يجد في ذلك فوق حدود البشر من فنون العلم وأسماء الله تعالى وصفاته وما يقتضيه جماله وجلاله وحق أدب العبودية، وما يناسب مقامه وأوصافه وأحواله مع الكل وكيفية الاسترحام والاستعطاف لطيف الاستدلالات في استحباب عفوه وكرمه وفضله، ولو كان للإنسان فكرة أو فطنة لكفاه ما صدر في ذلك من أئمة الحق عن كل معجز في إثبات الإمامة والرسالة(2).
وبعبارة أخرى إن المناجاة التي وصلتنا من الأئمة المعصومين(عليهم السلام) أعظم دليل يرشد إلى معرفة الله جل وعلا وأسمى وسيلة لسلوك العبودية وأرفع رابطة بين الحق والخلق وهي تشتمل على معارف إلهية(3). أي فيها من الأساليب التي صدرت من قادة الدين ما ينسجم مع توجيه الأمة والظروف المحيطة للحفاظ على روح الإسلام والحياة الاجتماعية بأبعادها الأخلاقية وغيرها، وهم يمثلون انعكاساً حقيقياً وترجمة أمينة لمتطلبات الشريعة، فترى النصوص تصفهم بأنهم أمان الأمة، ومرة باب حطة، ومرة المطهرون عن كل دنس، وأخرى بأنهم سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. إذن الأئمة(عليهم السلام) يمثلون الجانب التطبيقي الحي للرسالة الإسلامية، الذي يجسد الخط الإسلامي مع مراعاة الظروف والملابسات والتعقيدات في عالم الأفراد والجماعة كما يفرضه مفهوم الحكمة(4) القرآنية: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125).
ويكفينا النظر في أدعية الصحيفة السجادية التي تعبر عن عمل اجتماعي عظيم، كانت ضرورة المرحلة تفرضه وهي تمثل تراثاً ربانياً فريداً يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة (5) أخلاق.
وما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)أيضاً بأنه كان يدعو عند كل زوال من أيام شعبان وفي ليلة النصف منه ويصلي على النبي(صلى الله عليه وآله) بهذه الصلاة (اللهم صل على محمد وآل محمد، شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم وأهل بيت الوحي ..) إلى آخرها المروية في كتبنا منها: إقبال الأعمال(6) للسيد علي بن موسى بن طاووس الحسيني المتوفى 664هـ.
وعند ملاحظة مقاطع هذه الصلوات نرى فيها إشارات إلى مطالب مهمة من حقوق النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام، وإيراد هذه الصلوات في شهر شعبان لعله يشير إلى العلاقة بين شهر شعبان وذكر النبي(صلى الله عليه وآله)، ومناسبة التركيز على ذكر حقوق أهل البيت في مضامينها، وهذا واضح في شهر شعبان من الفوائد ما تستطيب به النفوس من الجلوس على موائده والورود في أجوائه، وكفاه شرفاً من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اختاره لنفسه بصريح العبارة فقال ودعا لمن أعانه على صيامه: (شعبان شهري رحم الله من أعانني على شهري)(7)

فناسب المقام ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وبيان حقوقهم ووجوب طاعتهم تذكيراً للأمة وأنهم جزء لا يتجزأ من رسول الله (صلى الله عليه وآله). إن مطلب التعريف بأهل البيت(عليهم السلام)وبيان مناقبهم وفضلهم وطهارتهم وكونهم في مرتبة الأسوة والقيادة الدينية ركز عليه النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة من قبل أيضاً، ولم يكن المطلب خافياً على السابقين من أهل البيت (عليهم السلام)
فهناك مقاطع وردت في نهج البلاغة تشير إلى ذلك منها ما ورد في الخطبة(8)رقم 109 يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة) ولا يخفى أن هذا النص شبيه بالمقطع الأول من الصلوات التي ذكرناها. ومنها ما ورد في خطبة له(عليه السلام) يذكر فيها فضائل أهل البيت رقم 154، يقول فيها: (نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً)(9)، والشعار هو ما يلي من الثياب والمراد أنهم بطانة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهناك أكثر من موضع في نهج البلاغة.
أما حقوقهم فنشير إلى بعض منها طلباً للاختصار المنسجم مع هذا البحث:
الأول ولاية أهل البيت(عليهم السلام) قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55). حيث نقل عن أئمة الحفاظ وكبار المفسرين ربما وصلوا إلى السبعين وهم بين محدث ومفسر ومؤرخ على أن الآية نزلت في حق أمير المؤمنين(عليه السلام). وقد وضع النبي(صلى الله عليه وآله) يوم (18) ذي الحجة في منصرفه من حجة الوداع في حشد كبير من الناس ولاية علي(عليه السلام) للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين، والمراد من الولاية كما هي ولاية النبي(صلى الله عليه وآله) فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، فهو بما هو زعيم للمسلمين ووليهم يتصرف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الإسلام وصيانة هويتهم والدفاع عن أراضيهم لغاية نشر الإسلام، أي إن المقصود هو صيانة مصالح الإسلام والمسلمين وهذه الولاية لا تنفك عن آثار وقد أشير إلى تلك الآثار منها: (أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59) فإن لزوم طاعة الله تعالى لا تكون لأحد إلا إذا كان معصوماً وعلم أن باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح وعدم صدور المعصية منه(10).
الثاني ومن حقوقهم أيضاً وجوب مودتهم وحبهم، قال تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23) إن أجر النبي(صلى الله عليه وآله) في التقرب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم وليس الأجر والمنفعة الدنيوية، وإن مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الأجر لكنه أجر صوري غير واقعي لأنه لم يرجع نفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بل هو يرجع إلى المحب لأهل البيت (عليهم السلام). إن مودة ذي القربى تجر المحب إلى أن ينتهج سبيلهم في الحياة ويجعلهم أسوة في دينه ودنياه (11).
الثالث إن من حقوقهم (عليهم السلام) أيضاً الصلوات عليهم عند الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله) وقد تضافرت الروايات على ضم الآل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عند التسليم(12) والصلاة عليه وهذا ما ورد في مقاطع هذه الصلاة المروية في شعبان وهناك حقوق لهم (عليهم السلام)أخرى لا نستطيع إيرادها طلباً للاختصار.

نشرت في العدد المزدوج 57-58


(1)تأملات في أدعية أهل البيت (ع)ص9 الشيخ جميل الربيعي دار السلام بيروت الأولى 2009.
(2)المراقيات الميرزا جواد التبريزي ص175 دار الاعتصام الأولى 1416هـ .
(3) موعد اللقاء ص79 رسائل الإمام الخميني (قده) إيران سنة 1996.
(4)انظر الأئمة الاثنا عشر ص 14ـ 15 عادل الأديب دار الأضواء قم 1404هـ .
(5) انظر مقدمة الصحيفة السجادية بقلم محمد باقر الصدر ص13 طبعة سنة 1378.
(6) إقبال الأعمال دار الحجة للثقافة الأولى 1418هـ إيران قم.
(7)إقبال الأعمال ص192 .
(8)نهج البلاغة دار الأسوة الأولى لسنة 1415هـ ص210 .
(9)المصدر السابق ص282 .
(10)انظر أهل البيت (ع) سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم الشيخ جعفر السبحاني مؤسسة الإمام الصادق (ع)، الثانية 1425هـ، ص129وص135 .
(11) المصدر السابق ص4 .
(12)المصدر السابق ص155 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.