قال الإمام الحسين(عليه السلام): (ما علمت أصحاباً خيراً من أصحابي).
هذه الكلمة المدوية التي أطلقها أبو عبد الله الحسين(عليه السلام) تحمل في ثناياها معاني كبيرة ودلالات عظيمة ففيها أوسمة وسم بها أبو الأحرار(عليه السلام) تلك الثلة المؤمنة من أصحابه والتي لم ير لها التاريخ مثيلا في الصبر والشجاعة وإرخاص الأنفس في سبيل العقيدة.
فإذا تأملت جيداً في قوله(عليه السلام): (ما علمت) تجد أنها تشير إلى أن هؤلاء الأصحاب هم أفضل ما خلق الله من الأصحاب وذلك لأن علم الإمام المعصوم لا يختص بزمانه ولا بمكانه وإنما يشمل جميع الأزمنة والأمكنة التي خلقها الله تعالى وقد ورد ذلك في كثير من روايات أهل البيت(عليه السلام) نذكر منها روايتين.
الرواية الأولى: في الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر عن عبد الله بن حماد عن سيف التمار قال: (كنا مع أبي عبد الله(عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين؟ فالتفتنا يمنه ويسره فلم نر أحداً فقلنا: ليس علينا عين فقال: ورب الكعبة ورب البينة ـ ثلاث مرات ـ لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر(عليهما السلام) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول
الله(صلى الله عليه وآله) وراثة) 1/ 260.
الرواية الثانية: في الكافي عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن محمد بن سفان عن يونس بن يعقوب عن الحارث بن المغيرة وعدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد الله(عليه السلام)
يقول: (إني لأعلم ما في السموات والأرض وأعلم ما في الجنة واعلم ما في النار واعلم ما كان وما يكون. قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، أن الله عز وجل يقول: (فيه تبيان كل شيء)) 1/ 260.
فمن هاتين الروايتين نعرف أن مقولة الحسين(عليه السلام) يقصد فيها أن أصحابه هم أفضل الأصحاب على وجه الأرض. والسؤال الذي نطرحه في هذه الأمسية المباركة هو حول السبب الذي جعل أصحاب الحسين(عليه السلام) بهذه المنزلة العظيمة ويمكن لنا ان نرجع هذه الأفضلية إلى خمسة أسباب رئيسية:
السبب الأول: تعلمون أيها الأخوة أن واقعة الطف حدثت في مطلع السنة 61 للهجرة وهذا يعني أن أصحاب الحسين(عليه السلام)
عاشوا في الفترة الخصبة من حياة الرسالة المحمدية ونعني بالفترة الخصبة هي الفترة المحصورة بين هجرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وبين استشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) ليلة الحادي عشر من رمضان لسنة 40 للهجرة. وقد سميت بالخصبة لعدة أسباب من أهمها ومما يتعلق بمحل كلامنا هو إن الخط الالهي الذي رسمته السماء خط النبوة والإمامة تسلم مقاليد الحكم وأصبح هو الحاكم والقائد وذلك في السنوات العشر الأولى عندما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الحاكم للمسلمين وكذلك في السنوات الأربع الأخيرة عندما أصبح أمير المؤمنين حاكماً للمسلمين وهذه الحاكمية والقيادة للرسول(صلى الله عليه وآله) ولأمير المؤمنين(عليه السلام) كان لها الأثر الكبير في نفوس القلوب الطاهرة التي دخلت الإسلام لا لغرض دنيوي بل لأنها رأت فيه روح الحب والسماحة والإنسانية.
فعلى هذه القيادة الحقة والموقف الصلب لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ومن بعده أمير المؤمنين(عليه السلام) تربت تلك النفوس المؤمنة فكانت كقيادتها نفوس كبيرة تأبى الضيم ولا تنام على الذل وإنها بقدر المسؤولية عند الاعتماد عليها فقد ترى المواقف العظيمة لهما عند تعرض الإسلام إلى المنعطفات التاريخية الخطيرة التي تعرض لها والتي كادت تؤدي بالرسالة المحمدية لولا تلك الحنكة في التدبير لدى المعصوم(عليه السلام) مما حافظ فيه على بيضة الإسلام من الضياع والانحراف عن جادة الحق. وكمثال على قوة البصيرة في التدبير ما حصل عندما صار أمير المؤمنين(عليه السلام) والياً على المسلمين فإنه ومنذ اللحظات الأولى قرر أن يعزل معاوية عن ولاية الشام ولم يتهاون أو يتهادن معه في هذا الأمر وأعلن أنه من أولى الأوليات التي يقوم بها هو عزله عن الولاية والتي انتهت بتلك الحرب التي انتصر بها أمير المؤمنين(عليه السلام) وأراد معاوية فيها الفرار لولا الخديعة التي قام بها داهية النفاق عمرو بن العاص برفع المصاحف التي أدت إلى إحداث الانشقاق في صفوف جيش الإمام علي(عليه السلام).
وشاهدنا في ذلك هو أن المتتبع لهذه الإحداث لو وضع نفسه مكان أمير المؤمنين(عليه السلام) لتريث وتوقف في عزل معاوية إلى أن يشتد ملكه فيقوم بعزله ولكن ذلك لا يجري ولا يكون عند أمير المؤمنين(عليه السلام) لأنه يمثل الخط غير المهادن وغير المخادع وأن موقفه واحد هو أما الرضا بفعل معاوية وعدم عزله وإما عزله مباشرة من دون تريث ومهادنة. فعلى هذه الحال تربت نفوس أصحاب الحسين(عليه السلام) أي على عدم المهادنة وصلابة الموقف ووحدته وهو إعلان لعدم الرضا بالظلم والطغيان والوقوف إلى جانب الحق عند الشدة واصطكاك الأسنة ولن يقبلوا لذلك بديلاً مهما كان.
السبب الثاني: أن أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) على الرغم من تنوعهم من حيث المذهب ومن حيث الوجاهة عند الناس إلا أنهم يشتركون في صفة الصدق مع أنفسهم فكانوا واضحين وصادقين عندما يرجعون إلى أنفسهم.
فبعضهم كان قد حدد موقفه منذ سنوات عديدة بل انه يعلم أنه سيقتل في طف كربلاء قبل عشرات السنين أمثال حبيب بن مظاهر الاسدي فقد وطن نفسه على الاستشهاد مع الحسين(عليه السلام)
إذ أن الرواية التي نقلها الشيخ أبو عمرو الكشي(رضي الله عنه) في رجاله تقول: مرَّ ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد فتحدثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حب أهل البيت(عليهم السلام) تبقر بطنه على الخشبة. فقال ميثم: وإني لأعرف رجلاً أحمر له ظفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة ثم افترقا. فحبيب كان صادقاً مع نفسه وحدد موقفه من أول الأمر. وبعضهم تأخر في تحديد موقفه مع الحسين(عليه السلام) كزهير بن القين إذ أنه انضم إلى معسكر الحسين(عليه السلام) متأخراً فقد كان عثماني الهوى وقد جاء من الحج مع عائلته وأصحابه وكان يتحاشى أن ينزل في مكان قريب من الحسين(عليه السلام) ولكن القدر اجبره أن ينزل على مشارف الكوفة في المكان الذي نزل فيه ركب الحسين(عليه السلام) فبعث الحسين(عليه السلام) رسوله إلى زهير فجاءه وطلب منه ان يحل ضيفاً على الحسين(عليه السلام) فعندما أتم الرسول كلامه سكت القوم وكأن على رؤوسهم الطير ولم يتكلم أحد إلا امرأته وهي دلهم بنت عمرو فقالت له: اجب داعي بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعندما جاء إلى الحسين(عليه السلام) لم يبذل الحسين(عليه السلام) جهداً كبيراً في إقناعه بالانضمام إليه سوى أنه ذكره بموقف كان قد نسيه زهير بن القين.
وهذا الموقف هو عند انتصار جيش المسلمين في معركة حدثت في مدينة بلنجر (وهي مدينة في بلاد الخزر عند باب الأبواب) فبعد أن فرحوا بالغنائم قال لهم سلمان المحمدي(رضي الله عنه) أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم.
ويتضيق وقت النصرة إلى أن يصل إلى دقائق معدودة نشبت الحرب وقتل من قتل من أصحاب الحسين وأصبح الموقف أكثر حراجة تحرك بعض من كان مع جيش الضلال إلى جيش الحسين(عليه السلام)
من أمثال النصرانيان والحر بن يزيد الرياحي وهذا التحول ليس وليد ساعته من حيث الوعي والفكر ولكن ذلك الوعي كان محتاجاً إلى الموقف الحرج الذي ينطلق فيه فمن انتقل إلى جيش الحسين(عليه السلام) كان عازماً على عدم قتال الحسين(عليه السلام) من أول الأمر ومما يدل على ذلك بعض اللمحات من قصة الحر بن يزيد الرياحي حيث أنه صرح بذلك في مواقف ثلاثة:
الأول: على مشارف الكوفة عندما قال له الحسين(عليه السلام): ثكلتك أمك ما تريد؟ قال له الحر: إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لايدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة. وهذا الرأي يعتبر خيانة لعبيد الله بن زياد ولكنه قام به كي لا يصطدم مع الحسين.
الثاني: قول الحر للحسين(عليه السلام): فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك.
الثالث: عندما أقبل أربعة من أهل الكوفة لنصرة الحسين(عليه السلام) على مرأى ومسمع من الحر وجيشه دار الكلام في شأن قبولهم بين الحر والحسين(عليه السلام)
ولكن عندما قال الحسين(عليه السلام): هم أصحابي فإن بقيت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك فعند ذلك قبل الحر بانضمامهم إلى معسكر الحسين(عليه السلام) خوفاً من مناجزته.
فكان الحر(رضي الله عنه) صادقاً مع نفسه من أول الأمر ولكنه أظهر ذلك عندما وقعت المعركة فترك قيادة تميم وهمدان واصطف مع معسكر الحسين(عليه السلام).
السبب الثالث: قوة العزيمة لدى أصحاب الحسين(عليه السلام) نتيجة قوة الخطاب الحسيني والتأثير الكبير له في نفوسهم، فقد كانت خطابات الحسين(عليه السلام) الكثيرة والمركزة تزيد من إصرارهم وعزيمتهم وكانت بقوة وبلاغة عاليتين جداً حتى أنه قال عنها أحد الأدباء (وصلت خطابات الحسين(عليه السلام) المتعلقة بالواقعة حداً فاقت فيه كلام سيد البلغاء أمير المؤمنين(عليه السلام)). ولا عجب في ذلك فأن صوت الحسين(عليه السلام) بقي مدوياً إلى هذا اليوم يتلذذ بسماعه أحرار العالم فكأنه اليوم قد قاله وكأنه اليوم أسمعه يقول:
(خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى).
ففي هذه الخطبة نعى الحسين(عليه السلام) نفسه ثم أعلن فيها الثورة.
ثم بين(صلى الله عليه وآله) الدليل الشرعي لثورته حتى لا يترك مجالاً للشك في مشروعيتها فقال(عليه السلام):
(إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله إلا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وإني أحق بهذا الأمر
ـ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ
لقرابتي من رسول الله(صلى الله عليه وآله)).
فهذه الكلمات العظيمة بعثت روح العزيمة في أصحاب الحسين(عليه السلام) مما جعلتهم يتسابقون على الموت دونه.
السبب الرابع: هو أن أصحاب الأنبياء وأصحاب الأوصياء قد خاضوا المعارك وهم يأملون أن يفوزوا بإحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة فكان احتمال النصر والحفاظ على النفس كبيراً بل يتحقق النصر في كثير من الأحيان.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن أصحاب الأنبياء وضعوا أمامهم احتمال النصر في عدة مواضع.
الأول: قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ربِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران 146، 147).
الثاني: ما ذكره من قصة داود(عليه السلام) فقال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) الآيتين 249، 250 من سورة البقرة.
الثالث: قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) البقرة 214.
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى أصحاب الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهم موعودون بالنصر على أعدائهم بل أنه حتمي لهم وذلك لأن الله وعدهم بالنصر في عدة مواطن والله لا يخلف الميعاد.
الأول: قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور الآية 55.
فقد روى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين(عليه السلام) أنه قرأ الآية وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة. وهو الذي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي أسمه أسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وروي ذلك عن ابي جعفر وأبي عبد الله(عليه السلام). وقال العلامة الطباطبائي في هذه الآية: (فالحق أن الآية إن أعطيت معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي(عليه السلام)).
الثاني: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الانبياء:105. ففي تفسير القمي قال: القائم واصحابه.
الثالث: قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص:5.
ففي معاني الأخبار عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) نظر الى علي والحسن والحسين(عليه السلام) فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه إنكم الأئمة بعدي إن الله عز وجل يقول: (ونريد…) فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة. وغير هذا الكثير من الآيات التي اعرضنا عنها اختصاراً والتي تشير إلى أن نصرة أصحاب الإمام الحجة على أعدائهم هو من القدر المحتوم الذي لا يتبدل ولا يتغير.
ولكننا إذا رجعنا إلى أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) نجد أن الحسين(عليه السلام) لم يعدهم بالنصر مطلقاً. فأننا لو تابعنا مسيرة الحسين(عليه السلام) نجد أنه يكرر في كل مناسبة أنهم يتجهون صوب المنية ولا بديل عن المنية، فهم متيقنون أنهم سيقتلون جميعاً ولا أحد ينجو من تلك المعركة ولم يضعوا في حساباتهم احتمال النصر ونجاة الأنفس من الموت. ويتضح ذلك أكثر عندما نعرف أن الحسين(عليه السلام) خرج من مكة ومعه أكثر من 3000 مقاتل ولكن صراحة الحسين(عليه السلام) مع جيشه في أنهم سيقتلون جميعاً لم يبق معهم سوى هذه الثلة القليلة. ولا نجد صراحة أكثر من قوله(عليه السلام) عند خروجه من مكة: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة) وقوله(عليه السلام):
(إن الله قد أذن في قتلكم وقتلي).
وفرق كبير بين من يدخل إلى ساحة المعركة وهو متيقن بالموت وبين من يدخل وهو واضع احتمال النصر أمامه.
السبب الخامس: صعوبة الاختبارات التي مرّ بها أصحاب الحسين(عليه السلام).
فان أصحاب الرسل والأنبياء قاتلوا مع أنبيائهم ضد الكفر والباطل في حال كان فيه الباطل واضحاً فقد كان الخصم معلناً ومتجاهراً بضلاله وكفره أي أن الباطل كان متميزاً وواضحاً فلم يتردد أحد مثلاً أن فرعون أو جالوت أو قريش كانوا على الكفر. وحتى في أصحاب أمير
المؤمنين(عليه السلام) فبالرغم من أن معاوية كان يدعي الإسلام والحق إلا أن أمير المؤمنين(عليه السلام) كان وقتذاك هو الخليفة والحاكم لبلاد المسلمين فكانت الصورة هي أن أمير المؤمنين(عليه السلام) هو الخليفة وأن معاوية هو الباغي والخارج على إمام زمانه وهو الذي مرق عن الدين.
وأما في أصحاب الحسين(عليه السلام) فقد كانت الصورة ضبابية وغامضة عند أغلب المسلمين فأن الدولة الأموية في جميع بلدان الإسلام كان تثقف على أن خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو يزيد بن معاوية وأن الحسين(عليه السلام) خرج ليشق عصا المسلمين فكانوا يصورون أن يزيد هو إمام زمانه وأن الحسين(عليه السلام) قد خرج على إمام زمانه.