Take a fresh look at your lifestyle.

العفاف زينة الأشراف

0 512

أ. م. د. مهين حاجي زاده
جامعة الشهيد مدني الأذربيجانية/ تبريز ـ إيران

العفة والحياء خصلتان لا ينال منهما التأريخ، فقد آمنت بهما الإنسانية جمعاء منذ البدء حتى الآن، ما حرصت عليهما الأديان السماوية جميعاً، ودعت للالتزام بهما الشخصيات البارزة على مرّ التاريخ، ولا غرو فإن هاتين الخصلتين الإنسانيتين تؤلفان بُعداً من أبعاد فلسفة السّتر الإنساني.
إن للعفاف من منظور الفكر الإسلامي مفهومين أحدهما له علاقة بالباطن والآخر بالظاهر، فمن ناحية الباطن يعد العفاف حالة نفسية للسيطرة على الشهوة وضبطها، أما من جهة الظاهر فهو علامات ودلالات تظهر في السلوك والقول لتشير إلى الحالة الداخلية التي ينطوي عليها الإنسان العفيف.
إذن لا يخفي الإسلام انحيازه إلى هذه الخصلة الإنسانية، وهو يدعو المرأة والرجل لرعايتها على السواء بلوغاً لحالة المال وتحقيقاً للفضيلة. وتفضي رعاية العفة في القول والسلوك إلى حفظ الفرد والمجتمع والأسرة وبقائها سليمة معافاة.

العفاف
المعنى اللغوي: العَفاف بفتح العين من العفة، وهو: (حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة)(1). أو هو:(كف عن الشيء، أي امتنع عنه، فهو عفيف)(2). وأيضا:(الكف عما لا يحل ولا يجمل)(3)وكذلك قالوا :(عف الرجل: كفَّ عما لا يحلّ ولا يجمل، قولًا أو فعلًا وامتنع)(4)
فأساس العفاف، إذن، هو الكف والامتناع، من دون أن يتضمن المعنى اللغوي الاختصاص بجنس معين، كالمرأة مثلًا دون الرجل.

المعنى الاصطلاحي:
العفاف، في منظومة الفكر الإسلامي، مصطلح له مداليل معنوية خاصة منبثقة من الآيات والروايات، ومن ثم فهو تعبير عن حالة تترافق مع نسق خاص في القول والسلوك.

العلاقة بين الحجاب والعفاف
يرتبط العفاف، بدلائل سلوكية، فلا معنى لوجوده من دون وجود تلك الدلائل والعلامات، ومن ثم لا سبيل الى حفظ العفاف من دون الالتزام بتلك الدلائل ورعاية تلك العلامات. فالعفة ليست أمرًا داخليًا وباطنيًا صرفًا، بحيث لا تكون لها

علامة تدل عليها في الخارج
عند النظر إلى المفهوم، من خلال أفق الحياة الانسانية، يلحظ أن جزءًا من الاختلاف، في دلالات العفة بين المرأة والرجل، يعود إلى التفاوت الموجود في الخلقة بين الاثنين، وأن الحجاب هو أحد علامات العفاف، حيث لا يمكن تصورالعفاف من دون الحجاب. إن المرأة أو الرجل، اللذين يظهران عاريين أو نصف عاريين أمام النظار، لا يستحقان وصف العفة، ولا يمكن نعتهما بـ(العفاف)، هذا على الرغم من أن الاختلاف في ضروب السلوك الإنساني والحيواني لها مناشىء في اختلاف الفطرة والخلقة من جهة، وفي الميول والأنماط السلوكية من جهة أخرى. وفي المنظار السلوكي الإسلامي يعد الحجاب الإسلامي إحدى الدلالات البارزة للعفاف (5). وفي الحقيقة إن (الحجاب) هو دلالة لا محيص عنها على (العفاف)، وهو علامة العفاف.
ينبغي الحفاظ على العفاف بوصفه خصلة إنسانية خاصة، وإنه أبرز أبعاد الفلسفة المعنوية للستر والحجاب بين الأمم والشعوب، وعلى صعيد الأديان والحضارات يتمثل في حفظ الخصلة الإنسانية المتمثلة بالعفة والحياء.
يمنع الإسلام النظرات المريبة غير الشرعية، ويوصي المؤمنين من النساء والرجال بغض النظر ويدعوهم إلى النظرة العفيفة، يقول الله سبحانه وتعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)(النور:30) (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )(النور:31)

السكينة الروحية للفرد والمجتمع (الصحة النفسية)
يمكن الحفاظ، من خلال العفاف، على المواهب والحؤول دون هدر الطاقات وتضييع الإمكانات ، وبالعفاف تتم صيانة المثل والقيم، ويصار إلى إعلائها، فمثلًا إن (حصر اللذة الجنسية، من منظور الإسلام، في النطاق العائلي وممارستها من خلال الزيجات المشروعة، يسهم في إرساء الصحة النفسية للمجتمع ويساعد عليها من زاوية روحية)(6). في المقابل، يقود التبرج إلى ضرب مرتكزات استقرار الأسرة والمجتمع، ويفضي إلى إشعال فتيل الاضطراب. بينما تفضي رعاية العفة في القول والسلوك إلى حفظ الأسرة وبقائها سليمة معافاة. كما أن مراعاة العفاف من جانب النساء أمام الرّجال و غض البّصر من جانب الرّجال إحدی الطرق الهامة لمنعهما من ارتاب الجرائم التي تفرّق شمل الأسرة.

ما روي في العفاف:
رويت أحاديث كثيرة تمدح العفاف وتحفز عليه، وإنه من أنبل الصفات وأرقاها، وسنكتفي بهذه :
عن أمير المؤمنين(عليه السلام) : (عليك بالعفاف فإنّه أفضل شِيَمِ الأشراف) (7)
وعنه (عليه السلام): ( العفة تضعف الشهوة ) (8) .
عن جعفر بن محمد( عليهم السلام)،قال:(أفضل العبادة العفاف)(9).
أما فيما يخص العفة في المرأة وجمالها، فيقول الإمام علي(ع): (زاة الجمالِ العفافُ)(10)
7- العفاف في القرآن
ذكر القرآن الكريم (العفاف)، باشتقاقات مختلفة في أربع سور، هي:
1- سورة البقرة، الآية:273، حيث قوله سبحانه:(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ). العفاف في هذه الآية ضرب من السلوك ينم عن السمو والرفعة، ويومي إلى كف النفس والامتناع عن مد يد الحاجة إلى الآخرين عن عزة نفس.
2- سورة النساء، الآية: 6 التي تهذب التصرف بأموال اليتامى، وهي تسجل إحدى هذه الحالات: (وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ )، فقد اطلق وصف العفاف على الكف والامتناع في هذه الآية أيضا.
3- سورة النور، الآية: 33، حيث قوله سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللهُ مِن فَضْلِهِ). فاستخدم (الاستعفاف) هنا بمعنى كبح جماح القوة الجنسية والسيطرة عليها.
4- سورة النور، الآية: 60، حيث قوله سبحانه: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ، وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فقد أوصت النساء المسنات بالعفاف وعدم التبرج فساوقت العفاف بـ (الحجاب).
إذن، العفاف هو مطلق الكف والامتناع كما يتضح من الاستعمال القرآني في الآيات المذكورة، إذ تراه يشمل أيضًا التعفف في المضمار الاقتصادي والمالي.
على ضوء ذلك كله، سيكون السؤال: هل العفاف هو حالة باطنية نفسية محضة، ما يعني أن لا علاقة له بالصيغة التي تتمظهر فيها هذه الحالة خارجيًا، ولا صلة تربطه بالشكل الذي تكتسبه اجتماعيًا؟
لا يقر القرآن الكريم مثل هذه الرؤية، بل هناك تركيز على الصيغة الادائية والتعبيرية للحالة، تومىء الى الاهمية التي يوليها لكيفية تجلي العفاف.
هذه الدلالة المزدوجة التي تعطي للعفاف معنى يشمل الكف والامتناع، ويبرز على مستوى المظاهر السلوكية والقولية، لها ما يؤيدها في الروايات الإسلامية.
تؤكد آية العفاف على الرجال أولًا، فتقول 🙁قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )(النور:30)
ثم تعطف على النساء لتأمرهن بالعفاف، فتقول 🙁 وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)(النور:31)
من الملاحظ أن الآيات تقدم غضّ البصر على حفظ الفرج لِأنَّ النظر بريد الزنا، ورائد الفجور والبلوى، وهو الباب الأكبر إلى القلب وأول طرق الحواس. وذكر تعالى حكم المؤمنات تساويهنَّ مع الرجال في الغض من الأبصار، و في حفظ الفرج. قال بعض الأدباء:
وَ ما الحُبُّ الاّ نظرَةٌ إثرَ نظرَةٍ
تزيدُ نُموّاً إن تَزِدهُ لَجاجا(12)
وأردف أمر المؤمنين بأمر المؤمنات لأنَّ الحكمة في الأمرين واحدة، وتصريحًا بما تقرر في أوامر الشريعة المخاطب بها الرجال من أنها تشمل النساء أيضاً. ولكنه لما كان هذا الأمر قد يظن أنّه خاص بالرجال لأنهم أكثر ارتكابًا لضده وقع النص على هذا الشمول يأمر النساء بذلك أيضاً وانتقل من ذلك إلىنهي النساء عن أشياء عرف منهنَّ التساهل فيها ونهيهن عن إظهار أشياء تعوّدن أن يحببن ظهورها، وجمعها القرآن في لفظ (الزينة) بقوله: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور :31). و الزينة: ما يحصل به الزين. و الزين: الحُسن، مصدر زانة.

نشرت في العدد 56


(1) معجم مفردات القرآن/ الراغب الأصفهاني ص350
(2) مجمع البحرين/ فخرالدين الطريحي ج5 ص101
(3) لسان العرب /ابن منظور ج9 ص253
(4) أقرب الموارد في فُصَحِ العربية والشوارد/الشرتوني ج2ص803
(5) التعليم والتربية في الاسلام/مرتضى مطهري ص106
(6) مسألة الحجاب/مرتضى مطهري ص 83
(7) مستدرك الوسائل / النوري ج11ص274
(8) غرر الحكم ودرر الكلم / عبد الواحد الآمدي ج 1 ص 102
(9) مستدرك الوسائل /النوري ج11ص275
(10) غرر الحكم ودرر الكلم /عبد الواحد الآمدي ج 1
(11) تفسير البحر المحيط/ أبي حيان الأندلسي ج6ص 411

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.