للمرأة دور مهم في حفظ وصيانة أخلاق المجتمع. وديمومة الحفاظ عليه يكمن في التزامها بواجباتها وحقوقها على أكمل وجه، ولا سيما تقيدها بالأمور الذاتية المظهرية كالحجاب الذي يمثل صون كرامتها ويهدف لتجسيد المرأة المسلمة. فيعتبر الحجاب صيانة الشرف والعفة. وليس الحجاب ستر الرأس والرقبه فقط، وإنما ستر كامل البدن.
فالمرأة لها المكانة الإنسانية المشرِّفة في الإسلام. هذه المكانة هي مسؤولية تدعوها إلى الاحتفاظ بها وعدم التفريط بحقها، وقد أبت كرامة الدين الحنيف أن تسمح للمرأة بأن تتلاعب أو تفرط بكرامتها، والتخلي عن الحجاب بمثابة التنازل عن العزة والشرف لأن حجابها يمثل صونها. ولهذا فرض عزّوجل على المرأة أن تصون جسدها ونفسها وأن لا تتعدى الحدود التي رسُمت لها، وإن خرجت عن ذلك فكأنما خرجت عن إطار الإسلام.
لقد أكد لنا القرآن الكريم ضرورة الحجاب في قوله تعالى﴿ يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ، ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ، وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(أحزاب/59)وفي قوله تعالى:﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾(الأحزاب/33)، أما المشكلة التي نعانيها، إن كثيرًا من النساء انخدعن بأساليب الغرب وإعلامه . حيث أصبحت لديهن القناعة التامة بأن المرأة المتحضرة المتقدمة هي التي تَفخر بجمالها وتظهر محاسنها ومفاتنها ولا داعي للتستر والتخفي، وتصورن الحجاب شبحًا جاثمًا على أجسادهن يمنعهن من الحركة والعمل. والحقيقة أنهن لم ينظُرن أو يُدققن لأي درجة وصلت الفتاة الغربية أو الشرقية من التقدم والتحضر غير الانحطاط والرجوع إلى الجاهلية وبيع الشرف وشياع الفساد. وهذا نقيض للفتاة المسلمة التي تدعوها قيمها على حفظ العفة والعزة، وليس لمعاينة الناس إليها والتلذذ بجمالها في كل مكان. والقيم المبدئية لا تدعو المرأة أن تكشف جمالها أمام الآخرين وإنما تتميز بإيمانها والتزامها وأن تكون داعية للمعروف ناهية عن المنكر.وطالما التزمت المرأة وأدركت ما هي خلفية حجابها،حينئذ تضمن ديمومة التزامها وسلامة إيمانها، والبقاء على هذا الأمر يزيدها إيمانًا وقناعةً تامةً تصونها من الآفات. من الثابت تاريخياً أنّ الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقية لدى بعض الأمم، فقد كان الحجاب ظاهرةً في بلاد ماوراء النهرين وبين اليهود والنصارى وكذلك العرب في الجاهلية، وفي بلاد الهند، وكان الحجاب لدى هذه الأمم أكثر تشدّداً ممّا جاء في شريعة الإسلام. (1).
معنى الحجاب:
الحجاب في اللغة: مصدر حجب ويعني الستر، وهو كل ما يستر المطلوب ويمنع الوصول إليه، وحجاب المرأة: ما تتستر به (2) وقيل : (الحجاب : الستر، وحَجَبَهُ : منعه من الدخول ، ومنه الحجب في الميراث، والمحجوب : الضرير، وحاجب العين : جمعه حواجب) (3).
الحجاب كل ما ستر المطلوب ، أو منع من الوصول إليه. ومنه قيل للستر: حجاب؛ لمنعه المشاهدة، وقيل للبواب: حاجب؛ لمنعه من الدخول. وأصله جسم حائل بين جسدين (4).
الحجاب في الاصطلاح:
هو لباس شرعي سابغ تستتر به المرأة المسلمة ليمنع الرجال الأجانب من رؤية شيء من جسدها(5)
إن استخدام كلمة الحجاب بمعنى ستر المرأة استخدام جديد نسبياً، فقديماً وعلى الخصوص في مصطلح الفقهاء تُستخدم كلمة (الستر) بدلاً من الحجاب.وقد كان الأفضل أن لا تُستبدل الكلمة وأن تُستخدم دائماً كلمة (الستر)، إذ أن معنى الحجاب اللغوي هو (البردة)، وحين تُستخدم في مورد الستر فذلك باعتبار أن جسد المرأة يكون خلف سِترها، ومن هنا تخيّل بعضهم أن الإسلام أراد أن تبقى المرأة خلف حائل ووراء البردة وتُحبس في دارها ولا تخرج منه.
إن الستر الذي فرضه الإسلام على المرأة لا يعني أن لا تخرج المرأة من بيتها، ولم تطرح في ثقافة الإسلام مسألة حبس المرأة وسجنها في الدار، نعم كان هذا العرف سائداً في بعض الحضارات القديمة في الهند وإيران القديمة، ولكن لا وجود لهذا العرف في الإسلام.
تعريف ببعض المصطلحات ذات الصلة:
الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها، ومنه حديث :(لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار)(6) والمقصود بالحائض هنا : من بلغت سن المحيض ، لا من هي في الحيض ، فهي معفاة من الصلاة ، وتخمرت به : أي الخمار : واختمرت : لبسته ، وخمرت به رأسها : غطته، وأصل التخمير التغطية ، ومنه خمار المرأة والخمر ؛ لأنها تغطي العقل(7)وكل مغطى مخمر. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (خمروا الآنية ) أي غطوها (8) وجمعه أخمِرة وخُمُر (9).
النصيف: الخمار وقد نصفت المرأة رأسها بالخمار، وانتصفت الجارية وتنصفت:أي اختمرت . ومنه الحديث في صفة الحور العين : (ولنصيف إحداهن على رأسها خير من الدنيا وما فيها) (10)، وهو الخمار ، ومنه قول النابغة يصف امرأة :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتنـاولتــه واتقـتـنا باليـــد
قال أبو سعيد : النصيف : ثوب تتجلل به المرأة فوق ثيابها كلها ، سمّى نصيفًا، لأنه نَصَفَ بين الناس وبينها فعجزت أبصارهم عنها (11) . الجلباب : هو ما تغطي به المرأة الثياب من فوق كالملحفة وقيل : هو الخمار. وقيل: جلباب المرأة : ملاءتها التي تشتمل بها ، وجمعها جلابيب. والجلباب أيضا: الرداء، وقيل: هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها ، وقيل : الجلباب: ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه ، وهو المقنعة (12)
وقال القرطبي في تفسيره : ” الجلابيب جمع جلباب ، وهو ثوب أكبر من الخمار ، وروي عن ابن عباس ، وابن مسعود : أنه الرداء ، وقد قيل : إنه القناع، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن (13) النقاب :
القناع الذي تستر به المرأة النصف الأسفل من وجهها من مارن أنفها إلى نحرها (14) ، وقد تنقبت المرأة وانتقبت، وإنها لحسنة النقبة، والنقاب بالكسر.
النقاب عند العرب:
هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاحقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين ، والأخرى مستورة ، والنقاب لا يبدو منه إلا العينان ، وكان اسمه عندهم الوصوصة، والبرقع، وكان من لباس النساء ، ثم أحدثن النقاب بعد (15).
أهداف الحجاب:
عندما شرع الإسلام الحجاب أراد من ذلك تحقيق أهداف ومقاصد ، أهمها:
1ـ طهارة قلوب الرجال والنساء من الخواطر الشيطانية التي تفسد النفوس وتميت القلوب قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن﴾ (الأحزاب/٥٣)
2ـ حفظ النساء وصيانتهن من أن يتعرضن لأذىً أو شر، لأن الحجاب يضفي على مرتديته مهابة، تمنع الفساق عن التجرؤ عليها قال تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ (الأحزاب/٥٩)
3ـ يعد الحجاب في الظاهر، ترجمة لصلاح المرأة في الباطن وبقائها على فطرة الحياء الذي هو من لوازم
الأنوثة.(16)
فلسفة الحجاب:
سعى المناهضون لظاهرة الحجاب إلى إبراز جملة ممارسات ظالمة بوصفها عللاً لهذه الظاهرة ولم يميّزوا في ذلك بين الحجاب الإسلامي وغير الإسلامي، فأوحوا أنّ الحجاب الإسلامي ينطلق من هذه الممارسات الظالمة أيضاً. وقد طرح الباحثون نظريات متنوّعة بصدد أسباب ظهور الحجاب وقد ثبّتت هذه الأسباب في الأعمّ الأغلب لإبراز الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسةً جاهلةً.
ولكن فلسفة الحجاب الإسلامي ترجع إلى عدّة عوامل، بعضها ذو جانب نفسي والآخر ذو جانب أسري، وبعضها ذو بُعد اجتماعي وآخر يرتبط برفع مستوى المرأة واحترامها والحيلولة دون ابتذالها.
إن تشريع الحجاب من شأنه أن يساهم في تثبيت التماسك الإجتماعي، لأنّه يساهم في تثبيت علاقة الرجل بالمرأة في دائرة الأسرة ويمنع من جرّها إلى دائرة المحيط الاجتماعي العام بشكل فوضوي ومتفلّت، وهو بذلك يمنع من تعطيل الطاقات الإجتماعية وإضعاف الطاقة الإنتاجية للمجتمع، بخلاف ما أدّت إليه ثقافة السفور المعتمدة في الغرب والتي تقوم على الانحلال وعدم وضع القيود والضوابط التي تؤدّي إلى إضعاف وتعطيل الطاقة الاجتماعية وتعطيل قوى المرأة وحبس استعداداتها.
لقد تحدثت بعض آيات القرآن الكريم عن الحجاب، وهذا يؤكد أهمية هذا الموضوع. فقد استعمل لفظ الحجاب في سورة الأحزاب آية 53: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ) ولكن الحجاب الذي يُلزم القرآن النساء به هو الخمر(مفرده خمار، بكسر(الخاء)وفتح(الميم)) وجاء في سورة النور آية 31 : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، والحجاب الآخر الذي يُلزم القرآن النساء به هو الجلابيب (مفرده جلباب) في سورة الأحزاب آية 59 و نقرأ في هذه الآية﴿يا أيها النَّبي قُل لأَزوَاجِك وَبَناتِك وَنِساءِ المُؤمِنينَ يدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلبِيبِهِنَّ ذلِك أدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يؤذَينَ وكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيما﴾.
في الختام نصل إلى أن للستر علاقة اساسية وثيقة بالعفاف، ومن ثم لا يجوز لإنسان أن يكون منحازًا للعفاف والحياء، ويكون مخالفًا للحجاب في الوقت نفسه. فالحجاب الإسلامي هو الصيغة الأكمل في التعبير عن الالتزام بالعفاف.
نشرت في العدد 55
هوامش:
(1) للمزيد راجع الصحيح من سيرة النبي الأعظم/جعفر مرتضى العاملي ص151 وما بعدها.
(2) لسان العرب لابن منظور 3/50.
(3) مختار الصحاح/الرازي 1/51.
(4) التوقيف على مهمات التعاريف/ محمد المناوي،:1/268.
(5) الإسلام وبناء المجتمع /حسن أبو غدة، د.ت:١١٤.
(6) وسائل الشّيعة/الحرالعاملي 4/408.
(7) شرح النووي علی صحيح مسلم :3/210.
(8) تاج العروس/الزبيدي: 11/ 214.
(9) تهذيب اللغة/الأزهري: 7/162.
(10) النهاية في غريب الحديث والأثر /ابن أثير الجزري: 5 / 66.
(11) معجم الملابس في لسان العرب: ص 126.
(12)لسان العرب/ابن منظور: 1/273؛ تاج العروس/الزبيدي: 2/175؛ مختار الصحاح/الرازي: 1/45.
(13) الجامع لأحكام القرآن /القرطبي: 14/243.
(14) معجم الفاظ الفقه الجعفري/د.احمد فتح الله ص428.
(15) لسان العرب: 1 / 768 ؛تاج العروس: 4 / 296 ؛( النهاية في غريب الحديث:5 /97.
(16) الإسلام وبناء المجتمع /أبو غدة، د.ت: ١١٦.