إن للتربية دوراً كبيراً في بناء الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فمن طريقها نستطيع أن نجعل الإنسان عالماً صالحاً نافعاً في المجتمع الذي يعيش فيه، أو جاهلاً ضاراً، وهدف التربية تنمية القابليات الإنسانية وصياغة الشخصة البشرية الصالحة، وتنشئة الجيل والنهوض به نحو الأخلاق السامية.
وإنَّ الهدف الأكبر من التعليم في المرحلة الإبتدائية هو أنْ ننمي في كل تلميذ جانبين أساسيين هما الجانب التربوي (الأخلاقي) والجانب العلمي، انطلاقاً من الأهداف التربوية العامة والخاصة التي وضعت للمرحلة الابتدائية.
ولأهمية مرحلة التعليم الابتدائي بوصفها اللبنة الأولى والأساسية التي تستوعب الطفل من السابعة إلى الثانية عشر من عمره، جاءت أهمية التربية الأخلاقية وملاحظة السلوك الذي يصدر منه ومتابعته باستمرار وبيان مدى التغيير الحاصل فيه.
كما أن الوظيفة الأساسية للتربية والتعليم هي تنمية الإدراك والميول وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتفق مع صالح الفرد والمجتمع، والهيئات التعليمية هي المسؤولة عـن إدارة هذا التوجيه وتنمية الشعور في خدمة البشر والاندفاع في العمل الإيجابي في صالح الخير(1).
ومن الملاحظ أنه قد كثرت هذه الأيام شكوى المعلمين والتربويين والمتعلمين وأولياء الأمور من ظاهرة زيادة العنف لدى أبنائهم في المدرسة، فالأطفال في الوقت الحالي تزداد مشكلاتهم الاجتماعية سواء أكانت مع زملائهم أم في داخل أُسرهم، والبعض منهم يعاني من صعوبة في التكيف داخل الوسط المدرسي والاجتماعي.
فالعنف هو السلوك الذي يتم بالقسوة والشدة والإكراه إذ تستثمر فيه الدوافع العدائية استثماراً صريحاً, كالضرب والتقتيل للأفراد وتحطيم الممتلكات(2).
وهو: الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين(3).
وهو : الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية، المهدد بها أو الفعلية ضد طفل من قبل أي فرد أو جماعة تؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل أو بقائه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته(4).
وإن للعنف آثارًا سيئة تمتد إلى ميادين الحياة الأخرى فهو فقدان للأمن النفسي والتربوي لدى الأطفال ويؤدي إلى التأخر الدراسي عامة، وبالتالي يعجز الأطفال عن اكتساب المعرفة ويؤدي إلى زيادة المشكلات الاجتماعية وإلى التسرب من المدرسة وأحياناً يقود إلى السلوك العدواني بمختلف مظاهره المتعددة، أو قد تؤدي إلى حصول ظاهـرة الجنوح.
فنلاحظ أنَّ الإسلام يؤكد على نبذ العدوان والعنف، باعتبارهما عاملَين يعملان معولاهما في هدم المجتمع ويسعيان إلى عدم تحقيق الأمن فيه، قال تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (سورة البقرة:190) وقال تعالى: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (سورة المائدة: من الآية87).
كما أن العدوان، والعنف، والتعسف، والقهر والتسلط ومصادرة الحرية هي أقصر الطرق لتدمير شخصية الفرد وجعله انسانًا غير ذي قيمة داخل مجتمعه، وبذلك يفقد حاجة مهمة من حاجاته الأساسية التي أكدها علم النفس وهي الحاجة إلى الإحترام والتقدير وتحقيق الذات.
ونظراً لما تمثله شريحة الأطفال في المرحلة الإبتدائية من نواة أساسية لتكوين المجتمع، ولخطورة المرحلة العمرية التي يمرون بها ولتأثرهم السريع بالأحداث والمجريات، ولسرعة التقليد والمحاكاة لديهم،كان من الضروري دراسة أسباب ازدياد العنف لديهم من وجهة نظر السادة المعلمين لأنهم على تماس حقيقي ومباشر مع شخصيات تلاميذهم ولمعرفتهم ببعض الأمور التي قد تخفى على الآخرين.
ونتيجة للشعور السابق بما يعانيه أغلب أطفال المدرسة الابتدائية من ازدياد ظاهرة العنف، شرع الباحث في بيان الأسباب الكامنة وراء هذه ظاهرة وتحددت المشكلة بالإجابة عن السؤال الآتي :-
– ما أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة العنف لدى الأطفال في المرحلة الابتدائية من وجهة نظر معلميهـم ؟
ولبدء العمل اختار الباحث (200) معلمٍ ومعلمةٍ بمرحلة التعليم الابتدائي وجه إليهم استبانة استطلاعية لمعرفة أسباب زيادة العنف لدى الأطفال تضمنت السؤال الآتـي : ما الأسباب التي تؤدي إلى زيادة العنف لدى الأطفال في المرحلة الابتدائية ؟ وبعد دراسة البيانات ومعالجتها إحصائياً أوضحت نتائج البحث أنَّ هناك جملة من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة العنف لدى الأطفال في المرحلة الابتدائية، وهي كما يأتي :
1. استخدام القسوة والقوة في التعليم.
2. كثرة أعداد الأطفال (التلاميذ) داخل المدرسة وداخل الصف الواحد.
3. الغياب المتكرر للتلاميذ.
4. ضعف قيادة بعض المعلمين في المدرسة .
5.غياب الرقابة الشديدة للمدير ولأولياء الأمور.
6.عدم وجود مرشد تربوي ونفسي في الكثير من المدارس.
7. مشاهدة أفلام العنف .
8.تشجيع بعض أولياء أمور التلاميذ على العنف.
9.استعمال الألعاب التي تثير حفيظة العنف لدى التلاميذ.
10.الثقافة العامة لأولياء الأمور ليست بالمستوى المطلوب.
11.المشكلات الأسرية .
12.غياب الحرية وتعبيرها.
13. الكبت الشديد لدى الأطفال.
14.التربية الخاطئة من قبل الوالدين.
15.فقدان الشعور بالأمن نتيجة الحرمان والإحباط.
16.الكراهية الشديدة.
17.الغيرة بين التلاميذ.
18.انتشار مثيرات الخوف في التلفاز أو الانترنيت أو جهاز الموبايل.
19.ازدياد الصدمات النفسية.
20.التأخر الدراسي لدى بعض التلاميذ.
21. حرمان بعض الأطفال من المستلزمات الأساسية للحياة.
من خلال النتائج التي توصل إليها الباحث، فإنه أوصى بما يأتي لغرض الحد من انتشار العنف بين التلاميذ في المرحلةالابتدائية :-
يجب إخلاء المدرسة من كل مظهر من مظاهر العنف سواء الإدارية أم التربوية.
تبصر أولياء الأمور بأهمية مرحلة الطفولة في حياة أبنائهم.
متابعة غيابات التلاميذ بصورة مستمرة.
التعاون بين الأسرة والمدرسة.
مراقبة السلوك المدرسي للأطفال أثناء الاستراحة.
التأكيد على عقد مجالس الآباء بين الحين والآخر.
تفعيل مبدأ الإرشاد التربوي داخل المدارس واعطاؤه أهمية كبيرة.
تجسيد الصور المثالية الأخلاقية في سلوكيات التلاميذ عن طريق ما يعرضه المنهج أو ما يعرضه المعلمين من نماذج واقعية حقيقية.
التأكيد على الروح التعاونية بين التلاميذ وتشجيعهم عليها.
10. التأكيدعلى دور الأسرة بالتوجيه والإرشاد وحسن المتابعة.
11. إطلاع معلمي المرحلة الابتدائية على الاتجاهات التربوية الحديثة في التربية والتعليم، عن طريق إقامة الدورات والندوات التربوية والتطويرية لتطوير قابلياتهم الإدارية ومقدرتهم على حل المشكلات.
12. إعادة النظر في عدد التلاميذ في الصف الواحد.
13. إقامة مكتبات للتلاميذ في كل مدرسة وتوجيههم إلى الكتب التي تناسب مستواهم، وتخصيص حصة دراسية لذلك، وتشجيعهم على القراءة الحرة والمطالعة في أوقات الفراغ.
14. إغناء المدارس بساحات الرياضة وتوفير المستلزمات الرياضية لامتصاص جانب النمو الحركي الزائد لدى التلاميذ.
نشرت في العدد 53
(1) النظام التربوي في الاسلام/ باقر شريف القرشي ص 117
(2) موسوعة علم النفس والتحليل النفسي / فرج عبد القادر ص 55
(3) العنف والجريمة/ جليل وديع شكور ص 31
(4) التقرير العالمي عن العنف والصحة ص 5