ونحن نعيش أيام المحرم الحرام ، أيام عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ابن الزهراء(عليها السلام) ريحانة المصطفى(صلى الله عليه وآله)(1): (حسين مني وأنا من حسين أحبَ الله من أحبَ حسيناً، حسين سبط من الأسباط )(2).
فنعيش أيام نهضة الإمام الحسين التي قامت ضد نظام بني أمية المتمثل آنذاك بنظام الطاغية يزيد، شارب الخمور، اللاعب بالقرود والفهود، المعلن بالفسق والفجور، كما يروي المؤرخون. كابن حجر وغيره(3).. ويكفي يزيد (لع) خزياً وعاراً ما قاله ابنه (معاوية الثاني) عندما مات والده يزيد واصفاً إياه بقوله: (……. ومن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبؤس منقلبه وقد قتل عترة الرسول، وأباح الخمر، وضرَبَ الكعبة )(4).
ونحن إذ نعيش هذه الذكرى الأليمة الحزينة, وهذه الحالة المأساوية الفظيعة وهذا الانحطاط الشديد في نفوس المسلمين, إذ بَعْدُ لم تبلَ ملابس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما زال صوته يُدَوي في أسماعهم: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي)(5) وقوله (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين أحبَ الله من أحبَ حسيناً، حسين سبط من الأسباط )(6).
أليست هذه نكبة تصيب المسلمين إذ يُقتل ابن بنت نبيهم ويُفعل به هذا الفعل الشنيع الذي تأباه كل المبادئ الإنسانية فضلاً عن المبادئ الإسلامية، ولم ينكر منهم أحد, إلا أفراد على عدد أصابع اليد, فأي انحطاط وصلت إليه النفوس, وأي موت أمات تلك القلوب, وأي ذُلِّ وخنوع عاشته تلك الجموع !؟.
فنحن إذ نرفض هذا الخنوع والذل وهذا الانحطاط السحيق أولاً, ونعلن عن ولائنا لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ولآله وخصوصاً لولده الحسين(عليه السلام) ولموقفه الأبي موقف العز والإباء موقف السمو والشموخ ثانياً. وإنه ليتم إعلان ولائنا ونصرتنا للحسين (عليه السلام)
ورفضنا لانحطاط تلك النفوس وخنوعها وذلتها ولمن يمشي على ركبهم على مر الأزمان والدهور, رفضنا التام لذاك النظام الأموي المستهتر بكل مبدأ أقرته الأديان والإنسانية. ومن يسير على نهجه, وذلك عبر عدة موارد من أهمها : عقد مجالس العزاء على الحسين(عليه السلام) وذكر ما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه وما أصابهم ونبكي ونتباكى على ذلك, وعقد هذه المجالس تجنى منها ثمرات عديدة :
1- إعلان مِنا عن الولاء والمحبة والنصرة للإمام الحسين(عليه السلام) ابن بنت نبينا (صلى الله عليه وآله) وهو إعلان عن نصرة الإسلام ونصرة نبي الإسلام وهو جد الحسين(عليه السلام).
2- إعلان منا عن السير على دينه ودين أبيه وجده المصطفى (صلى الله عليه وآله) مهما كلفنا من ثمن.
3- بيان ما جرى عليه(عليه السلام) وعلى أهل بيته وصحبه وعياله وأطفاله من انتهاكات وجرائم مأساوية تتنافى مع كل المبادئ الإنسانية والدينية وإدانتها بأشد إدانة وإيصالها إلى كل الأجيال جيلًا بعد جيل .
4– رفض الخنوع والذل والخضوع للظلم والاضطهاد مهما عظمت قوته واشتد ساعده.
5- التمسك بمبادئ الدين والتضحية من أجله بالغالي والنفيس وفق الموازين الشرعية.
6– التبري من النظام الأموي وممن يسير على دربه ونهجه.
7- إظهار دجل الأمويين وانحرافهم ونفاقهم وكيفية وحشيتهم وعدائهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل فتح مكة وبعد استسلامهم بعد فتح مكة.
8- كشف مؤامرات الأمويين ضد الإسلام والمسلمين .
9- رفض الظلم والظالمين وكل الأنظمة الظالمة مهما عظمت شوكتها واستحكمت هيمنتها وسطوتها، اقتداء بالحسين(عليه السلام)، وعقد المجالس على الحسين(عليه السلام) تبقيه حيًا في القلوب وتنشر مبادئه التي ثار من أجلها وشعاراته التي هتف بها، كشعاره (وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة ……) ولو قالوا: إن الإسلام لا يُجوِّز البكاء على الميت, وإن البكاء على الميت يؤذيه فإن بكاءكم على الحسين يؤذيه ويُبعدكم عن رضا الله تعالى. فما هو جوابنا على هذه الشبهة أو على هذا الإشكال؟.
والجواب على ذلك:
أولاً: من قال إن الإسلام لا يُجوِّز البكاء على الميت. فإنه لا دليل على ذلك.
ثانياً: لدينا أدلة كثيرة على رجحانه واستحبابه، فضلًا عن إباحته وجوازه.
ودليلنا على نحوين. دليل قرآني ودليل سنتي. وقبل عرض الأدلة، ننبه إلى أن البكاء حالة غريزية في الإنسان متأصلة فيه، لا أنها حالة عارضة، وهو تعبير عن صفة الرحمة. ولهذا نقرأ عند علماء النفس والأخلاق أنهم لم يجدوا بين الصفات الإنسانية كلها صفة أفضل وأشرف من الرحمة ورقة القلب على الآخرين.
ولذا نجد القرآن الكريم يبين منة الله سبحانه ولطفه ونعمته على الذين اتبعوا عيسى(عليه السلام) أن جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة، فهذا قرآننا الكريم ينطق عن الحكيم جل وعلا: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً…….)(الحديد: 27). ولذا استدعى هذا الأمر بعض الفلاسفة أن يعدلوا عن تعريف الإنسان بالحيوان الناطق إلى أنه (حيوان ذو عطف) وعليه فلا إنسانية مطلقاً بدون العطف على مصائب الآخرين وبدون الرحمة والرقة على آهات وأنات المظلومين.