إن المعايشة الزوجية تتيح لعناصرها التعرف إلى أدق حقائق الآخر وعلى التطورات الطارئة الصالحة والناشزة، مما يوجب عند البوادر الخيرة المشاركة والتشجيع، وعند البوادر الناشزة اتخاذ إجراء وقائي، أما التذرع ببعض الحيل النفسية في عدم التفاعل مع المستجدات فإن من شأنه أن يُعمق المشكلة ويزيد التعنت في رأيه والعناد والعصيان؛ لهذا قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)(النساء:34).
وقبل بيان المراد من الآية الكريمة نرى من الضرورة بمكان التعريف بـ (النشوز)، فهو في اللغة: المرتفع من الأرض(1)، والنشوز عند الفقهاء: هو عصيان أحد الزوجين والترفع عن مطاوعة الزوج الآخر ومتابعته، وعدم القيام بواجباته، وأداء حقوقه التي وجبت على كل منهما للآخر(2).
أي أن النساء اللاتي تخافون نشوزهن (بظهور أسبابه وإماراته، ونشوز المرأة عصيانها لزوجها واستيلاؤها عليه ومخالفتها إياه)(3). فنلحظ في هذه السمة السبق والاحتياط في العلاج قبل وقوع المشكلة، ومن المعلوم أن الوقاية من المشكلة خير من العلاج منها بعد وقوعها.
أولًا: إجراء وقائي:
فالوعظ في ذاته إجراء وقائي، فإن (نشزت المرأة عن فراش زوجها قال زوجها اتقِ الله وارجعي فهذه موعظة)(4).
وفي شأن تصرف الزوجة الوقائي في الحفاظ على الأُسرة وكيانها، وقد اتضحت بوادر للمشكلة من سلوك الزوج كما يقول الله سبحانه: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا)(النساء:128). فإذا شعرت المرأة من زوجها (الترفع عليها أو الإعراض عنها بسبب الكراهية لها لكبر سنها أو لغير ذلك من الأسباب والأمور وأراد طلاقها فلا إثم ولا حرج عليهما من سلوك طريق المصالحة والتوفيق بينهما)(5).
ولعل هذه المصالحة تحتاج إلى مبادرة وقائية لأجل شيء أهم في احتواء المشكلة قبل استفحالها فـ (لا مانع من أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها وتتصالح مع زوجها من أجل حماية العلاقة الزوجية من التصدع)(6).
فلا تُكلفه نفقة خوف الطلاق أو الإعراض عنها، فعلى الزوج تفهم حرص الزوجة على ديمومة الحياة الزوجية وبهذا (فلا جناح عليه أن يقبل ذلك)(7) منها.
ومع هذا فإن الله سبحانه وتعالى وصف ذلك العلاج بأنه إجراء وقائي منذ اللحظة الأولى التي تظهر فيها بوادر النشوز، فكم من مشكلة تبدأ تافهة أو غير معقدة أو فردية أو سهلة العلاج ولكنها تُهمل أو ينشغل عنها الجميع فتستفحل ويصعب علاجها فيكون مآلها الانهيار وتحطم الأسرة.