Take a fresh look at your lifestyle.

المقاومة البكتيرية (Bacterial Resistance ) ضد أدوية المضادات الحيوية (AB Drug) مشكلة متنامية في العراق

0 556

عبد الوهاب رزاق

          تعتبر أدوية المضادات الميكروبية (Antimicrobial drugs ) ومن ضمنها المضادات الحيوية (Anti-biotics) من أكبر العوائل الدوائية في علم الأدوية وأكثرها استخدامًا في المجال الطبي في وقتنا الحاضر، بعد اكتشاف أوائل هذه المجموعة صدفةً من قبل العالم البريطاني السير (اليكساندر فيلمنج) في عام 1928م حيث استطاع تحديد البنسلين، ولكن لم يستطع انتاجه، ولاحقا في عام 1939م استطاع عالم الصيدلة (هوارد فلوري) وعالم الكيمياء الحيوية (إرنست بوريس تشين) إنتاج وصناعة البنسلين الذي أنقذ حياة الملايين من الناس والجنود خلال الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1935م أنتج أول مضاد حيوي، وهو برونتوسيل ( Prontosil) الذي يعتبر أول أنواع أدوية السلفانمايد (Sulfonamide).

          تعمل هذه المجموعة من الأدوية على القضاء أو منع نمو البكتريا التي تسبب العدوى، وتعتبر في يومنا هذا بعض الأمثلة الأكثر دراماتيكية على التقدم في الطب الحديث، فبعض أمراض العدوى البكتيرية التي كانت تعتبر في السابق تقريبًا قبل عام 1930م من الأمراض المستعصية والتي لا علاج لها وتؤدي إلى الوفاة مثل مرض ذات الرئة (Pneumonia) وتسمم الدم (Septicemia) والتدرن (Tuberculosis)، تعتبر الآن هذه الأمراض بسيطة وسهلة العلاج بجرع قليلة من هذه الأدوية، ولكن المشكلة التي تقوض نجاح هذه الأدوية في وقتنا الحاضر هي المقاومة البكتيرية.

      في الحقيقة فإن هذه المقاومة ليست مشكلة حديثة بل ظهرت بعض أنواع البكتريا كــــــ (Streptococci، Gonococci، Pneumococci) المقاومة للسليفونمايد في أوائل عام 1940م وقد حذر السير اليكساندر فليمنج في عام 1945م من أن الاستخدام المفرط لهذه الأدوية يؤدي إلى تكوين المقاومة، ولكن المشكلة أخذت بالظهور على نطاق أوسع بين أعوام 1980 و1990م عندما لاحظ بعض العلماء والأطباء فشل بعض هذه المضادات في معالجة بعض أمراض العدوى البكتيرية.

          وفي شهر نيسان من عام 2014م أصدرت منظمة الصحة العالمية WHO بيانًا قالت فيه (هذا التهديد الخطير لم يعد تنبؤا بالمستقبل، إنه يحدث الآن في كل منطقة من العالم ويمكن أن يصيب أيَّ شخصٍ وأيَّ عمر وأيَّ بلدٍ، المقاومة البكتيرية الآن تمثل التهديد الرئيسي للصحة العامة)،

        وسبب فشل هذه الأدوية في العلاج هو خلق المقاومة من قبل البكتريا ضد هذه الأدوية وهذا موضوع خطير أخذ بالازدياد ليس على مستوى العراق فقط بل حتى على مستوى الدول المتقدمة طبيًا، فهو يعتبر الآن مشكلة عالمية تهدد الصحة العامة، وتحتاج إلى اهتمام من قبل المؤسسات الصحية، وتحتاج إلى إنشاء برامج توعية بهذا الموضوع الخطير للكوادر الطبية والمجتمع على حد سواء، ولما لهذا الموضوع المهم من تأثير صحي واقتصادي على المريض والمؤسسات الصحية.

           المصطلح (pan-drug resistanceيشير إلى آليات المقاومة الجديدة والمستحدثة من قبل بعض أنواع البكتريا، ولبعض أنواع المضادات الحيوية الشائعة كالبنسلينات وسيفالوسبورينات وسيلينومايد وغيرها، وربما لجميع أنواع المضادات الحيوية المتوفرة في الأسواق، هذه المقاومة المنتشرة عالميًا تهدد قدرة الأطباء على معالجة أمراض العدوى البكتيرية، ونتيجة لهذا فهناك زيادة في مده المرض وقد تؤدي في البعض الحالات إلى الموت،

          فمع عدم وجود مضادات حيوية فعالة تعمل على منع ومعالجه العدوى البكتيرية، أو استخدامها كعلاج وقائي في العمليات الطبية كالولادة القيصرية أو استبدال مفصل الورك وغيرها من العمليات الرئيسية التي تحتاج إلى استخدام مضاد حيوي قبل العملية أو خلالها أو بعدها، فإن معدل الإصابة بالالتهابات البكتيرية عالٍ جدًا.

         أسباب تكون هذه المقاومة هي الطفرة الجينية بالدرجة الأساس التي تحدث لأسباب طبيعية وعشوائية (random spontaneous mutation) أو ما يصطلح عليه بالتطور العمودي (vertical evolution) أو تكون مكتسبة (acquisition)، والذي يصطلح عليه بالتطور الأفقي (horizontal evolution) حيث تقوم البكتريا المقاومة بنقل الجين المقاوم (resistome) إلى بكتريا أُخرى غير مقاومة، وتحدث المقاومة نتيجة تعرض الميكروب إلى مواد كيميائية كالمضادات الحيوية أو ظروف أخرى تهدد وجود الميكروب وتقضي عليه.

         ووفقًا لنظرية التطور فإنه غالبًا ما ستقوم هذه البكتيريا بتطوير آليات جديدة للدفاع والبقاء في هذه الظروف الجديدة، وهذه إحدى ميزات هذه الكائنات التي عاشت وتأقلمت مع الظروف القاسية على كوكب الارض منذ مليارات السنين، أحد أهم هذه الدفاعات هو حدوث الطفرة الجينية في تصنيع بروتينات جديدة تعمل كنواقل أو تغير تركيب البروتينات الأصلية أو انتاج إنزيمات معينة فلا تستطيع المضادات الحيوية العمل عليها، وغيرها الكثير من الطفرات، يصطلح على البكتريا المقاومة في البعض الأحيان ( superbugs).

   ومن أمثله هذه المقاومة:

   1- تكوين البكتيريا مقاومة ضد مجموعة أدوية البيتا لاكتام: (B-lactam) من أمثلة هذه المجموعة في الصيدليات العراقية (أموكسلين، سيفاليكسين (كفلكس)، سيفتراكسون، سيفوتاكين (كلافوران))، من خلال الجينات المقاومة التي إما تنتج إنزيمات معينة كأنزيم البتا لاكتاميز (B-lactamase) الذي يقوم بتدمير أدوية هذه المجموعة (أموكسلين وأمبسلين) والجينات المسؤولة عن هذا الطفرة (amp C،bla Z) أو إنتاج نواقل تقوم بنقل هذه الأدوية عند وصلها إلى جدار البكتيريا بعيدًا عن البكتيريا والجين المسؤول عن هذا (opr M) أو تغير موقع عمل المضاد الحيوي على البكتيريا والجين المسؤول عن هذا (mec A) الذي يقوم بتقليل جاذبية هذه المجموعة إلى بروتين معين يسمى (penicillin-binding protein 2a (PBP2a.

   2- تكوين بكتيريا مقاومة ضد مجموعة مايكروليد (Macrolides)، من أمثلة هذه المجموعة (ايرثرومايسن، كلاثرومايسن، ازيثرومايسن) عن طريق إنتاج إنزيم يسمى (Esterase) الذي يقوم بتدمير تركيب هذه المجموعة، والجين المسؤول عن إنتاج هذا الإنزيم (ereA، ereB) أو عن طريق إضافة جزيء سكر (sugar (إلى المركب بعملية تسمى (Glycosylation)، والجينات المسؤولة عن إنتاج إنزيم يقوم بهذه العملية هي (mtg، oleI، and oleDأو تغير تركيب هذه الأدوية بعملية (Acetylation) والجين الذي يقوم بإنتاج الإنزيم المسؤول عن هذه العملية هو(cat).

    3- تكوين بكتيريا مقاومة ضد مجموعة (Aminoglycosides)، من أمثلة هذه المجموعة (جنتمايسن، أميكاسين) من خلال إنتاج إنزيمات معينة تقوم بتغيير تركيب هذه الأدوية وتجعلها غير فعالة.

    4- تكوين بكتيريا مقاومة ضد مجموعة (Quinolones)، من أمثلة هذه المجموعة (سبروفلوكساسين (سبرودار)) من خلال إنتاج إنزيم (acetyltransferase) والجين المسؤول عنه (aac6-ib)، الذي يغير تركيب هذه المجموعة أو عن طريق إنتاج نواقل تقوم بإبعاد هذه المضادات عن البكتيريا.

           العوامل التي تقود إلى حدوث هذه الطفرات هو الاستخدام السيء وغير المبرر لهذا الأدوية، وهذه المشكلة ـ مع الأسف ـ شائعة في العراق، كاستخدام هذه الأدوية عند أشخاص غير مصابين بالعدوى البكتيرية، ومن الأمثلة الشائعة على هذه المسألة في صيدلياتنا هي استخدام المضادات الحيوية في حالات العدوى الفيروسية كالإنفلونزا (flu)، وقد حذرت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (centers of diseases control and prevention) التابعة لوزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية أن المضادات الحيوية غير فعالة أبدًا ضد الفيروسات،

             إلّا في حالة إذا كان هناك التهاب بكتيري مصاحب للعدوى الفيروسية، والاستخدام غير الضروري لهذه الأدوية لفترة طويلة (غير الفترة المحددة من قبل الطبيب أو الصيدلي)، والاستخدام المتعدد للمضادات الحيوية في آن واحد أو استخدام المضادات الحيوية واسعة الطيف في ظروف لا تستدعي استعمالها، ووصف المريض لنفسه مضادًا دون استشارة ولا تشخيص من ذوي الاختصاص، كل هذه الأمور تقود إلى حدوث الطفرات الجينية في البكتيريا.

          أيضا هناك عامل مهم ومصدر مهم لنشوء هذه الطفرات، وهي المستشفيات أو المراكز الصحية التي تكون مصدر رئيسي وغزير لإنتاج السلالات البكتيرية المقاومة، لأن البكتريا في هكذا أجواء تكون معرضة دائمًا إلى أنواع متعددة من الأدوية والمضادات الحيوية ولفترات طويلة، ويمكن أن تنتقل إلى المرضى الراقدين في المستشفى حيث تكون المناعة لديهم ضعيفة، خصوصًا كبار السن، وبالتالي يؤدي ذلك إلى سهوله انتقالها إلى الأشخاص خارج المستشفى، ومثالها:

(Methicillin-resistant Staphylococcus aureus (MRSA) . من طرق الكشف ومعرفة نوع البكتريا المسببة للعدوى، وتحديد المضاد الحيوي المناسب الذي يعمل على هذه البكتريا، القيام بتحليل اختبار الحساسية للمضادات الحيوية
(antibiotic susceptibility testing (AST) (. القيام بهذا التحليل ربما يقلل فرص حدوث المقاومة لأنه سيجنب المريض من استخدام أنواع مختلفة من المضادات.

           أما المشكلة الاقتصادية لهذه المقاومة هي أن علاج العدوى التي تحدث نتيجة بكتريا مقاومة للمضادات الحيوية المتوفرة في الأسواق سوف تحتاج إلى صرف مبالغ أكثر من المعتاد لاستخدام مضادات حيوية أقوى وأغلى ثمنًا لمعالجتها، ولفترة مكوث أطول في المستشفى، وأكثر تأثيرات جانبية والقيام بأكثر من تحليل للوصول إلى التشخيص الدقيق، وهذه الكُلفة يصطلح عليها في مفهوم الصيدلة الاقتصادية بالكلفة الطبية المباشرة، وهناك كلفة طبية غير مباشرة تتعلق بالمريض نفسه كمبالغ السفر للحصول على عناية طبية في بلد آخر ومبالغ البقاء في الفندق، أما التكلفة الكلية لعلاج هؤلاء المرضى فهي تقريبا 10 بليون دولار بالسنة في الولايات المتحدة.

           وربما تؤدي إلى الوفاة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية حسب ما صرح مركز الأمراض واتقائها ما يقارب مليوني أميركي يصاب بالعدوى المقاومة و 23000 شخص منهم يموت بهكذا عدوى مقاومة للمضادات الحيوية الموجودة، وخصوصًا إذا كانت البكتريا مقاومة لأقوى أنواع المضادات الحيوية وهي عائلة الكاربابنيم (carbapenem-resistant bacteria).

  بعض الاستراتيجيات لتقليل حدوث المقاومة

   1- مسؤولية الطبيب في التشخيص الدقيق، ووصف العلاج المناسب، وتحديد الفترة العلاجية الدقيقة.

   2- مسؤولية المريض باتباع أوامر الطبيب والصيدلي بحذر وحرص شديد من ناحية وقت أخذ العلاج والطريقة الصحيحة وفترة العلاج وعدم قطع العلاج حتى مع الشعور بالتحسن حتى انتهاء الفترة العلاجية المحددة.

   3- تجنب ـ قدر الإمكان ـ استعمال أكثر من مضاد حيوي في آن واحد، خصوصًا إذا كانا واسعي الطيف.

   4- تقليل الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية (لا يستعمل إلّا في حالات الضرورة القصوى).

   5- القيام بتحليل اختبار الحساسية للمضادات الحيوية قبل إعطاء العلاج للمريض لتحديد نوع البكتريا المسببة ونوع المضاد الحيوي المناسب لاستعماله.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.