لقد تعرض الفكر الشيعي والنابع من تراث أهل بيت
العصمة(عليهم السلام) والموافق لكتاب الله تعالى تعرض ويتعرض الى طعون عدة من قبل الفكر المقابل سواء كان ناشئاً من المذاهب الإسلامية المتعددة ذاتها أم من الأديان السماوية الأخرى التي شابها التحريف والتزوير بالدليلين القاطعين النقلي والعقلي، ومع أن الكلام ليس في باب إثبات ذلك إذ أن البحث يختص في مورد الشبهات التي طالت (مصحف فاطمة) والذي تمت الاشارة إليه في العديد من روايات المعصومين(عليهم السلام)، ولست في مقام الكلام عن تحريف الأديان السماوية والذي أود تأجيله حالياً لا تكلم عنه في عدد مقبل من أعداد هذه المجلة الغراء وعسى أن أكون موفقاً في ذلك..
أما الكلام عن موضوعنا الذي اشرنا إليه فيمكننا القول من أنه قد ورد في كتب ابناء العامة نصاً مفاده (ان الشيعة زعموا من أن علي بن أبي طالب(عليه السلام)
عنده عدة صحف يعتبرونها من دلائل إمامته منها :صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة،صحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة،الجامعة وهي مصحف علي، الجفر الأكبر والأصغر، مصحف فاطمة.وقد تركت الحديث عن الصحف المذكورة باستثناء مصحف فاطمة كون أن الكلام قد كثر فيه لتعلقه بشخصية الزهراء(عليها السلام)
والتي أثارت هيجاناً لدى العامة لتعلق الأمر بمسألة الخلافة بعد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)،
وبغية أن تعم الفائدة وتسهل مادة البحث لدى القارئ الكريم ارتأيت أن تكون فقرات الموضوع بشكل يتم خلاله إيراد الشبهة ومن ثم الرد عليها بما نمتلك من أدلة لندحض بها تلك الشبهات.
شبهة رقم (1)
الكلام هنا في أصل صحة مما ورد في كتب العامة لإثبات وجود مصحف فاطمة من عدمه وفق ما تقدم ففي خلاصة القول يمكننا أن نذكر القارئ الكريم من أنه قد أثار (مصحف فاطمة) حفيظة العديد من الكتاب، واتخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على اتباع أهل البيت(عليهم السلام).
الرد على الشبهة
لاشك أن أهل البيت(عليهم السلام) هم ورثة علم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، والأمناء عليه، فقد تواتر عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها) وهو كالصريح بكونه(عليه السلام) عيبة علمه ومستودع المعارف الإلهية، وقد توارثها منه الأئمة المعصومون المطهرون من ولده. فقد كانوا يتوارثون ما في القرآن الكريم وكتب الأنبياء السابقين، من دقائق المعارف والأحكام الشرعية. ومن جملة التراث العلمي الذي كان يتوارثه أئمة أهل
البيت(عليهم السلام) (مصحف فاطمة) الذي دوّن فيه علم ما يكون، مما سمعته الزهراء(عليها السلام)
من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله) كما سنرى من خلال النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة، وقد كانوا(عليهم السلام) يحدثون أصحابهم أحياناً عن تلك العلوم المدونة عندهم في هذا الكتاب، ويبينون حقيقته.
شبهة رقم (2)
ورد عن علماء العامة من أنه قد جاء ذكر مصحف فاطمة في أكثر من موضع وفي كتب الخاصة كالكافي، من لا يحضره الفقيه ،بحار الأنوار وغيرها ما نصه:
(إن بعض الإمامية يقولون أنَّ جبريل نزل على فاطمة الزهراء بعد وفاة أبيها ليعزيها ويطيب نفسها ويخبرها عن ابيها ومكانه، وما سيحل بأبنائها وذريتها من بعدها، وأخبرها كذلك بجميع الحوادث الخطيرة الآتية، خاصة ما سيواجه ذريتها، من المصائب والبلايا،وذكروا أن المصحف يشتمل على أسماء جميع الائمة والخلفاء والملوك والحكّام إلى يوم القيامة ويعتقد الشيعة كذلك أن مصحف فاطمة مثل القرآن ثلاث مرات وليس فيه من القرآن شيء، أو ليس فيه من القرآن حرف واحد وفقاً لما ذكره الكليني في
الكافي). وذكروا في مورد آخر:
(أن علي بن أبي طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء وهو من قام بتدوين أحاديث جبريل، بل وهو صاحب فكرة تدوين الكتاب أصلاً، اذ جاء في بحار الأنوار: وخلفت فاطمة(عليها السلام) مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله، أنزله عليها، إملاء رسول الله، وخط على).
الرد على الشبهة
لا ريب أن المقصود بالرسول الذي أرسله الله تعالى ليحدث فاطمة(عليها السلام)
هو جبريل الأمين(عليه السلام) ولكن نزوله هنا ليس بمقام الوحي فكثيراً ما نزل جبرائيل على ذوات غير الرسول(صلى الله عليه وآله)
ونزوله(عليه السلام) لبيان أمر ما لا يختص بآي من القرآن وقد ذكر القرآن مصداقاً لذلك (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً)(1) حيث أن المقصود بالرسول في هذة الآية هو جبريل(عليه السلام) كما ذكرت كتبهم أن من ألقاب سيدة النساء فاطمة(عليها السلام) المحدثة بفتح الدال وفي هذا اشارة إلى أن الملائكة كانت تحدثها(عليها السلام).
المحدثون عند أهل السنة
أقول: إذا كان تحدث الملائكة مع أهل البيت(عليهم السلام) والذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً غلّواً، فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عند أهل السنة، لنرى كيف يدعى تحدث الملائكة مع الكثير من رجالهم:
1ـ أخرج البخاري في مناقب عمر بن الخطاب، وبعد حديث الغار، عن أبي هريرة، وكذاأخرج مسلم في فضائل عمر أيضا عن عائشة: أن عمر بن الخطاب كان من المحدثين. وقد حاول شراح البخاري أن يأولوه بأن المراد أنه من الملهمين، أو من الذين يلقى في روعهم أو يظنون فيصيبون الحق، فكأنه حدث.. وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ. ولأجل ذلك قال القرطبي: أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبين فيما يظنون، لأنه كثير في العلماء، بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر.
2ـ ممن ادعي أن الملائكة تحدثهم عمران بن الحصين الخزاعي المتوفى سنة52هـ. قالوا: كانت الملائكة تسلم عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاماً، ثم أكرمه اللّه برد ذلك.
3ـ ومنهم أبو المعالي الصالح المتوفى سنة427هـ، رووا أنه كلمته الملائكة في صورة طائر.
4ـ أبو يحيى الناقد المتوفى سنة285هـ، رووا أنه كلمته الحوراء.
وأمثال هذه المرويات في كتب السنة غير قليل، ولم يستنكر ذلك أحد ولم يتهم أصحابها بالغلو.
فاطمة سلام الله عليها محدثة
قد يتوقف البعض عند قصة مصحف فاطمة(عليها السلام) ويرفض مسألة تكليم الملائكة للسيدة الزهراء سلام الله عليها نتيجة توهم التلازم بين النبوة والوحي، أو بين النبوة وتحديث الملائكة. وعليه فإن كون الرسول(صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء والرسل يقتضي عدم نزول الملائكة بعد رسول اللّه، وهذا دليل على عدم صحة قصة المصحف المذكور، وقد اعتمد على هذا النحو من الاستدلال عبد اللّه القصيمي في كتابه [المعروف] بـ(الصراع بين الاسلام والوثنية)، متهما الشيعة الإمامية بأنهم يزعمون لفاطمة وللائمة من ولدها ما يزعمون للانبياء والرسل.
كل ذلك اعتمادا على الملازمة المزعومة بين تكليم الملائكة وبين النبوة. وهذه غفلة ما بعدها غفلة.تعال معي عزيزي القارئ إلى كتاب اللّه عز وجل وهو يتحدث عمن كلمتهم الملائكة أو أوحى اللّه سبحانه وتعالى إليهم:
1ـ (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه اصطفاك وطهرك على نساء العالمين…).
2ـ (إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح).
3ـ (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا).
4ـ (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى.. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر اللّه..).
فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهن ولم يكنّ نبيات، ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدثنهم، أو أوحي إليهن بأسلوب آخر غير تحديث الملائكة، ولم يستنكر ذلك أحد.
ففاطمة سلام الله عليها دلت النصوص على أنها كانت محدثة ولم تكن نبية، وكذلك تقول الشيعة الإمامية بالنسبة لائمة أهل البيت(عليهم السلام) دون أن يدعي أحد منهم لهم النبوة، إذ لا تلازم بينهما كما تقدم.
ثم إن الاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء سلام الله عليها لا يعد غلّوا، ولا مبالغة في فضلها، فهي سلام الله عليها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأفضل من مريم بنت عمران ومن سارة امراة إبراهيم على نبينا وعليه السلام، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهما للملائكة وتكليمهما لهم، فأي غلو في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهما؟
شبهة رقم (3)
أورد علماء السنة في كتبهم نقلا عما روى الكليني عن جعفر الصادق أنه قرأ الآية هكذا: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع من الله ذي المعارج) فقيل له: (إنا لا نقرؤها هكذا)، فقال: (هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة) أي أنه أضاف عبارة (بولاية علي) للآية؛ وهذه الرواية تتضارب مع الروايات الأخرى التي تقول أن مصحف فاطمة يحتوي على أحداث وأسماء وليس قرآن. إذ يرفض أهل السنة والجماعة القول بنزول جبريل على أحد بعد محمد بن عبد الله ويرفضون هذا الكلام ويعتبرونه باطلا من أساسه لأن الأحداث التي سوف تحدث من الأمور الغيبية التي لاينبغى أن يعلمها أحد إلا الله وكذلك أسماء الحكام وكل تلك الأمور الغيبية، فهذا مناف لعقيدتهم.
الرد على الشبهة
أقول للرد هلى ذلك يمكننا أن نبين جملة من النقاط وكما يلي:
إن التضارب في الروايات التي وردت في الكافي للكليني لا اساس له من الصحة اذ ان الامام الصادق(عليه السلام) وحينما ذكر عبارة (بولاية علي) قد يشير ذلك الى تفسير القران الكريم وليس للنص الحرفي لما ورد في كتاب الله تعالى ذلك ان كل كتب الشيعة تنفي وعلى الاطلاق حدوث اي تحريف في الكتاب العزيز بشهادة الاية الكريمة (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وعلى العكس مما ذكرته كتب العامة والتي اشير في الكثير من احاديثها الى حدوث شيء من التحريف في كتاب الله تعالى ومعاذ الله ان يكون كذلك.
شبهة رقم (4)
وهي شبهة الاسم كون كلمة (مصحف) فسرت انها تعني القران فحسب اذ اتهم اعداء الشيعة بان هذه الطائفة لا تعترف بالقرآن الموجود بين الدفتين، والمتداول بين المسلمين قاطبة، فيوقعون الناس في وهم بأن مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة.
الرد على الشبهة
المصحف في اللغة..
المصحف ـ مثلثة الميم، من أصحف بالضم ـ أي جعلت فيه الصحف، وسمي المصحف مصحفا لأنه أصحف، أي جعل جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين .وبناء عليه، فالمصحف ليس اسما مختصا بالقرآن الكريم.
ويشهد لذلك ما رووه في وجه تسمية المصحف مصحفا، فقد روى ابن اشته في كتاب المصاحف أنه لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر: التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف، فإن الحبشة يسمونه المصحف.
قال: وكان أبو بكر أول من جمع كتاب اللّه وسماه المصحف. ونحن لا نوافق على مضمون هذه الرواية لأننا نعتقد أن القرآن جمع في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)
ولاشك ان اول من جمعه هو الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بيد اننا اوردنا ذكر الرواية لنأخذ منها ما يناسب المقام من معنى كلمة (مصحف).والكلمة من أصل عربي، فلا معنى للاتيان بها من الحبشة، اذن يتبين للقارئ الكريم من ان المصحف كل كتاب أصحف وجمع بين دفتين، لكن كثرة استعماله في القرآن الكريم أوجبت انصراف الأذهان إليه، وهو لا يكفي لحمل ما ورد في روايات أهل البيت(عليهم السلام) والتي تتحدث عن مصحف فاطمة على المصحف المعروف، خاصة مع وجود التقييد بإضافته إليها(عليها السلام) تشرفا بمقامها الكريم كما سيتم بيانه.
شبهة رقم (5)
ولابد من الإشارة إلى بعض رواياتنا التي تتحدث عن مصحف فاطمة أنه من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي(عليه السلام):
اذ يتوهم من انه ثمة تناقض ورد في كتبنا ومصادرنا وجب ان نقف بعض الشيء.
1ـ عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام):
(…وعندنا واللّه مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب اللّه وإنه لإملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
وخط علي(عليه السلام) بيده).
2ـ عن محمد بن مسلم عن أحدهما(عليه السلام):
(…وخلفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام اللّه، أنزل عليها إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وخط علي).
3ـ عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): (…وعندنا مصحف فاطمة سلام الله عليها أما واللّه ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول اللّه وخط علي).
ولبيان مراد تلك الروايات في المقام نقول:
أولا: لاول وهلة قد يبدو ان هذه الروايات الثلاث تخالف الروايات المستفيضة المتقدمة في حقيقة مصحف فاطمة، حيث ذكرت أنه (إملاء رسول اللّه)، والثانية منها جعلته كلاما من كلام اللّه أنزل عليها، وفي عين الحال جعلته من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، اذ يحتمل أن يكون مصحف فاطمة سلام الله عليها متضمنا لبعض المعارف التي تلقتها عن أبيها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فضلا عما تقدم من الأمور التي يحدثها بها الملك، ولعل الرواية التي تذكر شمول المصحف المذكور لوصية فاطمة سلام الله عليها تقصد هذا. فيصح عندئذ أنه من إملاء رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بهذا الاعتبار، واللّه أعلم.
ثانياً: ان يكون المراد من رسول اللّه في هذه الاخبار الملك الذي كان يحدث فاطمة سلام الله عليها، لا النبي(صلى الله عليه وآله)
(كما احتمله المجلسي).
وعلى أي حال فهذا لا يضر بمقصودنا، وهو نفي التهمة التي يتمسك بها المخالفون، حيث صرحت جيمع الأخبار بما فيها هذه الثلاثة المتقدمة بنفي القرآنية عن مصحف فاطمة.
وفي نهاية المطاف نذكر أن المصحف المذكور بقي عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، يتوارثونه مع بقية الكتب المتضمنة لعلوم الأنبياء والرسل الماضين، ومع صحيفة الأحكام الجامعة التي أملاها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) على علي(عليه السلام)،
وسنتعرض إن شاء اللّه في فرصة أخرى لهذه الصحيفة بشكل مستقل. وقد كان هذا الميراث العلمي يشكل أحد علائم الإمامة الكبرى.
كما ان الامر الهام هو الإشارة إلى أن مصحف فاطمة كبقية الصحف والكتب لم تنتقل إلى غيرهم(عليهم السلام)، ولم تصل إلى شيعتهم، وليس هناك أي واقع لما يدعيه افتراء بعض الكتاب من كون هذا المصحف متداولا في بعض مناطق الشيعة، لا في بلاد الحجاز ولا في غيرها، والمؤسف أن أصحاب هذه الأقلام يطلقون العنان لأقلامهم دون تدبر ولا تثبت، ويأخذون معلوماتهم من العوام، ويصدقون كل مقولة للطعن والتشنيع، فيثبتونها في كتبهم لتصبح بعد ذلك مصادر يعتمد عليها المأجورون والساعون وراء تفريق المسلمين وزرع الفتن بينهم.
الدليل الروائي
أود أن أبين للقارئ الكريم جملة من الروايات التي تدل على أن مصحف فاطمة الذي يعتقد الإمامية أنه عند أئمتهم، وضمن ميراثهم العلمي، ليس المصحف الذي فيه القرآن الكريم، وأنه كتاب آخر يتضمن علما من علومهم(عليهم السلام) التي استقوها عن طريق غير مباشر عن الرسول(صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى وعن طريق مباشر وهوالالهام كما اكدت هذا المعنى جملة من الروايات عنهم(عليهم السلام).
1ـ عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله(عليه السلام): (…أن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)
خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل(عليه السلام)
يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيه ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي(عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة سلام الله عليها).
2ـ عن أبي حمزة أن أبا عبد اللّه(عليه السلام) قال: (مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه وإنما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما).
3- عن عنسبة بن مصعب عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): (…ومصحف فاطمة، أما واللّه ما أزعم أنه قرآن).
4ـ عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام) يقول: (إن عندي… ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا).
5ـ عن محمد بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه(عليه السلام): (..وعندنا مصحف فاطمة سلام الله عليها أما واللّه ما هو بالقرآن).
6ـ عن علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)
قال: (…وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن).
7ـ عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم(عليه السلام)
قال: (عندي مصحف فاطمة، ليس فيه شيء من القرآن).
8ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام)
أنه قال: (…وإن عندنا لمصحف فاطمة سلام الله عليها، وما يدريهم ما مصحف فاطمة سلام الله عليها)؟ قال، قلت: وما مصحف فاطمة سلام الله عليها؟ قال: (مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد).
9ـ سئل الصادق(عليه السلام) عن محمد بن عبد الله بن الحسن قال(عليه السلام): (ما من نبي ولا وصي ولا ملك إلا هو في كتاب عندي، يعني مصحف فاطمة، والله ما لمحمد بن عبد اللّه فيه اسم).
10ـ عن فضيل بن سكرة قال: دخلت على أبي عبد اللّه(عليه السلام) فقال: (يا فضيل، أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل)؟ قال: قلت، لا. قال: (كنت أنظر في كتاب فاطمة(عليها السلام)، ليس من ملك يملك [الأرض] إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا).
11ـ عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه(عليه السلام): (… وليخرجوا مصحف فاطمة فإن فيه وصية فاطمة…).
12ـ عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه(عليه السلام) يقول: (إن اللّه تعالى لما قبض نبيه(صلى الله عليه وآله)، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل، فأرسل اللّه إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)،
فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا. قال: ثم قال: أما أنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون).
يتبين من خلال هذه الروايات أن مصحف فاطمة(عليها السلام) ليس قرآناً، وليس كتاب أحكام، فهو مغاير لكتاب علي(عليه السلام) الذي أملاه عليه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، والذي ورد ذكره في أخبارهم(عليهم السلام) إلى جنب مصحف فاطمة، وسموه بالجامعة تارة والصحيفة أخرى وكتاب علي(عليه السلام) غالبا.
كما انه ليس ثمة أي رواية توهم كونه قرآنا، فضلا عن كونها ظاهرة في ذلك ليتمسك بها من يفتش عن المطاعن، وعلى فرض وجودها فإن الروايات المستفيضة الواضحة الصريحة والتي قدمنا طائفة منها تقتضي رفع ذلك التوهم أو الظهور لو تم وسلم.
فصل في مناقب فاطمة (ع)
ولكي تعم الفائدة لك أيها القارئ الكريم فقد ارتأيت أن اقدم لك زاداً هو خير الزاد فيما ورد بحق صاحبة الذكر وعن طريق العامة ليكون دعما للدليل واقوى في الحجة وادحض للاباطيل اذ ان ذات المرء دليل على على ما تعكسه الذات من الصفات.
فقد روى البخاري عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وروى مسلم عنه(صلى الله عليه وآله) أنه قال لها: (يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة) وهي سلام اللّه عليها ممن نزلت بهم آية المباهلة والتطهير وضمهم الكساء.
ومن الجدير بالذكر أن الوحي له أساليب وأغراض متعددة، ولا تلازم بين الوحي والنبوة، وإن كان كل نبي لابد أن يوحى إليه، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآنية، فبالنسبة للرسول(صلى الله عليه وآله)
لم يكن كل ما نزل عليه من الوحي قرآنا، فهناك الأحاديث القدسية وهناك تفسير القرآن وتأويله، والإخبار بالموضوعات الخارجية وأمثال ذلك، وكلها ليست قرآنا.
فاتضح أن تحديث الملائكة للزهراء سلام الله عليها لم يكن من الوحي النبوي ولا من الوحي القرآني.
الدليل على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة:
اعلم عزيزي القارئ أنه ليس ثمة ملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة فقد روى الكليني عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): (أن علياً كان محدثاً)، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة، فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: كان علي محدثاً، فقالوا: ما صنعت شيئاً، إلا سألته من كان يحدثه، فرجعت إليه.. فقال لي: (يحدثه ملك)، قلت: تقول: أنه نبي؟ قال: فحرك يده هكذا.
أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما بلغكم انه قال: وفيكم.
وفي بصائر الدرجات : عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ألست حدثتني أن عليا كان محدثا؟ قال: (بلى) قلت: من يحدثه؟ قال: (ملك) قلت: فأقول: إنه نبي أو رسول؟ قال: (لا، بل مثله مثل صاحب سليمان ومثل صاحب موسى، ومثل ذي القرنين)، (أما بلغك أن علياً سئل عن ذي القرنين، فقالوا: كان نبياً؟ قال: لا، بل كان عبداً أحب اللّه فأحبه وناصح اللّه فناصحه).
وختاماً فقد تبين لنا أن مصحف فاطمة(عليها السلام) والذي كثر الكلام عنه ليس بقرآن بل هو كتاب جمع فيه علم جم أفاضه الله تعالى على سيدة النساء سواء ومن أي مورد كان سواء عن طريق الملك أم عن لسان أبيها(صلى الله عليه وآله) وكل ذلك هو عن الله تعالى والذي كرم أهل البيت(عليهم السلام) وشرفهم وفضلهم عن الخلق تفضيلاً، فلا سبيل للشك حينئذ وكيف يكون ذلك وان الله عز وجل قد خصهم بآية التطهير دون غيرهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) .
نشرت في العدد 38
(1) القران الكريم.
(2) عبد الحسين شرف الدين ،المراجعات ، هامش المراجعة رقم 48 ص 387 / ط المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).
(3) الفيروز آبادي: القاموس المحيط: مادة صحف.
(4) الخليل، العين 3: 10، وابن منظور، لسان العرب مادة صحف.
(5) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن 1: 185، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم.
(6) جعفر مرتضى العاملي ،حقائق هامة في القرآن الكريم.
(7) الصفار، بصائر الدرجات: 153، ط. المرعشي.
(8) القطب الراوندي، الخرائج والجرائح 2: 526.
(9) الكليني، الكافي 1: 239و 1: 271.
(10) المجلسي، بحار الانوار 26: 39.
(11) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 249.
(12) الاميني، الغدير 5: 50 51، نقلا عن الصراع بين والوثنية 1: 1 و2: 35.
(13) صحيح البخاري 4: 209، 219.
(14) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 6 7 و 15: 166.
(15) سنن الترمذي 5: 581.
(16) ارشاد الساري، شرح صحيح البخاري 6: 99، و5: 431.
(17) ابن سعد، الطبقات الكبرى 7: 11، و4: 288 289.
(18) ابن الجوزي، المنتظم 6: 8 و9: 136.
(19) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8: 362.