Take a fresh look at your lifestyle.

النباتات الطبية.. أسرار وخفــايا

0 690

د. باقر جلاب هادي الربيعي
كلية الزراعة/ جامعة المثنى

        لقد شاع التوجه نحو النباتات الطبية في العقود الأخيرة من القرن الحالي، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أهمها عدم حصول تأثيرات جانبية للأدوية العشبية مقارنة بالعلاجات الكيميائية إضافة إلى ثبات نجاحها في معالجة العديد من الأمراض المستعصية والتي وقف الطب عاجزاً أمامها، وتختزن النباتات الطبية مواد مهمة لها تأثيرات فعالة على مجمل التفاعلات الحيوية في جسم الإنسان والكثير منها يقوي جهاز المناعة. وقد أكد الإسلام من خلال الكثير من الآيات القرآنية إلى ضرورة الالتفات إلى هذه النعمة التي حباها الله عز وعلا إضافة إلى أحاديث الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) معلم البشرية والصادق الأمين ومما عزز ذلك أيضاً اهتمام أهل البيت(عليهم السلام) بها والتوصية بالتداوي بالكثير منها ويكفي القول إن الله عز وجل في كتابه العزيز لم يحرم حيواناً باسمه إلا الخنزير وجاءت السنوات تترى لتؤكد ذلك، فقد شاع خلال الفترة الحالية مرض أنفلونزا الخنازير، وحسب تصريح وزير الصحة البريطاني بداية الشهر السابع فإن البريطانيين سيصابون بمعدل (100000) شخص يوميا مع نهاية شهر آب وبداية الشتاء أي مع بداية تحرك مرض الأنفلونزا. لقد قالها أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أكثر من (1400) سنة.. (ما من داء إلا وفي الحبة السوداء شفاء منه إلا السأم)(1)

والسأم يعني الموت.. – (والحبة السوداء من الأعشاب الطبية المهمة والتي تجرى عليها سنويا مئات البحوث العلمية للوصول إلى جزء يسير من أسرار هذا النبات) – وجاء العلم الحديث وثورة المعلومات الهائلة لتؤكد ما قاله المصطفى(صلى الله عليه وآله)، فقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن زيت الحبة السوداء يوقف توسع البؤر السرطانية عند الفئران المعالجة. أليس هذا دالا على عظمة الإسلام وصدق المعلم الأول. وما يعزز ذلك انه كان حبيبنا وسيدنا أمير المؤمنين(عليه السلام) يكثر من التغذية على النباتات الصحراوية وحينما سُئلَ لماذا؟ قال: (ألا إن الشجرة البرية أصلبُ عوداً والروائع الخضرة أرقُّ جلوداً)(2)

كان يشير(عليه السلام) إلى أن المواد المختزنة في النباتات الصحراوية والتي أعطتها هذه القدرة على مقاومة الظروف القاسية كالحر الشديد والبرد القارص وظروف الجفاف وإجهاد العطش كل هذه الظروف الشاذة وغير الطبيعية قد تحملها النبات بسبب تواجد مواد خاصة أعطته هذه الملكة في مقاومة هكذا ظروف، عليه فحينما يتغذى الإنسان على هذه النباتات سوف تنتقل هذه المواد إليه وربما تزيد من تقوية جهاز المناعة لديه، وعاضد الإمام الصادق(عليه السلام) هذا الاتجاه وأشار بأحاديث كثيرة إلى أهمية التداوي بالأعشاب الطبية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
لقد خلق الله سبحانه هذا الكون، وجعله نظاما محكما، تعتمد فيه المخلوقات على بعضها البعض، ولعل أحد أوجه هذا الاعتماد ذلك الذي يوجد بين الحيوان والنبات، فالنباتات تستطيع أن تحول طاقة الشمس إلى مواد كاربوهيدراتية، مستغلة بذلك ثاني اوكسيد الكربون الموجود في الجو والماء وصبغة الكلوروفيل الخضراء لتكون النتيجة هي ما نسميه الغذاء في ابسط صوره،بالمقابل يوفر الحيوان الكثير من الأساسيات لحياة النبات، سواء كان في شكل فضلات أو تحلل جثث الحيوانات ذاتها، لتكون المادة التي تزدهر عليها حياة النبات، والإنسان خليفة الله في الأرض، سخر الكثير مما يصنعه النبات في أغراض حياته، ولعل استعمال النبات في التطبب والقضاء على الأمراض..

هو أحد أوجه هذا التسخير، فالأمراض بدون شك ملازمة لكل مخلوق منذ البداية، وعن طريق المحاولة والخطأ من قبل الإنسان استطاع أن يثبت النتائج الايجابية وينبذ ما دون ذلك، لذلك فالحضارات على اختلاف ثقافاتها ومواطنها كلها تقدم أدلة قاطعة على استعمال النباتات في المداواة إلى جانب الاستعمالات الأخرى.
وفي العصر الحديث حلّت الكيمياء إلى حد كبير محل المصادر البيولوجية للدواء عن طريق تصنيع المركبات الدوائية المختلفة كيميائيا، غير انه في العديد من الحالات وجد أن آثارا جانبية تنشأ عن تعاطي تلك الأدوية، وفي حالات كثيرة تكون ممرضة أكثر من المرض نفسه، من هنا بدأ الكثيرون في التفكير ملياً في العودة إلى المصادر الحيوية لتصنيع الأدوية، حيث إنها أكثر أمناً وسلامة وهذا ما أكده المؤتمر الرابع عشر لعلماء النبات المنعقد في برلين ألمانيا الغربية من
(24 – 31 / 7 / 1987) حيث أوصى بالتركيز على ضرورة زيادة الاهتمام بالنباتات الطبية والمحافظة عليها من الانقراض.
إن زيادة التوجه نحو النباتات الطبية له مبرراته فإضافة إلى تأثيرها الدوائي فإن هناك جانبا اقتصاديا مهما في هذا المجال فقد أثبتت الأبحاث أيضاً أن الإيراد المتحصل عليه من دونم واحد مزروع أعشاب طبية يفوق بكثير إيراد نفس الدونم المزروع من محاصيل الخضر كالطماطم مثلاً، وتجتهد شركات الأدوية من اجل الحصول على مواد أولية لمصانعها ولا أفضل من النباتات الطبية لتسد هذا الفراغ لتستمر دورة الإنتاج وعجلة التقدم.
إن بيئة الوطن العربي عامة والعراق خاصة هي زاخرة بالعديد من النباتات الطبية التي بحاجة ماسة إلى مسح شامل لتواجدها وتحديد متطلبات عيشها وتوفير ظروف النمو الملائمة لها وتخصيص مبالغ مالية قدر المستطاع وتجنيد باحثين أكفاء في هذا المجال، ولابد أن ننوه هنا إلى جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي خصصت جزء من ميزانيتها لدعم هذا التوجه بالمال والباحثين مع التأكيد إلى أن احتياجات النباتات الطبية بسيطة جدا بسبب مقاومتها للعديد من الأمراض التي تفتك بمحاصيل الخضر والفاكهة.
وتكاد تنفرد الحبة السوداء بآلية خاصة كونها تعالج قائمة طويلة عريضة من الأمراض الشائعة والمستعصية عليه سوف نخصص موضوع العدد الحالي حول نبات الحبة السوداء.. والذي يسمى أحيانا حبة البركة أو الكمون الأسود أو الكمون الأسعد أو الشونيز، والاسم الإنكليزي لها هو Black cumin أما الاسم العلمي لها فهو Nigella sativa L. وتتبع العائلة الشقيقية Ranunculaceae..
وتأكيداً لقول المصطفى فقد وضع الله عز وجل أسراراً شتى في هذا النبات ويكاد يكون لهذا النبات مفعولا سحريا على بناء الصحة العامة عند البشر

الوصف النباتي
الحبة السوداء نبات عشبي حولي قائم يتراوح ارتفاعه بين (15ـ60) سم يتفرع من القاعدة باتجاه الأعلى ،الساق شاحبة الأوراق قاعدية بيضوية ثنائية إلى ثلاثية التجزؤ، السويق قصير الأوراق العليا مشابهة للقاعدية ولكن بتقسيمات اقل وتصبح جالسة في الأعلى وهي لا تملك شعيرات غدية، تتكون الأزهار على الساق الرئيسي والأفرع وهي ثنائية الجنس، والأوراق الكأسية (5 – 8) ورقة ذات مخلب قصير خضراء إلى صفراء اللون تتحول إلى اللون البني عند النضج، الأوراق التويجية بيضاء اللون مشوبة بزرقة باهتة بيضوية واسعة طولها (12 – 15) سم ذات مخالب ضيقة طولها (3) ملم، الاسدية بعدد المدقات والمتوك متطاولة صفراء والكربلات حوصلية تندمج في قمتها مكونة مدقة واحدة مركبة، الثمرة علبة خضراء اللون تتحول إلى اللون البني أو الأسود عند النضج وتنثر البذور، والبذور صغيرة هرمية بيضوية الشكل سوداء اللون طولها تقريبا (3) سم والتلقيح خلطي بالحشرات وتتكاثر بالبذور…

مكونات الحبة السوداء
اتضح أن بذور الحبة السوداء تحتوي على (43.3 %) كاربوهيدرات، و (21%) بروتين، (35.5 %) دهون، و (5.5 %) رطوبة و(3.7 %) رماد، وتحتوي البذور على زيت طيار وزيت ثابت، أما الزيت العطري الطيار والذي يتم الحصول عليه بواسطة عملية التقطير بالبخار فتتراوح نسبته من (1 – 1.5 %) ويحتوي على مادة النيجيلون والتي تستخدم لعلاج الربو الشعبي والنزلات المزمنة من شدة البرد والسعال الديكي، وكذلك يحتوي الزيت الطيار على مادة الثايموهايدروكوينون ونسبتها (0.5%) وتستخدم ضد بكتريا التعفن المعوي كمادة مطهرة للفلورا المعوية الضارة. أما الزيوت الثابتة في الحبة السوداء فتتراوح نسبتها من (30ـ35%) وتشمل الأحماض الدهنية المكونة منها حامض اللينوليك (56%)، والأوليك (24.6%)، والبالمتيك (12%)، و والاسيتارك (3%)، والايكوساونيك (2:5%)، واللينوليك (0.7%)، و والميرستيك (0.16%).

مواعيد وطرق زراعة الحبة السوداء
يمكن زراعة الحبة السوداء في نهاية الشهر العاشر ومع بداية الشهر الحادي عشر ويفضل عدم التبكير أو التأخير عن هذا الموعد.. وتجرى عملية الزراعة بالألواح والمسافة بين النباتات هي (20) سم والمسافة بين الخطوط (50) سم.. ويتم الحصاد عادة في نهاية الشهر الرابع وأول ايام الشهر الخامس بعد تلون العلب باللون البني واكتمال تكوين البذور السوداء.. ويعطي الدونم الواحد حوالي (100 – 200) كغم اعتمادا على عمليات خدمة المحصول وخصوبة التربة وبرامج المكافحة والتسميد المتبعة..

علاجات الحبة السوداء
1ـ علاج آلام الظهر
يُقلى نصف كيلو غرام من الحبة السوداء ويطحن جيدا.. ثم يُعجن في 150 غرام من العسل النقي.. يُؤخذ من هذا المعجون مرتين في اليوم، بعد الإفطار والعشاء بحوالي ساعة، وذلك لمدة عشرة أيام.
2ـ لطرد الغازات وعلاج الانتفاخ..
يؤخذ مئة غرام من الحبة السوداء مع 75 غم من سكر النبات، تسحق الكميتان جيدا، وتخلطان ويؤخذ من هذا الخليط صباحاً ومساء مقدار نصف ملعقة على هيئة سفوف.. ويفضل أن يتبعها شرب كمية من الماء ليسهل بلعها..
3ـ لحالات التوتر العصبي..
يوضع خمسة نقاط من زيت الحبة السوداء على فنجان من القهوة..
وهذا يعمل على تهدئة الأعصاب المتوترة…
4ـ لعلاج الكحة والربو..
تفيد مادة النيجيلون الموجودة في الحبة السوداء في علاج أزمات الربو وحالات الكحة والسعال الديكي..
5ـ لعلاج التهابات اللثة والأسنان..
تطبخ الحبة السوداء بعد طحنها بالخل، ويستخدم هذا المزيج كمضمضة لعلاج حالات ألم الأسنان وخاصة تلك الحالات الناتجة عن نزلات البرد..
6ـ لعلاج حالات الارتخاء الجنسي..
تطحن الحبة السوداء وتخلط جيدا بزيت الزيتون واللبان الذكر…
وهذه وصفة تفيد الباه بعد اليأس..
7ـ للوقاية من البرد ونزلاته..
يوصى باستخدام الحبة السوداء أو زيتها، أو مطبوخا في الجو البارد، لأنها خير وقاية من أمراض البرد، وينصح بعدم الإكثار منها في الجو الحار..
8ـ علاج حصوات الكلى والمثانة..
يُطحن ربع كيلو من الحبة السوداء ثم يعجن جيدا بالعسل..
تمزج ملعقتان من هذا المخلوط في نصف كوب من الماء، ويشرب هذا المزيج على الريق يوميا..
9ـ لعلاج الجرب..
يطحن كوب من الحبة السوداء ويعجن جيدا مع كوب وربع من خل التفاح…
توضع طبقة من هذا المعجون على الجزء المصاب وتترك لمدة أربع ساعات يوميا.. ويستمر هذا العلاج لمدة أسبوع..
10ـ علاج حب الشباب
يسحق كوب واحد من الحبة السوداء مع نصف كوب من قشور الرمان، ويخلطان جميعا مع كوب واحد من خل التفاح.. يسخن هذا الخليط لدرجة تتحملها البشرة.. ويخلط بمقدار مساو ٍ له من زيت الحبة السوداء، تدهن الحبوب والثآليل الموجودة بالوجه مساءً وقبل النوم بفترة كافية..
يستمر هذا العلاج حتى تختفي هذه البثور.
11ـ علاج الصداع
تؤخذ كميات متساوية من الحبة السوداء والينسون والقرنفل.. تطحن هذه الكميات جيدا وتخلط
يؤخذ من هذا المخلوط مرتين في اليوم على هيئة سفوف قبل الإفطار والعشاء..
ويستحسن استعمال الماء في ذلك لتسهيل عملية البلع..
12ـ علاج البهاق والبرص
يؤخذ كمية من الحبة السوداء ثم تطحن حتى تصير ناعمة، ويضاف إليها خل التفاح بالتدريج حتى تصير كالعجينة اللينة، يوضع من هذا المعجون على المكان المصاب مرة واحدة في اليوم ويلف بقطعة من الشاش النظيف، مع مراعاة عمل هذه التركيبة من الدواء يوميا حتى لا يفقد العلاج قدرته العلاجية بسبب التخزين.
13ـ علاج الناسور
يتحمل بمعجون الحبة السوداء الممزوجة مع زيت الزيتون مع الصمغ العربي مساء..
14ـ علاج أمراض النساء والولادة ولحفظ الجنين..
تشرب الحبة السوداء مغلية مع الينسون ومحلاة بالعسل خمس مرات يومياً.. .

نشرت في العدد 32


(1) بحار الأنوار، المجلسي 10/115.
(2) نهج البلاغة 3/73.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.