Take a fresh look at your lifestyle.

إشارات قـرآنـيـة في نـهاية الكـون

0 996

             لقد لمَّح الله سبحانه وتعالى في مجموعة من الآيات القرآنية إلى كيفية نشأة الكون، وأنه يتمدد منذ تكونه(1) وأن جميع الأجرام بما فيها من الكواكب والنجوم والتوابع والمجرات تتحرك بحركات فلكية إهليلجية ولولبية(2)، وأن كلمات القرآن الكريم مطلقة قد يفوت فهمها وتفسيرها على معاصريها، ولكنه يعلم أن التأريخ والمستقبل سوف يشرحها ويثبتها تفصيلًا،

              كقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(فصلت:53)، وكذلك قوله تعالى: (سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)(الأنبياء:37)(3)، ومن القانون الثاني للثرموداينمكس (قانون الطاقة المتاحة) يثبت لنا وجوب الإيمان بخلق الكون وعدم كونه أزليًّا فهو يقول أن الحرارة الموجودة في الكون تنتقل من (وجود حراري) إلى (عدم حراري)، أي تنتقل من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساوى الجسمان في الحرارة.

             ويلاحظ أن مصادر الطاقة والحرارة تنبعث من الكون باستمرار في أرجاء الكون ولكنها لم تتساو حتى الآن في كل جسم في هذا الكون. وهذا دليل على أن مصادر الطاقة في الكون حادثة وليست أزلية، لأنها لو كانت أزلية وكانت عملية الانتقال تجري منذ ملايين السنين ومنذ الأزل لوصلت إلى حالة التساوي قبل أن يوجد(4)، إن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا، لأن هناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة،

            ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية، بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة، ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية، إن المادة عندما تتحول إلى طاقة أو تتحول الطاقة إلى مادة، فإن ذلك يتم طبقًا لقوانين معينة، والمادة الناتجة تخضع لنفس القوانين التي تخضع لها المادة المعروفة التي وجدت قبلها(5).

             ويمكن أن نجمل التغيرات الحاصلة في الكون طبقًا لآيات القرآن الكريم ولما توصل اليه العلم الحديث، بما يلي:

  أولًاـ اختفاء النجوم:

          إن ملايين النجوم تتدفق منها طاقة ضوئية وحرارية قد تزيد أو تنقص عن طاقة شمسنا وفق درجات حرارة تلك النجوم وأحجامها، إذ تحتل ذات اللمعان الشديد طاقة تفوق ما تبعث به الشمس آلاف المرات، إذ يؤدي تسخين الهيدروجين إلى درجة حرارة عالية يصل إلى(15) مليون درجة مطلقة تحت ضغط عالٍ جدًا تحوِّل عنصر الهيدروجين إلى الهليوم مع انبعاث طاقة هائلة وتحول كميات من مادة النجم إلى طاقة، ويعزى استمرار وصول الطاقة الشمسية منذ ملايين السنين بدرجة حرارة معتدلة إلى الأرض، إلى انحلال ذرات عنصر الراديوم والذي يصاحبه إشعاع طاقة وإنتاج غاز الهليوم.

          إن حجم الشمس أكبر بمليون مرة من حجم الأرض وهي تتقلص كلما قلت حرارتها وبرد وجهها، وبذلك يصغر حجمها، لأنها قد هرمت ودنى أجلها. وهي من النجوم التي ستنتهي حياتها كما انتهت حياة شموس من قبلها، ولقد قال جلَّ من قائل: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ)(التكوير:1-3)، فـ (كُوِّرَتْ): ذهب نورها وانطفأت وأظلمت، و (انْكَدَرَتْ): انقضت وتساقطت أو تناثرت.

          ومن تفسير الطبرسي يقول: أي أن الشمس ذهب ضوؤها ونورها فأظلمت واضمحلت وقيل ألقيت ورمي بها وقيل جمع ضوؤها ولفت والمعنى أن الشمس تكوَّر بأن يجمع نورها حتى تصير كالكارة الملقاة ويذهب نورها. أي أن الشمس وكذلك بقية النجوم في تناقص مستمر أي أن لها نهاية.

            وهنا إشارة إلى قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وهي إما:

  أن الشمس ستضمحل ويقل حجمها، من قولنا: كوَّر المتاع، جمعه.

  وإما أن تغييرًا عنيفًا أو انفجارًا شديدًا سيحدث لها.

            وقد بين لنا جلَّ شأنه ما سيصحب هذا التغيير من مظاهر:

  خروج نار من السماء تغشي الأرض (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(الدخان:10ـ11)، والدخان بمعنى النار، مثل قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت: 11)، والدخان هنا السديم وما هو إلّا ذرات ملتهبة في الفضاء تشبه الدخان في شكلها،

           وهنا يذكر أن السماء كانت كتلة دخانية هائلة فقضاهن سبع سماوات، ثم يرجع الكون دخانًا أيضًا بعد أن تكون الأرض قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، أي كما بدأنا أول خلق نعيده. وتقول النظريات العلمية إن الكون بدأ في صورة الدخان الكوني أو الهيدروجين، وعندما ينتهي دور الأرض والسماوات ترجع إلى حالتها الأولى إلى دخان وطاقات هائلة، كقوله تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا)(الطور: 9ـ 10) أي يوم تضطرب السماء اضطرابا.

   2ـ إحماء البحار أو ملؤها نارًا، بقوله تعالى: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)(التكوير: 6) أو تسخن و تنصهر.

   3ـ تلاشي القمر، إذ يقول سبحانه: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(القمر:9)إذ أن النار ستغشي الأرض، ربما حولت القمر إلى سحابة غازية فيتلاشى.

    تشقق السماء وتناثر الكواكب في الفضاء، كما في قوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ)(الإنفطار:1ـ2)(6).

             أما فروض العلم الحديث فتنحصر في اثنين:

   أـ احتمال انفجار الشمس وخروج ألسنة من اللهب منها تصل إلى الأرض وتهلك كل شيء ويحترق سطح الأرض.

  ب ـ تناقص كمية الإشعاع الشمسي فيبرد سطح الأرض برودة تستحيل معها الحياة عليها حتى لو بقيت الشمس مضيئة ملايين السنين ويكفي أن ينقص إشعاع الشمس بمقدار 1% حتى يقضى على جميع مظاهر الحياة على الأرض.

  ثانيًا: تصدّع الأرض:

          قال الله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)(الطارق:12)، هذه صفة للأرض بأنها ذات الصدع، أي من صفتها التصدع، فإنها تصدعت منذ تكوينها وسوف تتصدع عند منتهى حياتها، فالصدع هو الشق(7) وقوله تعالى (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً)(الحاقة:14)، أي رُفعت من أماكنها وكسرتا كسرة واحدة لا تثنى حتى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود، وقيل ضرب بعضها ببعض حتى تفتتت الجبال ونسفتها الرياح وبقيت الأرض شيئًا واحدًا لا جبل فيها ولا رابية، بل تكون قطعة مستوية،

         وإنما دكتا لأنه جعل الأرض جملة واحدة والجبال جملة واحدة، كما في قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (الفجر:21)، أي إذا كسر كل شيء على ظهرها من جبل أو بناء أو شجر حتى زُلزِلَت فلم يبق عليها شيء، يفعل ذلك مرة بعد مرة، وقيل دكت الأرض أي مدت يوم القيامة مد الأديم، وقيل دقت جبالها وأنشازها حتى استوت، المعنى استوت في انفراشها وذهب دورها وقصورها وسائر أبنيتها حتى تصير كالصحراء الملساء(8).

         وقوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الزمر-67)، فقال الأرض ولم يقل الارضون جميعًا قبضته يوم القيامة ليريد بها السيارات كلها، كذلك قوله (جَمِيعًا) بمعنى أن الأرض المتمزقة التي أصبحت سيارات كلها تكون قبضته يوم القيامة (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)، يراد بها الطبقات الغازية حيث ذكرها بعد الأرض(9)،

          كذلك قوله: (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا)(فاطر:41) فهو يمسكهما بقوة الجاذبية لأنهما إن زالتا عن الجاذبية فإنهما تتمزقان، والمعنى (ولَئِنْ زَالَتَا) يوم القيامة عن الجاذبية فهل أحد يمكنه أن يمسكهما غير الله سبحانه؟

        كما في قوله تعالى: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ)(الانفطار:2)، أي تمزقت وانتثرت أجزاؤها في الفضاء لأنها ستكون نيازك(10)، إذن يحكمها قانون الجاذبية الذي أشار إليه سبحانه في قوله سبحانه: (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)(الرعد:2)، ولم يقل الأرض، لأن قانون الجاذبية هذا يشمل الكون بأجمعه وهذه القوة الخفية هي كأنها أعمدة خفية تربط جميع الأجرام السماوية بعضها ببعض.

          وما يعزز التصدع في الأرض قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)(الرعد:41)، للأرض أطراف ومساحة، هذه الأطراف تتناقص، وقد يكون ذلك باستمرار خروج حمم البراكين والمواد المنصهرة بالإضافة إلى الاستهلاك المستمر للنفط والغاز والمعادن والفحم وغيرها،

           أي أن الأرض لم تكن قبل آلاف السنين مثلما هي عليه الآن في قرننا الحادي والعشرين، بل حصلت فيها تغيرات من العصر الجليدي، وقد تحصل لها تغيرات أخرى مستقبلًا تتمثل بإنقاص أطرافها إلى أن يبدلها الله سبحانه بأرض غير أرضنا وكذلك السماوات، وأطراف الأرض هي أقطابها الشمالية والجنوبية الجغرافية فتحدث ظاهرة التفلطح، وتنكمش(11).

            أثبت العلم أن الأرض تتناقص يومًا بعد يوم على نفسها بعد أن انفصلت عن الشمس وأخذت تبرد، وأن مما ساعد على انكماشها هو تشقق قشرتها وخروج الحُمم والبراكين منها، كما أن الضغط والجاذبية الأرضية وضغط الانكماش المستمر يساعد على تضاؤل حجمها أيضًا(12).

           إن خروج المعادن على شكل سائل من البراكين يؤدي إلى انكماش سطحها (حيث يبقى فراغ داخل الأرض وتسد هذه الفراغات بواسطة حدوث الزلازل)(13).

          إن الأرض تبرد تدريجيًا فتنكمش وانكماشها سبب من أسباب الالتواءات الأرضية والبراكين، فإذا انكمشت ضغطت على جوف الأرض فتخرج منها الحُمم والصخور الملتهبة كما في سورة الرعد والأنبياء(14).

  ثالثًا: انفجار البحار:

           قال تعالى: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)(التكوير:6)، أي أن البحار تفجر الماء، فيها النيران يوم القيامة و(سُجِّرَتْ) معناها أضرمت فيها النيران وقد ثبت أنه عندما تنطلق ذرة الهيدروجين المتحدة مع الأوكسجين نتيجة للانفجار الذري يجعل كافة البحار نارًا، أو إذا انضمت ذرتان من الهيدروجين نتج عنهما الهليوم مع تولد حرارة كبيرة فتصبح السماء نارًا، وقوله تعالى: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ)(الانفطار:3)، وكذلك قوله سبحانه: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(الطور:6)،

           وإذا تُطلِعنا الإحصاءات بحقيقة دامغة فتقول أن 80% من النشاط الزلزالي يقع في الحزام الذي يحتضن المحيط الهادي، وأن معظم الهزات الزلزالية تقع في قاع البحار. إن ذروة الاضطراب البركاني والزلزالي واقعة في مناطق حول الماء وتحت الماء، حيث جوف الأرض النارية المتأججة بالحرارة قريب من السطح.

            وإن الأمكنة تحت الماء تمثل نقاط الضعف في القشرة الأرضية حيث يحدث بين وقت وآخر أن تنفجر البثور البركانية فتقذف بالحمم من جوف الأرض الملتهب إلى السطح ولا يحفظه من التفجر إلّا توازن القشرة الأرضية الدقيق والجبال الهائلة التي تعمل كثقالات وأوتاد تحفظ هذه القشرة في مكانها وترسيها فلا تميد فوق بحر التيار المضطرب في الداخل(15).

            قال ابن عباس (سُجِّرَتْ): أي أوقدت فصارت نارًا تضطرم، فالنار تطفأ بالماء فكيف الماء نفسه يحترق؟ في حين أُثبِت في إحدى التجارب قرب الجزر اليابانية أن قنبلة ذرية جزأت الماء إلى الأوكسجين والهيدروجين واحترق كل منهما لوحده (16).

  رابعًا: تسيير الجبال:

             يقترن انتهاء العالم بتسيير الجبال أولًا في الآيتين الكريمة:

         (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا)(الكهف:47)، (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ)(التكوير:3).

             ولكي نرى حقيقة هذا التسيير يجب أن نضم أربع آيات أخرى إليها:

  (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) (طه:105-107) فيذرها أي الأرض قاعًا خاليًا وصفصفًا أي مستوية كأن أجزاءها على صف واحد لا ترى فيها اعوجاجًا ونتوءًا أو ارتفاعًا.

  (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ)(المرسلات:8-10)، وطمست أي ذهب نورها، وأما السماء فتصدعت، وأما الجبال فتنسف.

  (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا)(الواقعة:4-6)، إذ أن بست بمعنى فتتت ثم تصبح غبارًا منتشرًا.

  4ـ (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(القارعة:5)، أي كالصوف المصبوغ المندوف لتطاير أجزائها في الجو، والمعنى أن الجبال تزول عن أماكنها وتصير خفيفة السير. وقوله تعالى أيضًا: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ)(المعا رج:8-9) أي تسيل السماء كالمعادن المنصهرة أو الزيت المغلي وتتطاير الجبال كنثرات الصوف. أي كدردي الزيت وقيل كعكر القطران(17) وقيل مثل الفضة إذا أذيبت وقيل مثل الصفر المذاب والجبال كالصوف المصبوغ وقيل الصوف المنفوش وقيل كالصوف الأحمر يعني أنها تلين بعد الشدة وتتفرق بعد الاجتماع أي أنها تصبح هباءً منثورًا(18).

            فباعتبار هذه الآيات وحدة مكملة لبعضها البعض لتوافقها الزمني، نستنتج أن الجبال ستسير يوم القيامة، أي عند انتهاء العالم وهذا التسيير عبارة عن نسفها وتطايرها. وأن الأرض يومئذ لن يكون فيها اعوجاج ولا أمت، ولكن ستكون منبسطة لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. إذن فالجبال تكون موجودة، وبالتالي لن يخالها المرء ثابتة وهي تتحرك إذ ستنسف نسفًا ولن يكون لها وجود البتة (19).

  (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا)(النبأ:20)، أي كأسراب القطن(20). .

  6ـ قال تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا)(المزمل:14)، أي يوم تهتز الأرض والجبال وتتحول الجبال إلى كثبان متحركة من شدة الهول. أي تتحرك باضطراب شديد (وَالْجِبَالُ) أي وترجف الجبال معها أيضًا وتضطرب بمن عليها وكانت الجبال رمل سائل متناثر، وقيل المهيل الذي إذا وطأته القدم زلَّ من تحتها، وإذا حدث أسفله انهار أعلاه، والمعنى أن الجبال تنقلع من أصولها فتصير بعد صلابتها كالرمل السائل(21).

  (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) (الطور:10)، أي تسير الجبال وتزول من أمكنتها حتى تستوي الأرض(22).

  خامسًا: انتثار الكواكب:

            قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ) (الانفطار:1-3)، أي إذا السماء تشققت فالكواكب يراد بها السيارات خاصة، ومعناه: وإذا السيارات تمزقت وانتثرت أجزاؤها في الفضاء أي تفرقت(23). إن الحياة لم تظهر على هذه الأرض إلّا حين كانت الظروف موائمة لها وستقطع نشاطها حين يحدث تغيير ملحوظ في تلك الظروف الحالية التي وجدت واستمرت منذ ثلاثمائة مليون سنة على الأقل، وإذا البحار انفجرت نارًا(24).

           أي انشقت وتقطعت، ومثله قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ)(الفرقان: 25)، وإذا الكواكب تساقطت وتهافتت وقيل سقطت سوداء لا ضوء لها، وإذا البحار فتح بعضها في بعض فصارت بحرًا واحدًا وقيل ذهب ماؤها(25).

  سادسًا: إعمار الأرض:

           وينتهي العالم عندما تعمر الارض بقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(يونس:24).

            أي أن الأرض قبل قيام الساعة ستكون مزدهرة مزدانة عامرة يسخر الإنسان قوى الطبيعة لمشيئته نتيجة لتقدم العلوم وسيدور في خلد الناس حينئذ أنهم قد سيطروا على الطبيعة فتأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون. إن ازدهار الأرض سيكون نتيجة لتقدم العلوم واستخدام الذرة للأغراض السلمية، مما سينتج عنه وفرة الإنتاج الصناعي والزراعي وسهولة النقل واتصال البلدان والأفراد مع بعضهم(26).

          لقد بين سبحانه مدى التطور الذي سيطرأ في كرتنا الأرضية بعد آلاف أو ملايين السنين فتأخذ الأرض بزخارفها وجمال زينتها فتحول الصحاري إلى مشاريع عمرانية وحدائق، فيظن الإنسان أنه قادر عليها فيأتي أمر الله فيجعلها قاحلة لم تعرف النبات ولا الثمر فالناس الذين يمضون ليلهم والناس الذين يمضون نهارهم في آن واحد سيخضعون للأمر نفسه،

          ويروي لنا القرآن أن الساعة ستأتي حينما تبلغ الأرض ذروة حضارتها ويبلغ الإنسان غاية تقدمه، فتأخذ الأرض زخرفها وزينتها ويظن الإنسان أنه تحكم في كل شيء وأصبح قادرًا على كل شيء.. فهو يتحكم في الأمطار ويزرع الصحاري ويداوي ما استعصى عليه من أمراض وينقل القلوب والعيون من موتى إلى أحياء ويسافر بين الكواكب ويفجر الذرة وينقل الجبال(27).

  الخاتمة:

         أشار الله سبحانه وتعالى في الكثير من آياته إلى نهاية العالم والتي تتفق مع ما توصلت إليه آخر الدراسات الفلكية والجيوفيزيائية وغيرها من البحوث، وأن الساعة تحدث في لحظة كلمح البصر أو هي أقرب من ذلك وقد أخفاها سبحانه عن عباده المؤمنين بشكل كامل، وتحدث بغتة فيختل نظام الكون ويحدث الاضطراب في القوانين التي تسير الكون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) إشارات قرآنية في نشوء الكون/ د.فيصل علي مصطفى و د.عبد الوهاب حسن حمد/ ص8.
2) لمحات قرآنية في الحركة الفلكية/د.فيصل علي مصطفى/ص10.
3) شهادة الكون/ عبد الودود شبر محمد/ ص 150.
4) امرأتان ورجل/بنت الهدى/ ص43.
5) الله بين الفطرة والدليل/محمد حسن آل ياسين /ص50.
6) القرآن والعلم/أحمد محمد سليمان/ص68.
7) الكون والقرآن/ محمد علي حسن الحلي/
ص 39.
8) تفسير مجمع البيان/الطبرسي/ج10ص353.
9) الكون والقرآن ص46.
10) م.ن/ص49
11) امرأتان ورجل/ص62.
12) م.ن.
13) القرآن والعلوم/ معيد ناصر الدهان/ ص 64.
14) الله والعلم الحديث/عبد الرزاق نوفل/ ص 129.
15) القرآن محاولة لفهم عصري/د.مصطفى محمود/ص74.
16) القرآن والعلوم ص130.
17) (دردي الزيت: ما يبقى راسبًا في أسفله من الكدر، والعكر – محركة – بمعنى الدردي من كل شيء)/ مجمع البيان.
18) مجمع البيان/للطبرسي/ج10ص120.
19) القرآن والعلم ص 30.
20) الكون والقرآن ص 169.
21) مجمع البيان/للطبرسي/ج10ص166.
22) م.ن/ج9ص273.
23) الكون والقرآن ص29
24) العلم يدعو للإيمان ص 89
25) مجمع البيان/للطبرسي/ج10ص285.
26) القرآن والعلم/أحمد محمد سليمان/ص 129.
27) القرآن محاولة لفهم عصري/ص17.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.